شهدت السينما المصرية على مدى تاريخها أفلامًا كانت، وستظل محفورة بذاكرتنا ووجداننا لقدرتها على البقاء وتحدي الزمن سواء شكلًا أو مضمونًا.
ولكن ماذا لو تحمس أحد صناع السينما الجدد لإعادة تقديمها برؤية عصرية مستخدمًا في إعادة صياغتها الكثير من آليات العصر، وبالأخص التكنولوجيا الرقمية، والتي باتت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا؟ المفاجأة أن معظم هذه الأفلام تنهار عقدتها الدرامية بفعل التكنولوجيا؛ كثير منها ربما تتغير أحداثها، وتتخذ منحنى جديدًا.
1- «حياة أو موت»
لا أحد يمكنه إنكار أهمية الهواتف الذكية، وما وفرته من قدرة على التواصل بين البشر، فإلى جانب المكالمات والرسائل وفرت أيضًا لمستخدميها القدرة على التواصل مع العالم الخارجي؛ بمجرد الاتصال بالإنترنت ودون الحاجة للجلوس أمام جهاز الكمبيوتر؛ وذلك عبر تطبيقات عديدة أو مواقع تواصل اجتماعية مختلفة، إضافة لقدرتها على تحديد المواقع الجغرافية ومعرفة الطرق وتحديد الأماكن بدقة.
والسينما كما الحياة تتأثر أحداثها بكل ما حولنا، وبالأخص التكنولوجيا كما أشرنا سلفًا، فمثلا فيلم «حياة أو موت» للمخرج كمال الشيخ، والذي يحتل رقم 38 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهو من بطولة الفنان عماد حمدي، والفنانة مديحة يسري وتدور عقدته الدرامية حول رجل منفصل عن زوجته يصاب بأزمة قلبية؛ فيرسل ابنته كي تشتري له الدواء، فيما الصيدلي يخطئ في تحضيره ليصبح «سمًا قاتلًا»؛ فيحاول بمساعدة الشرطة البحث عن الرجل وإنقاذه قبل تناول الدواء.
والفيلم المعروف جماهيريًا بالجملة الشهيرة «الدواء فيه سم قاتل»، لو تم تقديمه الآن ربما لا يصلح أصلًا، وتنهار عقدته الدرامية؛ إذا ما قام بطل الفيلم بطلب الدواء «دليفري» وبالتالي يمكن للصيدلي معرفة عنوانه ورقم تليفونه ببساطة.
وحتى لو لم يكن لدى بطل الفيلم هاتف أرضي، أو حتى محمول كان يمكن للصيدلي أن يطلق «هاشتاج» عبر وسائل التواصل الاجتماعية؛ يطلب من الجميع مساعدته لإنقاذ المريض، حينها كان يمكن لأحد جيرانه الوصول إليه ربما أسرع من زوجته التي كانت قد هرعت لنجدته.
2- حكايات الشاطر حسن والسندريلا الجميلة
كذلك فيلم «أغلى من حياتي» للفنان صلاح ذو الفقار والفنانة شادية، والذي أنتج عام 1965 من إخراج محمود ذوالفقار، والذي تدور أحداثه حول أحمد ومنى الذي ربط بينهما الحب منذ كانا طفلان لكن والد منى يرفض هذا الارتباط نظرًا لرغبته في تزويجها من آخر أكثر ثراءً، فيتفق العشيقان على الهروب من البلد والزواج، خصوصًا وأن أحمد مرشح لبعثة دراسية ما دفعهم لاتخاذ قرار الهروب في أسرع وقت، وفي اليوم المحدد يتفقان على السفر، إلا أن بطلة الفيلم والتي لعبت دورها الفنانة الكبيرة شادية لم تتمكن من الحضور في الموعد، ما يضطر أحمد والذي جسد دوره الفنان صلاح ذو الفقار لأن يسافر وحيدًا متوهمًا إنها استسلمت لرغبة والدها، فيسافر للبعثة وهناك يتزوج ابنة أستاذه وينجب منها طفلان، ولكنه لا ينسى حبيبته الأولى بدليل أنه يسمي ابنته على اسم حبيبته، التي يجمعه بها القدر فيصر على الزواج بها سرًا لتعيش على هامش حياته تمنحه السعادة دون أن تعكر صفو حياته الأسرية.
