مع ضغوط الحياة وعدم قدرة الكثيرين على مجاراة الدنيا وسرعتها وصدماتها، أو تباطؤهم أحيانًا في اللحاق بأحلامهم، يحتاجون للانفصال عن الواقع، والذهاب للخيال رُبما للتناسي قليلًا أو لشحن الطاقات وفي حين يفعل البعض ذلك عبر القراءة، أو السفر، أو الإجازات، أو حتى أحلام اليقظة، هناك من يفضّلون القيام بذلك عبر متابعة أحد المسلسلات التلفزيونية العالمية، ذات المواسم المتعددة، عالمين أنهم هكذا يغمسون أنفسهم في عالم آخر تمامًا قادر على ابتلاعهم.
يعود ذلك لأنه وبجانب المتعة الدرامية التي سيحصلون عليها من تلك الأعمال، سيتمكنون كذلك من الابتعاد عما يوترهم أو يُثقل عليهم حين يقومون بشبه التفرُّغ لمتابعة حياة آخرين، لا يعنون لهم شيئًا فيشاهدونهم في حياتهم العادية تتقاذفهم الأيام بين النجاح والفشل، الحب والاختيارات الخاطئة، السعادة والانهيار؛ فيبتعدون عن مشاكلهم الخاصة لبعض الوقت من جهة، ومن أخرى يُعيدون إدراك أن كل البشر لديهم معاناتهم الخاصة، وأنه ورغم كل شيء ما زال هناك بصيص أمل في آخر النفق.
الغريب أن البعض يفعل ذلك عن دراية تامة بأنه لن يلبث أن يُدمن ما يُشاهده فيصبح من الصعب فصله عن شاشة اللاب توب أو التليفزيون لفترة طويلة، حتى إنه قد يكون في حقيقة الأمر بدأ المشاهدة على أمل الوصول لتلك المرحلة من الانصهار التام داخل العمل وبين شخصياته، فيهرب لأطول فترة مما ينتظره على أرض الواقع، بينما يُفاجأ آخرون بعد فترة قصيرة من الوقت أن ارتباطهم بالعمل الدرامي الذي يشاهدونه صار مُبالغًا فيه وتعلقّهم بالأبطال كاد أن يصبح مرضيًا، فيجدون أنفسهم فجأة هناك في منتصف الطريق مع تلك الشخصيات «الخيالية»، يلتاعون لخسارتهم، ويفرحون لنجاحاتهم، ويستشعرون صُحبتهم وظلالهم على حياتهم اليومية حلقة بعد أخرى، وهو الأمر الشائع بين مُحبي الأعمال الدرامية الطويلة.
في هذا التقرير سنحاول استعراض الأسباب التي تتسبب في إدمان المسلسلات، من خلال تناول أشهر خمسة مسلسلات أدمنها مُريدوها، حتى بات لديهم لغتهم الخاصة وألقابهم التي تميزهم.
(1994_2004) Friends
فريندز، هو مسلسل أمريكي كوميدي شهير فاز بجائزة غولدن غلوب واحدة ويحتل المرتبة الـ40 بقائمة الـIMDb لأفضل المسلسلات، عُرض منه عشرة مواسم على مدار عشر سنوات، ليرتبط به جيل الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
ظهر هذا المسلسل كطفرة في وقته، فهو لا يهدف إلا لمتابعة الحياة اليومية لستة أصدقاء، وهو ما دفع البعض في البداية لاتهام المسلسل بالتفاهة، إلا أنه وبعد الانتهاء منه اكتشف متابعوه أنه من أقرب الأعمال للواقعية، فبين «روس» المائل للاستقرار، المتخبط بالعلاقات والمُحب بشراهة للعلوم ليصبح غريبًا بين رفقائه، و«ريتشيل» الفتاة المدللة التي تُجبرها الحياة على أن يشتد عودها فتقوى وتتعلم الاعتماد على نفسها، و«فيبي» غريبة الأطوار التي ترفض أن تعيش إلا وفقًا لقوانينها الخاصة، و«مونيكا» المُحبة للسيطرة والطبخ والكمال ما يجعلها دومًا متطلبة وانتقائية، و«تشاندلر» خفيف الظل الذي يُداري عدم ثقته بنفسه خلف النكات، و«جوي» الممثل التليفزيوني المغمور الذي يعتمد على كاريزمته في التقرب من الفتيات. كل هؤلاء يجتمعون معًا يوميًا ودومًا لنشهد معهم رحلتهم بالحياة.
