اسم الفيلم السينمائي الذي شاهدته مؤخرًا بطولة ويل سميث، يسرد الفيلم قصة هاورد مدير الشركة الناجح والمحبوب من الجميع. يمر هاورد بمأساة الفقد ويفقد ابنته الوحيدة أوليفيا التي كانت تعاني من ورم سرطاني نادر بالمخ. بعد هذه المأساة يتحول هاورد لشخص مختلف تمامًا، عنيف، منعزل، وشبه حي، بعد مروره بهذه التجربة يكتب هاورد رسائل للثلاثة موجودات التي كان يؤمن بأنها مترابطة وتربط البشر ببعضهم: الحب، الوقت والموت.
نحن نحتاج إلى الوقت لكي نطور الحب، نحتاج إلى الحب لكي نفهم ونتقبل الموت، ونحتاج إلى الموت لكي نستغل الوقت فيما ينفعنا.
في أحد المشاهد يخاطب هاورد الحب قائلًا:
Howard: I FELT YOU Everyday When She [Olivia]
Laughed… And You BROKE MY HEART!
Love: I Was THERE In Her LAUGH! But I’m Also HERE NOW In Your PAIN!
إذن ما المعنى وراء الجمال الجانبي؟
فسر أشخاص الجمال الجانبي على أنه مثلما هناك أذى جانبي وحزن بعد أي تجربة فقد وخسارة، هناك أيضًا جمال جانبي! قلة من الأشخاص لديهم القدرة على الوصول لدرجة عالية من السلام الداخلي لكي يروه. الجمال الجانبي قد يكون إدراكًا لفكرة أنك أحببت شخصًا ما، وأن هذا الحب الذي شاركته معه ما يزال بداخلك وبإمكانك استغلاله جيدًا، أو أن فقد هذا الشخص قد قربك لأناس كانوا موجودين لأجلك، أو من الممكن أنه قد غير حياتك للأفضل. يظل ذلك قرارًا بيد الشخص الذي مر بالتجربة.
بعد تجربة وفاة شخص مقرب. يوجد الحزن والجمال الجانبي كوجهين لعملة واحدة!
الجمال الجانبي قوي لا يمحى بالموت. كم سمعنا عن شخص توفاه الله، وظلت سيرته الحسنة على لسان كل من عرفه واجتمعوا سويًا كي يخرجوا من العمل الصالح ما يشفع له. ذلك الأثر الذي يدوم بعد الموت جمال جانبي.
يتسلل إلى ذهني كلمات أغنية مسار إجباري:
«من حضن الليل فجرك مولود». واصفة ولادة النور والحياة من رحم الظلام، وأنه لا بد من ظلام ومشقة سابقة لما يليها من نور ويسر، فظلام الليل دائمًا ما يعقبه ضوء الفجر.
Seeing the beauty through the… pain
!You made me a believer
!Pain
!You break me down, you build me up, believer
كلمات أغنية لفرقة Imagine Dragons.
يصف فيها أنه وصل لمرحلة رأى فيها الجمال المختبئ وراء الألم، وأن ذلك جعله شخصًا مؤمنًا أكثر.
نستطيع عندئذ أن نفسر بأن الجمال الجانبي هو القدرة على أن ترى الجمال في حلكة الظلام، في الحزن والمواقف الصعبة في حياتك، في الزوايا الموحشة فيك.
نستطيع أن نفسره أيضًا بأنه إدراك أن هذه التجربة الأليمة ليست نهاية العالم بل بداية جديدة لمرحلة مختلفة تمامًا وذات معنى، كما أشار إلى ذلك الرومي في حكمة مشهورة له يقول فيها:
.«You have to keep breaking your heart until it opens – Rumi»
في نهاية الفيلم يجتمع هاورد مرة أخرى بزوجته مادلين التي فقد ذكرياته عنها بعد وفاة ابنته ويستعيد ذكرياته عنها، بعد أن رأى شريطًا مصورًا له مع ابنته. ويستكملان علاقتهما كزوج وزوجة بدافع حب ابنتهما الذي تشاركاه سويًا، والذي سيدوم معهما لباقي العمر.