الفيلم هو الآخر كانت عقدته الدرامية ستنهار إذا ما تمكنت بطلة الفيلم من الاتصال بحبيبها على هاتفه المحمول؛ فينتظرها ولا يسافر متوهمًا أنها تخلت عنه ولن تتزوجه، فالحيلة التي بنيت عليها العقدة الدرامية قد تبدو مقنعة في النسخة الأصلية من الفيلم، لكنها حتمًا لن تصلح مع إعادة إنتاجه برؤية عصرية.
فيلم «يوم من عمري» هو الآخر تنهار أحداثه أمام تكنولوجيا العصر، فأحداثه مبنية على الصحفي صلاح شوقي أو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والذي كلف من قبل جريدته بتغطية خبر وصول العروس ابنة المليونير أبو عجيلة من السفر واستقبال عريسها لها في المطار، إلا أن العروس أو الفنانة زبيدة ثروت تهرب بمجرد أن تعلم شخصة العريس الذي اختاره لها والدها وهو شقيق زوجة أبيها، وتسوقها الأقدار للتعرف على صلاح في الأتوبيس الذي هربت فيه والذي استقله صلاح بالصدفة بعدما وصل متأخرًا عن موعد الطائرة.
الصدفة القدرية تجمع بين صلاح والعروس فيشتعل الحب في قلوبهم ومنذ النظرة الأولى فتقضي معه أجمل أيام عمرها قبل أن يتمكن والدها من الوصول إليها في الوقت الذي يقرر فيه صلاح تسليمها لوالدها الذي يحاول إقناعها بأنه كان يستغلها للخروج بسبق صحفي، غير أنها تظل على يقينها بأن حبيبها لن يخدلها ولن يستخدمها كي يحقق انتصارات صحفية وهو ما حدث بالفعل، إذ يتمكن صلاح من سرقة صور حبيبته من المطبعة قبل نشرها وإرسالها لها، ما يجعل والدها المليونير يبارك ارتباطهما في نهاية الفيلم.
المؤكد ووفقًا لأحدث وسائل التكنولوجيا حتمًا كانت ابنة المليونير أبو عجيلة تمتلك هاتفًا ذكيًا يمكن تتبعه عبر أحدث الوسائل التكنولوجية، وحتى لو نجح الصحفي صلاح شوقى في إخفائها داخل «عشة فراخ».
3- «مراتي مدير عام»
إذا كانت هناك أفلام يمكن أن تتغير أحداثها بفعل «الهاتف الذكي»، فبقية وسائل التكنولوجيا قد تعصف بأفلام أخرى منها مثل فيلم «مراتي مدير عام»، والذي اقتسم بطولته أحد أشهر الثنائيات في السينما المصرية (شادية وصلاح ذو الفقار)، ومن إخراج فطين عبد الوهاب.وتدور أحداثه حول حسين الذي يفاجأ بنقل زوجته عصمت للعمل مديرة للشركة التي يعمل بها، ما يضطره لإخفاء حقيقة زوجته عن زملائه في العمل قبل أن تتكشف الحقيقة مع أحداث الفيلم.
الآن ووفقًا لآليات العصر وأحدث وسائل التواصل، حتما يمكن لزملاء حسين اكتشاف الحقيقة عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعية «فيس بوك»، والذي من المؤكد يتضمن معلومات عن زوجته وفي مقدمتها صورتها، ما قد يدفع بالأحداث وأبطال الفيلم نحو منحى جديد مختلف.
4- «في شقة مصر الجديدة»
نفس الفكرة يمكن أن تنطبق بصورة أو أخرى على فيلم «في شقة مصر الجديدة» للمخرج الراحل محمد خان، فرغم أن أحداثه مبنية «شكلًا» على رحلة البحث عن المعلمة «المفقودة» فيما «المضمون» حول «ماهية الحب»، وكيف بات عملة نادرة الوجود، ربما كان على كاتبة السيناريو وسام سليمان تفكيك هذه «العقدة الدرامية» بما يتماشى وآليات العصر.
فعقدة الفيلم وكما أشرنا تعتمد بشكل أساسي على شخصية المدرسة الأم الروحية أو المثل الأعلى لبطلة الفيلم والتي لعبت دورها الفنانة غادة عادل، فهي تنتمي لزمن مضى لم يعد موجودًا، العلاقات والمعايير فيه تختلف تمامًا عما نعيشه الآن وبالأخص ما يتعلق بالحب، لذا يبدو منطقيًا ووفقًا لأحداث الفيلم الذي كتبته وسام سليمان تمسكها بتبادل الخطابات البريدية مع تلميذتها، رافضة تمامًا حتى التواصل عبر الهاتف كما جاء على لسان بطلة الفيلم والتي استغلت رحلة للقاهرة شاركت فيها بحكم عملها في المدرسة كي تلتقي أستاذتها والأهم تحسم ما يؤرقها من أسئلة، غير أن القدر كان يرتب لها أن تلتقي بحب حياتها بدلًا من لقاء معلمتها التي نجحت هي الأخرى في أن تجد حب حياتها أيضًا.