هذا الثراء في الشخصيات والأهم واقعيتها ضمن للمشاهد أن يجد مِن الأبطال مَن يمكنه أن يتماهى معه فيشعر أن هناك من يُشبهونه بهذا العالم، وأنه ليس وحيدًا، لتأتِي بعد ذلك خطوة التوحد مع البطل المفضل فيضع المتفرج نفسه محله، مُتمنيًا له ما يتمنى لنفسه، بل وقد يُعيد اكتشاف نفسه وتقييمها من خلال هذه الشخصية، كل هذا كان من شأنه أن يزيد ارتباط الجمهور بالعمل.
الجميل في هذا المسلسل تحديدًا أنه منح متابعيه ليس فقط أشخاصًا يتماهون معهم، بل كذلك صحبة تخيلية داعمة وباعثة على الطمأنينة يشعرون في وجودهم بارتياح، ليتخيل كل متفرج نفسه الصديق السابع لهذه المجموعة اللطيفة، التي تتميز بعدم ادعاء المثالية على الإطلاق.
وعلى عكس ما هو متوقع من عمل كوميدي قد يظنه البعض سطحيًا، اتسم المسلسل بالثراء في نوعية العلاقات التي يطرحها، فهو لا يعرض فقط علاقات عاطفية معتمدة على الحب الاعتيادي كمحرك وحيد بل هناك علاقات قوية ومؤثرة أخرى مثل الصداقة، والأخوة، وحتى العلاقة بين رفقاء السكن ركز عليها العمل، وبالتالي استطاعت مختلف الفئات إيجاد ما يُمثلها وسط الأحداث.
ولأن المسلسل استمر عشر سنوات تزامنت مع انتقال الأبطال من العشرينيات للثلاثينيات، كان من الطبيعي أن نشهد تطورات عديدة ومراحل نضج كبيرة مر بها الغالبية العظمى من الأبطال، بين تجارب زيجات وانفصال، وحمل، وتَبَنٍِّ، وارتقاء وظيفي، وحتى تغيير المجال الوظيفي والبدء من الصفر.
كل ذلك أضفى على العمل المزيد من الواقعية وجعله قريبًا من حياة المشاهد الشخصية خاصةً ما إذا كان المتفرج بدأ متابعة العمل في مرحلة عمرية قريبة للأبطال، فصادف نفس التطورات في فترات زمنية مواكبة للمشاهدة.
(من 2005 وحتى الآن) Grey’s Anatomy
جرايز أناتومي، مسلسل أمريكي، بدأ عرضه عام 2005 وما زال مستمرًا حتى الآن، في سبتمبر (أيلول) القادم نشهد بداية موسمه الـ14. المسلسل درامي، اجتماعي، طبي، فاز بجائزتي غولدن غلوب من إجمالي 69 جائزة، و206 ترشيحات لجوائز أخرى.