أخيرًا لا بد أن نستذكر قوله -سبحانه وتعالى- «إن مع العسر يسرًا» وأن ندرك دائمًا بأن حياتنا عبارة عن متسلسلة من اللحظات السعيدة والحزينة على حد سواء. فالحياة هي مجموع هذه اللحظات، وهذا هو الجمال الجانبي لها.
لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية دور الموسيقى المستخدمة في الأعمال الفنية وبالأخص في السينما، فهي من العناصر الأساسية في صناعة السينما، وتبث الحياة في العمل السينمائي، فبدونها سوف تشعر أن هناك خللًا، فالموسيقى قد سبقت الحوار في السينما الصامتة.
تعكس الموسيقى التصويرية تميز المخرج في عمله، فالموسيقى التصويرية: هي المعادل المسموع للمشهد السينمائي وتضيف بعدًا آخر للمشهد فهي تصف المشاعر التي تظهر على الشخصيات. إذا كان الفيلم حزينًا تجد أن الموسيقى التصويرية تتسم بالحزن، وفي الأفلام الحربية ستجد أن الموسيقى تعطي الشعور بالقوة والحماس. في نهاية الفيلم يكون لهذه الألحان وقع كبير وذكريات تبقى محفورة داخلنا تذهبنا لعالم جميل نتذكر فيه أجمل اللحظات وإن كانت مؤلمة يبقى لها رونق خاص بالقلب. .
نستعرض لكم 10 من أعظم المقاطع الموسيقية للأفلام في التاريخ.
عام 2010 حصل فيلم «المليونير المتشرد» على 8 جوائز أوسكار من أصل 10، في مفاجأة لم يتوقعها أحد.
إحدى هذه الجوائز هي أفضل موسيقى تصويرية للملحن الهندي «إيه. أر. رحمان» الملقب بيبتهوفن الهند الذي استطاع أن يترجم مشاعر الشخصيات من خلال موسيقى يتخللها الطابع الرومانسي والتشويقي.
الفيلم من بطولة: ديف باتل وفريدا بينتو وعرفان خان ومن تأليف سايمون بوفوي وإخراج داني بويل.
بعد الاتفاق بين المخرج وتريسن في غضون أسبوعين قام تيرسن بتأليف 19 مقطوعة موسيقية خليطًا بين أعمال نشرت مسبقًا ومقطوعات أُلفت خصيصى للفيلم. نال بها تيرسن الجائزة الوطنية الفرنسية كأفضل موسيقى تصويرية.
يحتوي الفيلم على مقاطع موسيقية متنوعة هادئة أحيانًا وصاخبة في أحيان أخرى، حققت شهرة واسعة بسبب أنها تستخدم في الكثير من الحملات الدعائية.
الفيلم من بطولة أودري تاتو من تأليف وإخراج جون بيير جونيه.
ترشح الفيلم لخمس جوائز أوسكار لم يكن من ضمنهم أفضل موسيقى ولم يفز بأي جائزة.
واحد من أفضل الأفلام في تاريخ السينما بسبب تكامل جميع العناصر من سيناريو وإخراج وتمثيل وأيضًا موسيقى تصويرية رائعة للمبدع «ألن سيلفستري» والتي كانت تظهر بقوة في المشاهد الدرامية.
الفيلم من بطولة: توم هانكس وسالي فيلد وروبن رايت وإخراج روبريت زيميكس وتأليف ونيستون جروم.
ترشح الفيلم لـ13 جائزة أوسكار من ضمنها أفضل موسيقى ولكن لم يفز بها ولكنه فاز بست جوائز أخرى.
الآن مع الموسيقار العبقري المرشح لخمسين جائزة أوسكار «جون وليامز».
يحتوي العمل على بعض المقاطع التي تشعرك بالفرح والسعادة تحلق بك إلى أماكن لم تحلم بها في أشد وأغرب خيالاتك.
الفيلم من بطولة: هنري توماس ودرباريمور من تأليف مليسيا ماثيسون وإخراج ستيفن سبيلبرج.
ترشح لتسع جوائز أوسكار فاز بأربع من ضمنهم أفضل موسيقى.
4- فيلم Pirates of the Caribbean موسيقى Hans Zimmer
موسيقى فيلم «قراصنة الكاريبي» هي أكثر ما يميز سلسلة الأفلام بجانب شخصية «جاك سبارو» وبالأخص مقطوعة «one day» الساحرة وهي المقطع الموسيقي الوحيد الرومانسي من الجزء الثالث.