النسخة المعدلة من فيلم شقة مصر الجديدة كان لا بد أن تتوافق ومستجدات العصر حتى تقنع جمهورًا لم يعد معظمه يعترف إلا بالوسائل الحديثة فيما يحكم العلاقات بين البشر، لذا لن تقنعه الخطابات البريدية في ظل وجود البريد الإلكتروني أو غيره من وسائل التواصل العصرية مثل الـ«فيس بوك» لتفعيل التواصل بين بطلة الفيلم نجوى أو غادة عادل و«معلمتها» ومثلها الأعلى.
وحتى مع تمسك صناع الفيلم بالخطابات باعتبارها وسيلة للتواصل اتساقًا مع شخصية المعلمة الرافضة للتعامل مع أي مستجدات عصرية، ولا زالت تعيش في حكايات الشاطر حسن والسندريلا الجميلة، حتمًا كانت ستتغير بعض الأحداث وربما اتخذت منحى جديدًا، لكن ومن المؤكد سيظل الفيلم «إشراقه أمل» تجتهد بحساسية وشاعرية لـ«تفعيل الحنين» للزمن الجميل، زمن الأحلام فيه لم تكن مستحيلة والحب لم يكن عملة نادرة.
5- «واحدة بواحدة»
القائمة تتسع لتضم أيضًا فيلم «واحدة بواحدة» الذي اقتسم بطولته الزعيم عادل إمام والفنانة ميرفت أمين وأخرجه نادر جلال، وهو أحد هذه الأفلام التي أنتجت منتصف الثمانينيات، وهو مقتبس «حرفيًا» من الفيلم الأمريكي «lover come back»، لروك هدسون ودوريس داي وتوني راندال وإخراج ديلبرت مان.
وتقوم فكرته حول جهل بطلة الفيلم مايسة (ميرفت أمين) بشخصية صلاح فؤاد المنافس لها في وكالة إعلانية أخرى (لعب دوره عادل إمام )، حيث ينجح الأخير دومًا في الحصول على معظم الحملات الدعائية، ما يهدد مكانتها على الساحة، لذا تقرر فضح أساليبه الوضيعة التي يستخدمها للحصول على تلك الحملات، إلا أن جهلها بحقيقة شخصيته وبالأخص شكله ما يجعلها تقع فريسة سهلة في يده ويواصل خداعها لدرجة اختراع «الفنكوش» وهو سلعة تورط في الإعلان عنها رغم أنها غير موجودة من الأساس، تلك الحملة التي حققت مبيعات خيالية ما استوجب ضرورة وجودها.
المؤكد أن الكثير من تفاصيل الفيلم وفي إعادة تقديمه وفقًا لرؤية معاصرة كانت ستتبدل، وربما لن يصلح الفيلم من الأساس، نظرًا لاعتماده على «حيلة درامية» من الصعب قبولها الآن في عالم الفيس بوك وغيره من وسائل التواصل الإجتماعية إذ من الطبيعى أن تحاول مايسة التعرف على شخصية غريمها وعبر وسيلة آمنة مثل «الفيس بوك»، خصوصًا وأن شخصية مثل صلاح متعدد العلاقات النسائية سيكون حريصًا على الإعلان عن نفسه نظرًا لتعدد علاقاته النسائية، بمعنى أوضح سيكون خياره الإعلان وليس الإخفاء.
حتى الدكتور أيوب العالم الجليل والذي تستر وراءه صلاح ليواصل إحكام خداعه لمايسة، هو الآخر حل درامي صعب قبوله الآن، خصوصًا وأنه عالم كبير حصل على العديد من الجوائز والتكريمات في محافل محلية وعالمية وفقًا لما جاء بالفيلم، وكلها تتنافى مع فكرة عدم قدرتها على معرفة شكله.
6- «سي عمر»
أيضًا «الفيس بوك» أو أي وسيلة تواصل أخرى حتمًا كان سيغير الفكرة الرئيسية التي اعتمد عليها فيلم «سي عمر» رائعة المخرج نيازي مصطفى والتي حملت رقم 81 في استفتاء أفضل 100 فيلم.