تدور أحداث المسلسل حول مجموعة من الأطباء يعملون بمستشفى في سياتل، وبالرغم من أن معظم الأحداث تجري بين أروقة المستشفيات وداخل غرف العمليات إلا أن العمل اجتماعي بامتياز، إذ يتناول حياة هؤلاء الأطباء الشخصية بالتفصيل، وعلى كثرة المسلسلات الطبية القوية والتي تعلق بها الجمهور مثل House ،Scrubs ،Private Practice، وحتى ER قديمًا، إلا أن جرايز أناتومي له مَعَزَّة خاصة بقلوب متابعيه، لعدة أسباب، أهمها:
ثبات الأبطال الأساسيين أول خمسة مواسم، واختلاف شخصياتهم الواضح والمؤثر والذي لم يقف عائقًا في أن يصيروا أصدقاء مع الوقت (فنشهد قوة وصلابة «ميرديث»، وعبقرية «كريستينا» وثقتها بنفسها، وإنسانية «جورج»، وسحر «ديريك»، وفظاظة «أليكس»، وطيبة «إيزي»… إلخ) ، تواجدهم المستمر معًا على الشاشة وتنوع شخصياتهم أدى إلى التعلُّق الشديد بهم وسهولة التماهي معهم حتى صاروا جزءًا من حياة المشاهد اليومية، قبل أن تأتي أول فاجعة، بوفاة إحدى الشخصيات ورحيل أخرى.
ليكتشف الجمهور كيف أن «شوندا ريميس» – الكاتبة – لا تُفكر مرتين قبل قتل كل مَن تُسَوِّل له نفسه ترك العمل بالمسلسل، حتى صار من العادي أن ينتهي كل موسم تقريبًا بحادث يذهب بعض الأبطال ضحاياه، فلا يفقدهم المشاهدون فحسب، بل يختبرون غيابهم بعنف كثيرًا ما يبدو للبعض غير مُبرر.
يبدأ بعدها المشاهدون في ممارسة طقوس الفَقد، ومحاولة اكتشاف كيف ستستمر الحياة بعد رحيل هؤلاء من أحبوهم واعتادوا العَيش في رفقتهم، وهو ما يجعلهم بعد كل رحيل يتخذون قرارًا بتسطيح علاقاتهم بكل الأبطال الجُدد الذين سيأتون بعد ذلك، على أمل أن يكونوا قد تعلموا الدرس فلا يتعلقون بهم، أو يسمحون لهم بملء أي فراغ بالقلب، لكن هيهات إذ إنهم لا يلبثون أن يقعوا بنفس الفخاخ القديمة فيرتبطون بهم مع توالي الأحداث وتغلغلهم بين ثنايا الحكايات.
يتميز جرايز أيضًا بالعلاقات المتداخلة بين أبطاله، ما يزيد الأمور تشابكًا، فيصبح الخروج من هذه الدائرة أشبه بالبحث عن نهاية لبيت عنكبوت. هناك أيضًا التطور الهائل والضخم جدًا الذي مر به الأبطال والذي يُشبه جدًا تفاصيل الحياة الحقيقية، ليصبح جرايز أحد أكثر المسلسلات التي تؤكد على دور الزمن في إدمان الأعمال الدرامية.
تخيل أن تتابع عملًا دراميًا 13 عامًا من عمرك وأعمار الأبطال، تشاهدهم فيها ينضجون عاطفيًا وفكريًا، يتخرجون في الجامعة ويبدؤون حياتهم المهنية، ويتزوجون فينجبون، يشيخون أو يموتون، تشاهد فعلًا تجاعيد الزمن التي حُفرت على وجوههم، مسحات الحزن بأعينهم نتيجة الهزائم التي نالت منهم، في الوقت الذي حفر على وجهك وعينيك مثلهم، كل هذا يجعل العمل أقرب للحياة الواقعية منه للخيال.
الغريب أن الموت على قسوته وعدم استساغته كان أحد أسباب تصديق المشاهد للعمل، ذلك لأن حياتنا الحقيقية لا خلود فيها لأحد، الكل يخسر بالموت أعزاء له، ولا تنتهي كل القصص بالضرورة بنهايات سعيدة، وهو ما يؤدي لاحتفاء المتفرج بكل مشهد على الشاشة لأنه لا يضمن من الذي سيموت في نهاية الموسم.