الفيلم من بطولة: جوني ديب وأورلاندو بلوم وكيرا نايتلي، ومن تأليف كل من تيد إليوت وتيري روسيو وإخراج جوري فيربينسكي.
ترشح الفيلم لجائزتي أوسكار لم يكن ضمنهم أفضل موسيقى.
مرة أخرى مع الموسيقار الراحل «جيمس هورنر» في ملحمة حربية مستوحاة من قصة حقيقية من بطولة وإخراج الرائع «ميل جيبسون» موسيقى تمزق القلوب وتشعرك بالحماس وتجعل الدموع تسيل.
ترشح الفيلم لعشر جوائز أوسكار من ضمنهم أفضل موسيقى فاز بنصفهم.
أحد أعظم الأفلام في التاريخ يحتوي الفيلم على مقاطع موسيقية مميزة ذات طابع وروح إيطالية بسبب أن الفيلم يحكي قصة أحد عائلات المافيا الإيطالية.
الفيلم من بطولة: مارلون براندو وأل باتشينو وروبرت دوفال ومن تأليف ماريو بوزو وفرانسيس فورد كوبولا من إخراج فرانسيس فورد كوبولا.
ترشح الفيلم لـ11 جائزة أوسكار فاز بثلاث، تم سحب ترشيح أفضل موسيقى تصويرية بسبب أنه استعان ببعض المقاطع من فيلم Fortunella ولكنه فاز بها في الجزء الثاني.
«الماضي ذكرى، والمستقبل رؤى وأحلام، أما الحاضر فهو يتقطر في الماضي قطرة قطرة حتى أننا لا نملك أن نتحكم فيه» قرأت تلك العبارة في رواية «وكان مساء»للأديب الراحل عبد الحميد جودة السحار، وقد عبر بها عن الأوقات التي نمر بها خلال رحلة العمر التي نحياها بكل تفاصيلها وتجعلنا نوقن أن الإنسان كلما تقدم في العمر، تضاءلت تطلعاته ورغباته، بل تكاد تنعدم تلك الرغبات ولم يعد يسعفه سوى التأمل فيما قد حققه والتحسر على ما قد فاته.
قصة الفيلم
صديقان مقربان يقضيان أجازة طويلة بأحد الفنادق الاستشفائية في سويسرا، ويستعرضان خلالها ذكرياتهما الشخصية بجانب الذكريات التي تجمعهما معًا، وعلى الرغم من اتفاقهما في العديد من الأمور كالتقدم في العمر وخفقان الذاكرة ومرض البروستاتا إلا أنها يختلفان في نظرة كل منهما للحياة.
الأول يدعى «فريد بالينجر» وهو موسيقار مشهور ومتقاعد عن العمل، يرفض عروضًا مغرية من أجل العودة لقيادة الأوركسترا، وترافقه بالفندق ابنته «لينا» التي هجرها زوجها من أجل الارتباط بأخرى، والثاني «ميك بويل» مخرج سينمائي يصحب معه مجموعة من تلاميذه الشباب لكتابة سيناريو فيلم جديد يختم به حياته الفنية.
يتواجد بالفندق أيضا «جيمي تري» وهو ممثل شاب يقرر قضاء عطلته في الفندق الاستشفائي لمراقبة كل من حوله من أجل استحضار شخصية جديدة يقوم بأدائها باعتبارها دورًا مختلفًا يؤثر في الجمهور.