فالفيلم الذي أنتج عام 1941 ولعب بطولته الفنان الكبير الراحل نجيب الريحاني بنيت أحداثه على شبيه عمر الذي تسوقه الأقدار لبيت الأخير ويتوهم أفراد أسرته أنه عاد لهم بعد طول غياب، ومن جانبه يقبل الشبيه خداع أسرته مضطرًا وتنفيذًا لتعليمات العصابة والزوجة السابقة لعمر، إلا أنه ومع مرور الأحداث يتمكن من استعادة حقوقهم التي ضاعت في ظل جشع العم لتنتهي الأحداث بعودة عمر الحقيقي الذي يسعده بالطبع ما فعله الشبيه ويزوجه شقيقته.
مرة أخرى أحداث الفيلم لا يمكن قبولها وفقًا للرؤية العصرية، لأن الغائب حتمًا كان سيتمكن من التواصل مع عائلته طوال سنوات غيابه عنهم وعبر أكثر من وسيلة، كذلك عائلته كان من الصعب خداعها بآخر مزيف وبالأخص العم (لعب دوره الفنان محمد كمال المصري المشهور بشرفنطح) الذي حتمًا يمتلك من الخبرة والنفوذ بحكم وظيفته السابقة في جهاز الأمن؛ ما يتيح له التأكد من شخصية الوافد الجديد.
7- «نهر الحب»
كذلك فيلم «نهر الحب» أحد أجمل أفلام المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار وأبرز الأفلام الكلاسيكية الرومانسية المحفورة بذاكرتنا، هو الآخر لا يمكن قبول فكرته إذا ما قدمت برؤية عصرية ما لم يعمد كاتب السيناريو ذوالفقار لتغييرات جذرية على نص تولستوي «أنا كارينينا» الذي اقتبس منه العمل.
فنوال أو فاتن حمامة الزوجة التي اضطرتها الظروف للزواج من الباشا زكيً رستم وأنجبت منه طفلها الوحيد، جمعها القدر بحب عمرها الضابط خالد (عمر الشريف)، وعبثا حاولت الهروب منه لكونها زوجةً وأم، إلا أن مشاعر الحب تتملكها خصوصًا بعدما نجح خالد في التعرف على شخصيتها والاعتراف لها بحبه، فيما الباشا المراقب للأحداث يرفض تسريحها بإحسان بل يحكم مؤامرته للخلاص منها عبر التقاط صور تجمعها بحبيبها في أوضاع لن يحسن تفسيرها، ما يجبرها على قبول قراره الصعب بأنها قد ماتت، وذلك بعد وفاة حبيبها في الحرب، ومن ثم لا تجد لحياتها معنى، لا ابن ولا حبيب فانتحرت.
المؤكد أن نوال العصرية لن تكون على هذا النحو من السذاجة، وستبادر بفضح زوجها «الباشا» زكي رستم عبر وسائط متعددة، وحتى لو نجح بسطوته قبل دهائه في النيل منها، فمن المؤكد لن تلجأ لنفس مصير البطلة في الفيلم إذ كانت ستتحين الفرصة حتى يكبر طفلها لتطلعه على حقيقة والده والقهر الذي مارسه ضدها.
8- فحوصات DNA تنسف حبكات بعض الأفلام
فحوص الـ DNA لمعرفة النسب كانت كفيلة للإطاحة بفيلم «تزوير في أوراق رسمية» الذي أنتج العام 1984 ولعب بطولته كل من الفنان محمود عبد العزيز وميرفت أمين وإيمان البحر درويش وهشام سليم ومن إخراج يحيى العلمى.
فالأم سعت طوال الفيلم لمعرفة من هو ابنها الحقيقي؛ بعدما لجأ زوجها لكتابه ابنه من زوجة أخرى باسمها بعد وفاتها أثناء ولادته، والذي تصادف أنه نفس اليوم الذي وضعت فيه طفلها الحقيقي.
نفس الفكرة تنطبق على فيلم «النمر والأنثي» للمخرج سمير سيف ومن بطولة الفنان عادل إمام وآثار الحكيم ومجموعة من النجوم، من بينهم الفنان الراحل أنور اسماعيل، أو زعيم العصابة حيث استغل الأمن فكرة افتقاده لابنته الحقيقية، وتم الاستعانة بفتاة ليل تائبة لتنتحل شخصيتها مع زوجها المزيف ضابط الشرطة؛ فيصدقهم التاجر ويسمح لهم بالإقامة لديه، المؤكد أنه ومع توافر هذه التقنية الآن؛ كانت الأحداث ستأخذ منحنى جديدًا مختلفًا عن النص الأصلي.