نقطة أخيرة مهمة يُمكن إضافتها هنا (وتنطبق أيضًا على مسلسل Friends) هي اختيار صناع الدراما أبطالًا للعمل غير معروفين جاءت انطلاقتهم الفنية الحقيقية عبر تلك المسلسلات، هكذا يتعرف الجمهور عليهم حتى إنهم لا يعرفون لهم سوى أسماء الشخصيات التي يلعبونها.
على سبيل المثال بعد أكثر من عشر سنوات من نهاية مسلسل فريندز ما زال الجمهور يُعرِّفون جينيفر أنستون رغم شهرتها فيما بعد باسم «ريتشيل»، في حين يُذكر باتريك ديمبسي دومًا باسم ديريك، الشخصية التي لعبها 12 عامًا في جرايز أناتومي، وهو ما يضع نجوم التلفزيون فيما بعد في مأزق، إذ يحصرهم الجمهور بتلك الشخصيات التي كلما زاد نجاحها، زاد التصاقها بصاحبها، ما يجعل أغلب نجوم التلفزيون يفشلون حين يتجهون للسينما إما لأن الجمهور لم يستسغ فكرة أن يرى نجمه المفضل يلعب دورًا آخر غير الذي ظل يلعبه سنوات، فلا يصدقه ويرفض متابعته إذا ما غير جلده، أو أن يحصر النجم نفسه في نفس الشخصية فَيَمِّلها الجمهور ويزهد فيه وفيها، ليصبح من النادر فعلًا تتبع نماذج نجحت حين توجهت للسينما بعد أدوار بارزة وطويلة بالتلفزيون.
(2013-2008) Breaking Bad
مسلسل أمريكي فاز بجائزتي غولدن غلوب، ورغم أنه لم يتجاوز خمسة المواسم إلا أنه أحدث جلبةً قوية وواضحة وقت عرضه، وحاز على استحسان النقاد والجمهور معًا حد احتلاله المرتبة الخامسة لأفضل المسلسلات على IMDb! بل وحطم الأرقام القياسية وقتها فيما يخص نسب المشاهدة، حتى إن الحلقة الأخيرة قام بمشاهدتها 10.3 ملايين شخص وقت العرض الأول في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
اقرأ أيضًا: كيف غيّر مسلسل بريكنج باد نظرتنا للعالم؟

Breaking Bad، مُسلسل تلفزيوني نجح في أن يجمع بين الدراما، والجريمة، والإثارة والتشويق، والعلوم، قام ببطولته براين كرانستون الذي لم يكن يعرفه الجمهور قبل ذلك سوى بدور الأب بمسلسل تلفزيوني آخر هو Malcolm. ولأن دوره بالمسلسل القديم كوميدي بحت كان من الغريب فَهم سر أن يقع عليه الاختيار للقيام بدور البطل/ والتر وايت، مدرس الكيمياء الذي يستغل شغفه بالكيمياء وحبه للعلوم في صُنع «الميث» بعد اكتشافه لإصابته بسرطان الرئة وأن ما تبقى له من العمر وقت قليل، ما يجعله يريد تأمين مستقبل عائلته الصغيرة، قبل أن يتطور به الأمر من مجرد صانع لأحد أكبر التجار.
المفاجأة كانت أن يبرع براين في دور البطولة للدرجة التي جعلت السينما تفتح له الأبواب على اتساعها فلا يلبث أن يترشح للأوسكارعن فيلم Trumbo، ما ميز المسلسل أيضًا – بجانب الأداء المدهش والسلس من أبطاله – هو الكتابة التي اهتم أصحابها بالتفاصيل الدقيقة سواء على مستوى الدراما وبناء الشخصيات أو فيما يتعلق بالمعادلات والمركبات الكيميائية.
وبسبب الحبكة شديدة التعقيد والتطورات الضخمة بالأحداث كان من الطبيعي أن يصبح الجمهور في حالة لهاث مستمر لمعرفة ما سيجري، خاصةً مع التصاعد الدرامي الرائع الذي كان يُشَرِّح وبدقة الشخصيات موضحًا التحول التدريجي الذي يحدث لكل منهم، ومفسرًا سر انتقالهم من النقيض للنقيض دون أن يُثير هذا التعجب أو يُتهم صناعه بالمبالغة.