شيخوخة الروح وصباها بين الماضي والحاضر والمستقبل:
الموسيقار «فِريد» إنسان بائس ومثير للشفقة رغم شهرته الكبيرة يرفض قيادة الفرق الموسيقية ويرفض أيضا تأليف كتاب يحكي سيرته الذاتية فهو يكره حياته المهنية التي أخذته من أسرته ولم يدرك ذلك إلا بعد مرض زوجته التي ضحت بالكثير من أجل الإبقاء على الحياة التى جمعتهما سويًا وقد أدى كرهه لحياته المهنية إلى كرهه للحياة بشكل عام فلم يعد لها قيمة كما لم تعد لمقطوعاته الموسيقية قيمة لديه على الرغم من وجودها عالقة دائمًا في أذهان عشاق الموسيقى، فما أهمية وجوده في الحياة طالما لا وجود له في ذاكرة زوجته التى أحبها وظلمها بتجاهله لها في كثير من الأوقات وهي تمكث مؤخرًا بالمشفى في شبه غيبوبة، هكذا يعيش «فريد» حياته زاهدًا في كل ملذاتها يشغل حاضره بذكريات الماضي ولا يكترث بالمستقبل. وعلى النقيض من «فريد» صديقه «ميك» الذي تطغى عليه روح الصبا أثناء العمل مع تلاميذه بصورة تجعلك تظن أنه أصغرهم عمرًا بسبب اندماجه معهم ولرغبته الشديدة في خوض تجربة عمل جديدة، ولكن تأتيه بطلة الفيلم «برندا» لتخبره بانسحابها من العمل معه وتصارحه بحقيقة قاسية، وهي أنه كلما تقدم في العمر قدم أفلامًا سيئة وأن حياته المهنية انتهت بالفعل، تصدمه تلك المصارحة القاسية فيختلى بنفسه ويستعرض أمامه جميع الشخصيات النسائية التي قدمها في أفلامه ويسترجع بهن ذكريات حياته الفنية التي يرثيها في هذا المشهد الرائع وتظهر «برندا» بين الممثلات ويرفع لها «ميك» القبعة شاكرًا لها مصارحته بالحقيقة المؤلمة بضرورة التقاعد عن العمل ولكن لم يستطيع «ميك» التعايش مع تلك الحقيقة، لأن العمل هو كل حياته وعندما يتخلى عن عمله ستصبح الحياة بالنسبة له مجرد أيام تنقضي بروتين ممل وهو لا يستطيع أن يعيش دون حياة مرنة فيقرر الانتحار على أن يعيش بروح مسنة.
اترك ذكريات الماضي ودع مخاوف الحاضر واقض ما تبقى من عمرك:
قد تختلف طبيعة كل شخصية في الفيلم عن الأخرى من ناحية المعتقدات والأحلام والطموحات إلا أنهم اجتمعوا على حقيقة ارتكابهم أخطاء كبيرة في حق أنفسهم فها هي «لينا» ابنة المايسترو التي يهجرها زوجها بعد أن كانت تكرس حياتها له وحده حتى تجاهلت نفسها تماماً وظنت أن الحياة كلها مختزلة في هذا الرجل فتتألم بعض الوقت لتعود وتري العالم بنظرة أوضح من ذي قبل وتفتح ذراعيها للحياة وتبدأ في استنشاق رائحة الحرية كما عبرت هي في أحد المشاهد.
كما يقر الممثل الشاب «جيمي» بأنه أخطأ حينما أجهد نفسه في مراقبه كل من حوله بالفندق لاستحضار شخصية يقوم بتجسيدها في حين أنه من المفترض أن يبحث عما ستقدمه الشخصية وليس طريقة أدائها.. من المفترض أن يروي رغبة الشخصية سواء كانت رغبة ممكنة أو مستحيلة أو رغبة نقية أو فاسدة المهم أن يروي الرغبة التي تجعل الإنسان على قيد الحياة.
أما المخرج «ميك» فكان خطؤه غير قابل للتصحيح، لأنه قرر الرحيل عن العالم حينما تخيل شكل حياته بعد التقاعد وأرعبه هاجس الروتين فلم يستطع التعامل مع حقيقة تقاعده سواء بالانصياع الحكيم لها أو بالرفض.
وأخيرا الموسيقار «فريد» الذي أدرك أن اعتزاله للعمل تضامنا مع زوجته المريضة لن ينفعها ولن يعيدها كما كانت بل إن تقاعده أدى به إلى شيخوخة روحه مع شيب شعره وتقدمه في العمر، وأدرك أيضًا أن الصبا ليس له علاقة بمرحلة عمرية معينة، ولكنه يجب أن يكون في الروح مهما تقدم السن وما دام في العمر بقية.