أيضًا أفلام «موعد مع السعادة» من تأليف وإخراج عز الدين ذو الفقار وبطولة فاتن حمامة وعماد حمدي، أو فيلم «رسالة من امرأة مجهولة» للمخرج صلاح أبو سيف ومن بطولة فريد الأطرش ولبنى عبد العزيز بصورة أو بأخرى كان فحص البنوة سيسهم في حسم الكثير من تفاصيل هذه الأفلام.
9- ماذا عن الثورات والأخلاق؟
الأفلام التي رصدت حالة الاحتقان التي شهدتها سنوات ما قبل ثورة 1952 ربما تتشابه مع فترة ما قبل اندلاع ثورة 25 يناير في مصر، فبينما لعبت آليات العصر وبالأخص الإنترنت دورًا كبيرًا في اشتعال الأحداث في يناير 2011، حين ساهم انقطاعه في تحفيز الجماهير التي زحفت للميادين وبالأخص يوم جمعة الغضب، فهل لو كان الإنترنت متاحًا فى تلك الفترة كانت ستختلف الأحداث؟
هل كان مجلس قيادة الثورة سينجح في الوصول للسادات وإبلاغه بالموعد «المعدل» عبر أي وسيلة تواصل حديثة، وذلك وفقًا للأحداث التي وردت بفيلم «أيام السادات» الذي أخرجه محمد خان وجسد دوره المبدع أحمد زكي، فحتمًا كانوا سيكتشفون حقيقة السادات لأنه لن يخاطر بحياته كما فعل رفقاؤه، ولن ينضم لهم إلا إذا اطمئن أن مخططهم قد نجح.
أيضا فيلم مثل «في بيتنا رجل» للمخرج هنري بركات من بطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت، وحسن يوسف، وحسين رياض وزهرة العلا والذي يحكي عن قصة إبراهيم الشاب الثوري الذي قتل رئيس الوزراء العميل للإنجليز، والذي تضطره الظروف للاختباء في منزل زميله بالجامعة. نتصور أن زملاءه سيطلقون «هاشتاج» الحرية لإبراهيم حمدي، وربما صفحة أو أكثر على مواقع التواصل تناصره أسوة بصفحة كلنا خالد سعيد.
الحريات العامة جزء لا يتجزأ من الحريات الشخصية، ومن ثم أفلام مثل «أنا حرة» إنتاج عام 1959، والذي لعبت بطولته الفنانة لبنى عبد العزيز، وناقش من خلاله المخرج الكبير صلاح أبو سيف قضايا تحرر المرأة عبر تقديمه لنموذج فتاة حررت نفسها من كل القيود التقليدية التي تكبل الفتاة الشرقية، وقفت تدافع عن حريتها في وجه مجتمع لا يعترف بتلك الحرية، ربما كانت بطلة الفيلم -ووفقًا لرؤية بنات الجيل الحالي-؛ ستطلق«مدونة» مثلًا توثق فيها القهر الاجتماعي الممارس ضدها، أم ستكتفي بتغريدات صادمة تكشف وتعري المسكوت عنه اجتماعيًا، ومن ثم تحظى بتعاطف ودعم عالمي وليس فقط محليًا.

المؤكد أن الأمثلة كثيرة ومتنوعة، والحبكات الدرامية ستتغير على كل المستويات بفعل تقنيات العصر والتكنولوجيا، وبما ينعكس على « منظومة القيم» في كل مكان، فرغم أن التكنولوجيا من المفترض أنها تسهم في تفعيل التواصل بين الجميع وتسهيله عما سبق، إلا أنها وللأسف تسببت في العكس، فمثلا العائلة الآن بات أفرادها يعيشون جميعًا في جزر منعزلة، الحب بكل ما يحمله من قيم بات ينتهي برسالة عبر «الماسنجر» أو «واتساب»، الحياة برمتها اختلفت أصبحت أكثر صعوبة وقسوة وقهرًا، وغيرها من الأمور باتت ملتبسة وغير محددة المعالم أو الرؤى.
The post ماذا لو أنتجناها اليوم؟ كيف «تنسف» التكنولوجيا الحبكة الدرامية للأفلام القديمة appeared first on ساسة بوست.