مع كل حلقة كان سقف التشويق يرتفع أكثر وأكثر، وهو ما يؤكد على أن هذا المسلسل نجح في اجتذاب جمهوره باللعب على نقطة «الفضول» من أجل معرفة ما سيحدث لاحقًا، خاصةً وأن البطل شخص عادي جدًا كان يمكن لأي منا أن يكون بدلًا منه.
جدير بالذكر أن نهاية المسلسل واحدة من أفضل نهايات المسلسلات بتاريخ الدراما على الإطلاق، والتي لم يختلف عليها أحد، فمن جهة جاءت ملحمية مؤكدةَ على فكرة العاقبة الأخلاقية، ومن أخرى أحسنَ القائمون على التأليف كتابتها فتميزت بالتشويق التام، وإجابة كل الأسئلة دون ترك أي أمور معلقة، والأهم أن هذا حدث دون تنظير أو استخفاف بذكاء المشاهد، ليصبح لا سبيل أمام المتابعين سوى قَلب هذه الصفحة فعلًا مع كلمة النهاية، دون النظر ولو للحظة للخلف أو الحاجة في التفكير بمصير أي من الأبطال بعد ذلك.
(2017-2010) Sherlock
مسلسل بريطاني ينتمي لعالم الجريمة، يتناول وبشكل معاصر قصص السير آرثر كونان دويل، والتي كان بطلها المحقق الخاص شيرلوك هولمز، يحتل المسلسل المرتبة الـ12 بقائمة الـIMDB، وقد عُرض موسمه الأخير هذا العام، حيث يتكون المسلسل من أربعة مواسم، بمعدل موسم كل عامين تقريبًا وثلاث حلقات للموسم الواحد بالإضافة لحلقة استثنائية في 2016، أي أن المسلسل أولًا عن آخر يتكون من 13 حلقة فقط.
وبرغم المسافة الزمنية الطويلة نسبيًا بين كل موسم وآخر إلا أن هذا لم يمنع متابعيه من التعلق الشديد به وانتظاره على أحر من الجمر، خاصةً وأن زمن كل حلقة كان حوالي 90 دقيقة، لذا يمكن اعتبارها بمثابة فيلم من حيث الأحداث، والمدة الزمنية، والإنتاج الضخم، والاهتمام بالتفاصيل والحبكة القوية، وهو ما تتميز به الدراما البريطانية عمومًا وتتفوق فيه على الدراما الأمريكية بكثير، فهم لا يهدفون فقط لملء الوقت لكنهم يبحثون كذلك عن مادة درامية دسمة ومكتملة، تكفي لكسب رضا الجمهور دون أن تروي ظمأه للنهاية فيظل دومًا بحاجة للمزيد.
وقد جذب المسلسل الانتباه إليه لأكثر من سبب، أولهم الغموض، ففكرة اللغز ومحاولة إيجاد حل له تُثير الفضول، فتجعل المشاهد يجلس على أطراف أصابعه طوال مدة الحلقة، مُحاولًا أن يعرف إجابات الأسئلة وأن يجد الحلول قبل شيرلوك وهو ما لا يتحقق غالبًا بالطبع.
تقديم الحكايات القديمة في ثوب حداثي جديد كان له أثر قوي أيضًا في أن يجعل الجمهور يستمتع بالعمل بينما يرى شيرلوك وهو يستخدم التكنولوجيا الحديثة في تفسير كل ما نعجز عن قراءة ما خلف سطوره، يأتي كل هذا برعاية الأداء العبقري من كل من بيندكت كامبرباتش ومارتن فريمان، اللذين لا يمكن أن تشعر معهما ولو للحظة أنهما ليسا شيرلوك هولمز ذلك العبقري المضطرب والمعقد، وصديقه الطبيب جون واطسون الذي يعرف كيف يجمع بين الجانب العملي والإنساني دون أن يطغى أي منهما على الآخر.
