الحضارة موجودة بموافقةٍ جيولوجية عرضة للتغيير دون سابق إنذار. * ويل ديورانت – كاتب ومؤرخ أمريكي، صاحب سلسلة قصة الحضارة.
نشر موقع «فوربس» مقالًا كتبه «ديفيد بريسان» يستعرض فيه فيلم «كيف سينتهي» (How it ends) الذي يدور حول نهاية العالم، ويربط الكاتب بين ما يتناوله الفيلم من طرحٍ ومدى إمكانية حدوث أمر مشابه في الحقيقة، وكذلك يتناول مدى تأثير الكوارث الجيولوجية على المجتمع.
يقول الكاتب إن البشر مهيؤون بطبيعتهم للتفكير والقلق بشأن نهاية العالم، منذ بداية التاريخ البشري، وحتى يومنا هذا نصب رُسل أنفسهم مدعين أنهم رأوا علامات ونبوءات ما يفترض أنها نهاية العالم، وصاروا ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالطبع لم يكن هناك بد من تفادي الحرب النووية قبل 50 عامًا، ومنذ 20 عامًا تنبأت هوليوود بنهاية العالم المحتملة جراء سقوط جرم فضائي على الأرض كما عرض في فيلم «أرمجيدون» وفيلم «ديب إمباكت»، إلا أن الكوارث الهائلة نادرة الحدوث، ما نخشاه يقع إلى حد كبير بمعزل عن الكوارث الطبيعية مثل البراكين، ففي وقتنا الحالي نحن نخشى إبداعاتنا وما تنتجه أيادينا نحن البشر، قد يحل الذكاء الاصطناعي يومًا ما محل البشر، كما أن المناخ الناجم عن النشاطات البشرية يضر البيئة بمعدلات غير مسبوقة.
العلاقات الإنسانية وقت الكوارث
يعد التعاون الاستراتيجية الأفضل في الأوقات الحالكة
في عام 2005، اقترح الكاتب وعالم الأحياء الأمريكي جاريد دايموند استنادًا إلى بحثه المعني بالحضارات القديمة، مجموعة من العوامل لتفسير انهيار المجتمعات السابقة، وبعيدًا عن العوامل البيئية كالمناخ والكوارث الطبيعية، فإن العوامل الثقافية مثل الزيادة السكانية والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، والحروب وردود أفعال المجتمع وقت الأزمات، جميعها أيضًا تفسر نجاح أو فشل المجتمع.
أما في فيلم الإثارة الجديد من نتفليكس «كيف سينتهي»، يتصور الكاتب كيف يمكن حدوث انهيار مفاجئ لأمريكا الحديثة، في الفيلم يفر كل من ويل المحامي الشاب الناجح –يقوم بدوره الممثل البريطاني ثيو جيمس-، وحماه توم الاستشاري الفني وضابط البحرية السابق –يقوم بدوره المنتج والممثل الأمريكي فورست ستيفن وايتيكر-، من ولاية شيكاغو عقب ملاحظتهم نشاطًا جيولوجيًا، تتبع تلك الهزات فشل السلطات في المدن الرئيسية في الساحل الغربي، فتقطع كل الاتصالات جراء تعطل كل الأجهزة الإلكترونية.
يقول الكاتب إن السلطات –في الفيلم- لم تكن مستعدة أو حتى قادرة على تفسير ما يحدث، فانتشر الذعر كالنار في الهشيم، تزامنًا مع ضرب عواصف غريبة ساحل الأطلسي ما أجبر العسكرية على توقيف كل الخطوط الجوية، وبطبيعة الحال تسبب الذعر في ازدحام مروري شديد في الشوارع ما جعل من مغادرة المدينة أمرًا مستحيلاً. في خضم كل ذلك، يحاول «ويل» العثور على صديقته الحامل سامانثا –تقوم بدورها الممثلة والعارضة الأمريكية السويسرية الأصل كات جراهام- فيمر بمدينة سياتل الممزقة، والتي اجتاحتها الفوضى، وينجو البطلان من كوارث طبيعية عدة لا يمكن تفسيرها.
ويضيف الكاتب أن الفيلم لا يعرض تفسيرًا واضحًا لنهاية العالم الغامضة، إلا أن حبكته تركز على اكتشاف العلاقات الإنسانية في مجتمع ما عند مواجهة القرارات الصعبة، لذا «في نهاية المطاف لا شيء يهم في حقيقة»، وعلى الرغم من ذلك يحاول الكاتب الوقوف على الأساس العلمي لفكرة الفيلم.
البراكين الهائلة
يذكر الكاتب أنه مع انقطاع الكثير من وسائل الاتصال، لم يعد بإمكان أي شخص حينها سوى الاعتماد على المعلومات الشحيحة التي قدمها أبطال الفيلم، فيأتي أبطال الفيلم على ذكر رصد اهتزاز أرضي قرابة ساحل كاليفورنيا، ومن الواضح أن أغلب التقنيات والأجهزة الإلكترونية متوقفة عن العمل أو معطلة، وتتصرف الحيوانات على نحو غريب، فضلا عن تراكم سحب العواصف فوق المدينة.

صورة من الفضاء لبركان تونغوسكا 1908، لوكالة الفضاء الروسية (السوفيتية سابقًا)
جرت العادة أن العواصف المغناطيسية الأرضية تحدث خللًا في الاتصالات، وكذلك تشوشًا في الاستشعار المغناطيسي لدى الحيوانات، وفي النهاية يخوض الأبطال مغامرة في مدينة مجهولة معزولة مغطاة بالغبار والرماد، وفي أحد مشاهد النهاية، نرى ويل وصديقته سامانثا يحاولان الفرار من تدفق لحمم ضخم.