أداء يفوق التقييم من البطلين «مايكل كين- هارفي كيتل» تكاد تشعر أنهما لا يمثلان وإنما هذا مايسترو بحق وذاك مخرج سينمائي بصدق، ولكن المخرج الإيطالي باولو سورينتينو الذي تعرض بهذا الفيلم لفكرة شيخوخة الروح وصباها في الشخصية الشابة والمسنة جعلها مترجمة بواقعية على شاشة السينما لتعيش سمفونية درامية تعلو بالمشاعر من فرط متعة الاندماج فيها، جعلك تشعر في ساعتين براحة واستجمام ورفاهية تفوق الوصف، وكيف لا وأنت تعيش مع هذه الشخصيات بهذا المنتجع الاستشفائي الراقي، تدخل معهم غرفة الساونا عاريا كما ولدت، تمارس رياضة اليوجا لتطير في الفضاء، تستلقي على وجهك وتستسلم لأيادٍ رقيقة ناعمة تدلك جسدك المترهل، وتستمتع بعزف أرقى المقطوعات الموسيقية وأنت ترى أروع المناظر الخلابة.
لحسن الحظ، لم تلتهمها حفرة مجتمعها العميقة. بل نجت وجعلت من نفسها مثالًا حيًا لقيمة الحياة رغم ضياع المعنى. كنت أستمع لصوتها المسّجل وهي تتحدث عنّ قصتها التي بدأت من دائرة الخوف مرورًا بدوائر التعب، والحيرة والهروب من الواقع. كان يصدر من صوتها موجات حماسة وإيجابية لا يمكن تجاهلها. كان صوتها مبتسمًا.
حتى لو رأيتها أمامك لن ترى منها سوى الصوت لأنها فتاة ترتدي النقاب في مجتمع يحيطه ركام من الغطاءات السوداء. ولكن لن تستطيع أن تتجاهل ذلك الصوت المليء بالحماس. هي فتاة ممتنة لكل شيء، حتى للسماء الزرقاء فوق رأسها، لأنها تعلم معنى أن تفقد الحق في رؤية السماء.
فيلم الدكتورة صفاء هو عمل متواضع لقصة حقيقية عن تلك الفتاة التي أرادت أن تحيا رغم كل أسباب الموت. تعيش في اليمن، البلد الذي تجلده الظروف الصعبة، وتبحث لنفسها عن شعاع أمل تسير على هديه. كان حلمها الوحيد هو أن تتعلم ولكن يبدو أن ذلك حلم صعب لأن الطريق إليه ليس محفوفًا بالزهور. فذلك الأب الغاضب لا يسمح بقطرات الحرية أن تسقط قليلًا على رأس صفاء. بل يخاف دائمًا من أن يتحدث هذا ويتحدث ذاك عن تلك الفتاة المسكينة التي تريد التعلّم.
نعم في هذا الزمن وفي ظل التطور الراهن، ما زالت الكثير من الفتيات داخل بيوتهن يقمن بعدّ حبات الأرز، وتجميع غبار البيت والحفاظ على أنفسهن من الذوبان في أفكار «الغرب» الشريرة. لم يسمح لها الأب أن تتعلم، فما كان منها إلا أن تعلمت خلسة. نعم، خلسة. وكأنها تُهرّب بضاعة غير مسموح بها. تتسلل من البيت بكل ثيابها السوداء وتذوق الأمرين لكي تصل إلى المعهد الطبي وتستمع صامتة إلى محاضرات التمريض التي يلقيها عليها الأساتذة الكرام.
«أريد أن أكون طبيبة». لم يكن ذلك سهلًا، ولكن دراسة عامين من التمريض يعطيها لقب «دكتورة» وبجدارة. فبعد أن تعلّمت، دخلت سوق العمل، وأيضًا خلسة. نعم، أصبحت حقوقها البسيطة تعتبر عملية تسلل تواجه فيها الخطر والأخطار. لم تكن وحدها بل ساعدتها الأم، التي لم تطق العيش مع زوجها فانطلقت تبحث لنفسها عن عمل هي الأخرى.