وقد اتسم صناع المسلسل بالذكاء الكافي ليجعلوا العمل لا يُركز فقط على الجانب البوليسي بالحكايات بل يهتم كذلك بالجوانب الإنسانية في حياة أبطاله، وهو ما زاد من ارتباط المشاهد بالشخصيات التي يشاهدها على الشاشة، جاعلًا العلاقة بينهم أكثر عمقًا وتأثيرًا.
ولأن المسلسل برع فيما يخص التصاعد الدرامي كان من الطبيعي أن تزداد نسب مشاهدته على مر السنوات، ففي حين بلغ متوسط عدد مشاهدي الموسم الأول 8.4 ملايين مشاهد (بالمملكة المتحدة وحدها)، زاد الرقم لـ10.2 ملايين في الموسم الثاني، ثم 11.8 مليونًا بالموسم الثالث.
مصدر الصورة: هنــا.
(من 2011 وحتى الآن) Game Of Thrones
كلما زاد إحباطنا من الحياة، زادت رغبتنا في الهروب وتأجيل المواجهات، وهو ما يدفع متابعي العمل الدرامي للتركيز معه، ومع أبطال حكاياته، وفي الوقت الذي قد يفضل فيه البعض اختيار أعمال درامية تُشبه حياتهم العادية فيصبحون قادرين على التماهي مع ما يشاهدون، يميل آخرون لمشاهدة أعمال قائمة على الخيال ضامنين أنهم هكذا يبتعدون أكبر قدر ممكن عن الواقع، مُنحين مشاكلهم بعيدًا ومتفرغين تمامًا لمتابعة أزمة وجودية لا تخصهم، ورحلة يعيشها آخرون.
من هنا يمكن قول إن أول الأسباب التي دفعت الجمهور لمتابعة جيم أوف ثرونز أو كما يعرف بصراع العروش – ذلك المسلسل البريطاني/الأمريكي الأكثر صخبًا والتفاتًا حوله هذه الفترة والمأخوذ عن سلسلة روايات ملحمية لـ«جورج مارتن» بعنوان «أغنية الثلج والنار» –
هو كونه ينتمي لفئة الفانتازيا، حيث تدور أحداثه في إطار درامي ملحمي بقارتين خياليتين تتصارع فيهما سبع عائلات من أجل السيطرة على العرش الحديدي للممالك السبع.
بدأ عرض المسلسل عام 2011، ليستمر حتى الآن حيث يعرض منه الموسم السابع هذه الأيام، وقد استحوذ المسلسل على متابعيه بشدة لأكثر من سبب، على رأسهم:
نوعية الدراما التي يقدمها العمل: فكما ذكرنا تظل الفانتازيا الوسيلة الأفضل للهروب من الواقع، بالإضافة لكونها الخيار الأول من الأساس لأصحاب الخيال الخصب.
الشخصيات والحبكة والتصاعد الدرامي: كل ذلك مكتوب بشكل مثير ومشوق للغاية يحفز على الاستمرار في المتابعة دون لحظة ملل واحدة.
لا توجد توقعات صحيحة: حسنًا، أيًا كانت توقعاتك فلن تتمكن عادةً من استنتاج ما سيحدث مستقبلًا، كانت تلك هي إحدى نقاط القوى التي أتقنها صناع العمل وأجمع على عبقريتها مشاهدو المسلسل، فأيًا كانت توقعاتك ثق بأنه سيُضرب بها عرض الحائط ولن تكون صحيحة أبدًا، ليظل الكتاب قادرين موسمًا بعد آخر على مفاجأة الجمهور وصدمهم، ما يجعل الأدرينالين لدى المشاهدين في أعلى حالاته طوال الموسم.