يقول الكاتب إن الأدلة الطفيفة التي يتحصل عليها المشاهد تشير إلى أن بعض الأحداث المرصودة ذات علاقة بثوران بركاني، ومن المعروف أن الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية يضم بركانين هائلين هما: وادي كالديرا الطويل -البحيرات البركانية- في كاليفورنيا، ويلوستون في وايومينغ، وتعد البراكين الضخمة أحد الأخطار الخمسة الكبرى المهددة للبشرية، جنبًا إلى جنب الكويكبات والحروب النووية والمرض وارتفاع درجة حرارة الأرض.
كانت يلوستون أول متنزه وطني في العالم، وأعجوبة جيولوجية تحتوي على أكبر تجمع للعيون الساخنة في العالم، ويغذي النشاط الحراري الأرضي الموجود هناك نقطة يلوستون، وهي كتلة كبيرة من المواد الساخنة التي ترتفع في طبقة المانتيل (الوشاح) الموجودة مباشرة أسفل قشرة الأرض التي نعيش عليها، فتغذي حجرة صهارية – حوض ضخم من الصخور السائلة يقع أسفل سطح الأرض- تقع على مقربة ستة أميال تحت سطح الأرض.
يرتبط النشاط البركاني في كالديرا لونج فالي بنطاق اندساس كاسكاديان حيث تنزلق القشرة الأرضية تحت القارة الأمريكية نتيجة لذوبان القشرة المندسة، وتغذي المواد المنصهرة النشاط البركاني المتفجر المعتاد في البراكين في شمال غرب المحيط الهادي. عادة تطلق الانفجارات البركانية العظيمة ثلاثة آلاف ضعف الطاقة المتفجرة في جبل سانت هيلين في واشنطن المشهور بلوافظه من الرماد وسيل صهارته النارية.
إلا أن الكاتب يذكر أن في كلتا الحالتين، اندلاع البراكين الهائلة سيؤدي بالضرورة إلى حدوث زلازل قوية تمتد إلى عدة مئات من الأميال من موقع الانفجار، وسيؤدي إلى سقوط الرماد على مساحات شاسعة. وبطبيعة الحال تتسبب الزلازل في أكبر ضرر بالبنية التحتية الحديثة، ما يعطل حركة المرور وخطوط الكهرباء، في أوقات الطوارئ البركانية يعتبر الحفاظ على استمرارية عمل شبكات الطاقة أمرًا حيويًا؛ إذ تعتمد أغلب البنية التحتية الحديثة على الأجهزة الإلكترونية، فضلًا عن أن حركة النقل الجوي تغدو مستحيلة بسبب الرماد البركاني الكثيف الذي يتميز بكونه ساحجًا لدرجة تكفي لإتلاف محركات الطائرات الحديثة.

ثوران جبل سانت هيلين 1980
ولعل الأمر الذي نال أضعف قدر من الدراسة باعتبارها حادثة غير مسبوقة، هو تأثير البراكين الهائلة على الاتصالات الحديثة، إذ تصبح جزيئات الرماد مشحونة كهربائيًا خلال الثوران، وقد يتسبب انتشارها في الغلاف الجوي في تداخل كهرومغناطيسي ما يعطل بدوره إشارات الأقمار الصناعية والراديو، وبالتالي يقيد من الاتصالات العالمية والمحلية على السواء.
وبعيدًا عن التأثير على الاتصالات يقول الكاتب إن تأثير الرماد البركاني على صحة الإنسان والبيئة يرتكز بشدة على الخواص الكيميائية للمواد المندلعة من البركان، بحيث يمكن أن تتسبب آثار غاز الفلور في الرماد الذي يغطي الحقول، ويتساقط على مياه الشرب مسببًا التسمم للحيوانات والناس، فضلاً عن مشاكل صحية خطيرة، أما بالنسبة لتدفقات الحمم البركانية مثل انهيارات الغازات الساخنة والحطام البركاني، فإنها يمكن أن تصل سرعات سقوطها إلى 99 ميلًا في الساعة، ومن المستحيل تجاوزها.
يعتقد الكاتب أنه -بالأخذ في الاعتبار مثل ذلك السيناريو الافتراضي- من المهم بمكان الانتباه إلى أن ثوران البراكين الهائلة لم تعد مستبعدة في الوقت الحالي فحسب، بل إن النشاطات الجيولوجية التمهيدية كالاهتزازات الأرضية الطفيفة يمكن تحدث قبل أشهر وحتى سنوات من حدوثه، أي قبل ملاحظة ظهور أي نشاط بركاني. وقدعرض الفيلم تطور تلك الكارثة بشكل سريع بطريقة مبالغ فيها، إذ يختبر البطل في غضون سبعة أيام فقط ما قد يستغرق حدوثه أسابيع وحتى سنوات.
وفي ختام مقاله يتساءل الكاتب هل يمكن لمجتمع مثل المجتمع الأمريكي الحديث أن ينهار بنفس تلك الوتيرة السريعة؟ إلا أنه من الصعب الوصول لإجابة جازمة في هذا الصدد؛ إذ لا نعرف تحديدًا مدى نطاق اتساع كارثة كتلك، ومن المستبعد أن تسود فوضى كاملة في كل أنحاء البلاد، وعلى الرغم من الاستعارات والتشبيهات التي عادة ما توصف بها أفلام «نهاية العالم»، يشدد الكاتب على أن التعاون يعد الاستراتيجية الأفضل في الأوقات الحالكة.
مترجم: نهاية العالم بعد 150 ثانية بتوقيت «ساعة القيامة».. كيف سينقرض البشر؟
The post «فوربس»: نهاية العالم في فيلم «نتفليكس».. انهيار مجتمعي بعد كارثة جيولوجية appeared first on ساسة بوست.