«نعم، لقد كان أبي رجلًا صعبًا، ولكنّه يعيش في مجتمع أصعب». ربما عذره الوحيد هو «الناس» فذلك المجتمع لم يرحم أحدًا ولن يرحم برأيي. فإن خرجت فتاة أمام قريتها، فسيتهمونها بسوء الأخلاق، والوقاحة، والتمرد و… و… والقائمة تطول. فما أسهل أن تحكم على الآخرين وتنسى نفسك. ولكن هل نجح أحد من قبل بمساعدة مجتمعه؟ قلة نادرة! لأن المجتمع حولنا لا يستوعب مفهوم «دعم الآخر»، بل يحرص دائمًا على تكسير مجاديفه، ويدعو في قرارة نفسه «ليته يغرق، ليته يغرق».
تمنى الكثير أن تغرق الدكتورة صفاء في طريقها لحُلمها، لكن لم يعلموا أن هنالك في الطريق بحارة آخرين. ساعدوها ومدّوا لها طوق النجاة لكي تصبح ما تريد. بدأت القصة بحُلم، وانتهت بواقع أفضل. أصبحت الدكتورة صفاء ما تريده ولكنّها تريد المزيد. تريد أن تستحق لقب الدكتورة. ليس فقط بدرجة علمية ولكن بمساعدة أكبر عدد من الناس حولها وفي مجتمعها المرهق. لكن ماذا عن والدها؟ وماذا عن قصتها بالكامل. بإمكانك مشاهدة الفيلم على هذا الرابط، لربما يزرع في قلبك زهرة أمل.
هو ليس اندفاعًا منا لمشاهدة مسلسل يحوي قصة وحكاية، نحرِّك بها عقارب الساعة لتمضي كيفما كانت، وننتهي. وليس مجرد حكاية كُتبت وعُرضت على شاشة ما لنتابعها وكفى، وليس مجرد سرد تاريخي عن شخصية أو لأحداث تاريخية.
تُرجمت إلى عمل تلفزيوني لأجل غرض ما، بل هو الشوق الذي ملأ القلب، لأن نكون، لأن نسترد بعضًا منا وماضينا، وآثارًا خالدةً لا تُمحى.
ذاك الشوق الذي يجعلنا نَحِنُّ لعدل عُمر، ونبحث عنه؛ فنتعلق بمن نرى فيه انعكاس بعضَ صُورته، ذات الشوق الذي يجعلنا نحنُّ لقوة خالد، لحياء عثمان، لصدق أبي بكر.
إنه بداية البناء من جديد.. ليبقى حيًا وسط تلاطم الأمواج عليه في ظلِّ متغيرات المفاهيم. نَحِنُّ لخالد ينادي عُمر، فيمسك يد الصّدّيقِ ليصدحَ رسول الله بالحَياة.
عن مسلسل قيامة أرطغرل Diriliş Ertuğrul ذي الطابع الإسلامي، والذي يعد ضربة في كبد علمنة تركيا.
ذاك المسلسل الذي تربع على عرش المسلسلات الأكثر متابعة، الذي استولى على قلوبِ الملايين قبل أن يسلب عقولهم، صغارًا وكبارًا، عن المسلسل الذي دعمه أردوغان. نعم، هذا هو فن الدراما، الاعتماد على الخيال السينمائي في توظيف الأحداث التاريخية، دون تزييف أو تشويه متعَمد، ودون بلورة الأحداث على غير ما كانت عليه، الحفاظ على الجوهر، إنها الدراما الهادفة التي يجب أن تكون.
قصة المسلسل
يُذكر أن أحداث مسلسل قيامة أرطغرل في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، ما بين حلب وأنطاكية، وأرطغرل 1191م ـ 1281م والد عثمان الأول، أول سلاطين الدولة العثمانية، وقائد قبيلة كاي من أتراك الأوغوز، وهو الذي مهد لقيام الإمبراطورية العثمانية.
كان المسلمون يعانون من الكثير من المشاكل في تلك الفترة بسبب ضعف الخلافة العباسية، وحينها ظهر أرطغرل كبطل لهم، وهو ابن سليمان شاه، ووالد عثمان الأول الذي سُميت الدولة العثمانية على اسمه لاحقًا.
بعد فترة طويلة من البحث عن أماكن تستقر به الدولة وتترعرع وتبدأ بالتمدد والإنتاج، أقام أرطغرل دولته في تلك المنطقة، وبدأ بتأسيسها، تعاني القبيلة من الكثير من الصعوبات الطبيعية والسياسية وتتعرض للمكائد ووجود الجواسيس والخونة، وتتعامل معها بطريقة تراها مناسبة على مدى حلقات المسلسل.