كُتَّاب المسلسل لا يهابون الموت: يمكن لأي بطل – مهما كان حجم دوره أو تأثيره – أن يموت فجأة دون مقدمات كما حدث مع «نيد ستارك» الذي ظنه الجميع البطل بالموسم الأول فإذا به يموت قبل نهايته! ليظل المسلسل مستمرًا بعده دون أي خلل أو غرابة، وبقدر ما تبدو تلك الفكرة مُفجعة، إلا أنها تؤكد على كون البطل الحقيقي هنا هو الحبكة وتفاصيل الحكاية، لا الأشخاص في ذاتهم.
الأبطال محض بشر: رغم أن المسلسل فانتازي في الأساس إلا أن هذا لا يجعل أبطاله خارقين فلا يُتماس معهم، فمعظم الأبطال إن لم يكن جميعهم يجمعون بين الخير والشر داخلهم، والأهم أنهم مُصابون بضعف إنساني عميق تمامًا كما يليق ببشر عاديين، وهو ما يجعل المتفرج غير قادر على أن يصُب كراهيته المطلقة أو تعاطفه غير المشروط على أي منهم، فجميعهم لهم مواقفهم التي يُحسنون فيها التصرف وأخرى تتملك منهم فيها الأنانية فيتصرفون وفقًا لأهوائهم الخاصة.
الإنتاج: إنتاج المسلسل ضخم للغاية فالحلقة الواحدة تقريبًا تتكلف عشرة ملايين دولار، أي أن تكلفة الموسم الواحد 100 مليون. ما يجعل التصوير، والإخراج، والديكور، والأزياء، والمؤثرات البصرية والصوتية على أعلى مستوى، وهو ما يرضي الذائقة الفنية لمحبي هذا النوع من الدراما.
الإسقاطات السياسية: لأن المسلسل مليء بالصراعات على السلطة والحُكم صار من السهل أن نجد به إسقاطات سياسية تتناسب مع الكثير من الأمور الشائكة التي تدور حاليًا بالعالم، ليصبح العمل أكثر إثارة للانتباه والاهتمام.
الشخصيات النسائية: معظم الشخصيات النسائية بالعمل هن خير مثال للمرأة القوية القادرة على الوصول لمبتغاها، أو على الأقل القادرة على السعي دون أن تترك ما تختبره بالحياة يكسرها أو يُثنيها عن نواياها وهو ما زاد من شعبية المسلسل وجماهيريته لدى المتابعات من النساء.
السوشيال ميديا: دون شك أحد أسباب حرص الجمهور على متابعة المسلسل إن لم يكن لأنهم يتابعونه من البداية فلأنهم شاهدوا أصدقاءهم المقربين يتحدثون عنه بشغف وحماس لافتين للانتباه ومُثيرين للغيرة، ما يترتب عليه اكتساب العمل أتباعًا جديدين ينضمون للجيوش الهائلة التي تدافع عنه وتشجِّع على مشاهدته.

لكل هذه الأسباب وأكثر يحتل مسلسل جيم أوف ثرونز مكانة خاصة في قلوب متابعيه للحَد الذي جعل البعض يُسمي أطفاله حديثي الولادة على أسماء الشخصيات المفضلة بالعمل!
ومع كل موسم جديد تزداد نسبة المشاهدة ليُحطم المسلسل الأرقام القياسية بجدارة، فرغم بدايته بمعدل مشاهدة 2.5 مليون مُشاهد في الحلقة الأولى إلا أن الأمر ظل في تصاعد مستمر حتى إنه وصل في الموسم الرابع إلى 18.6 مليون مشاهد، أما الموسم السادس فتجاوز عدد مشاهدي الحلقة الواحدة 25 مليونًا، أما عن رأي النقاد فيه فقد نال المسلسل استحسان الجميع، ليحتل المرتبة الرابعة بقائمة الـIMDb، ويفوز بجائزة غولدن غلوب بالإضافة إلى 417 جائزة أخرى.
The post 5 مسلسلات أدمنها الجمهور.. تعرف على الأسباب النفسية العميقة لذلك appeared first on ساسة بوست.