قام الكاتب محمد بوزداغ Mehmet Bozdağ بكتابة الحوار والسيناريو، لفتت موسيقى المسلسل أنظار الكثير، إذ إنها أتت لتناسب الجو والديكور والحقبة الزمنية التي تدور أحداث القصة حولها، ويعود الفضل في ذلك إلى زينب
الآسيا، تم إنتاج المسلسل في مؤسسة تيكيدين، وبإشراف مدير الإنتاج فيها ميتين جوناي Metin Günay وهو الذي قام بإخراج هذا العمل إلى التلفزيون. ويقوم بدور «أرطغرل» الممثل التركي «إنجين ألتان دوزياتان Engin Altan Düzyatan».
وقد تم تصوير المسلسل في قرية ريفا Riva köy الواقعة على ساحل البحر الأسود، ثم منطقة نوشهر Nevşehir (في الموسم الثالث).
عرض ولأول مرة في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2014، على قناة TRT التركية، لثلاثة مواسم، يبلغ طول كل منها 75 حلقة، بواقع 120 دقيقة للحلقة الواحدة، إلا أن الجزء الثالث ما زال يعرض إلى الآن.
ويعرض حاليًا على قناتي فور شباب 4shbab وقطرQatar TV، مترجمًا إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى العديد من القنوات الأجنبية الأخرى، تجاوزت بعض حلقاته الـ2.5 مليون مشاهدة على موقع الفيديوهات الشهير «يوتيوب».
فاز المسلسل بجائزة الفراشة لأفضل مسلسل، ولكن حدث خلاف وأرجع المنتج محمد بوزداغ الجائزة، ودافع عنهم الرئيس أردوغان وقال: إنكم فزتم بجائزة القلوب.
شكرًا أردوغان
إن «قيامة أرطغرل» ليس كباقي المسلسلات التركية التي يعرفها المشاهدون، فهو لم يتطرق إلى مسائل الحب والعشق والغرام المبتذلة التي عُرفت بها أغلب المسلسلات، وخاصة مسلسل «حريم السلطان»، الذي اعتمد بشكل كبير على دراما الحب والعشق داخل قصر السلطان، خلال حكم الدولة العثمانية.
شكرًا رجب طيب أردوغان؛ لأنك تضفى على كل شيء تزوره أو تلقاه عجبًا عجابًا.. أنت اليوم تقود انقلابًا على سينما العلمانية في تركيا؛ لأنك تدري مرامي المسلسل وأهدافه العابرة للحدود والقارات، بل العالم أجمع.
شكرًا لكل طاقم العمل، لقد برعتم في زرع القيم العليا، وإعادة بلورة منهاج الإسلام.
ولكن لِمَ لَمْ تتسابق القنوات العربية لشراء العمل ودبلجته، كما هو الحال مع غيره من الأعمال؟!
حسن، لابأس، بالرغم من ذلك فقد حظي المسلسل بنصيب متابعة عالٍ فاق بأضعاف مسلسلات أخرى، مثل مسلسل حريم السلطان.
متابعي المسلسل وعشاقه! أنتم محظوظون، استمروا في المتابعة.
«أعمال كريستفور نولان هي تجربة حسية كاملة؛ فأفلامه لا تشاهدها فقط، إنما تختبرها بجميع حواسك» قالها المونتير والروائي بيري هورتن، في مقال له، عن الموسيقى التصويرية المستخدمة في أفلام المخرج البريطاني كريستوفر نولان.
البريطاني كريستوفر نولان
إنشر
المقومات الفنية والتقنية التي تجعل أفلام نولان مميزة، ولها طابع خاص؛ هي كثيرة ومتعددة، ويعلمها على الأرجح كل محبي نولان، حتى هؤلاء الذين لا يمتلكون خبرة كافية بالسينما، فضلًا عن معجبيه العاملين في نفس المجال، أو من المشاهدين الذين «يستشعرون» تلك المقومات في حضرة نولان، دون أن يقرؤوا التتر، ودون أن يعلموا تلك المسميات الفنية التي تجعلهم يقولون: «هل هذا فيلم لنولان؟» أو «هل هذا الفيلم لنفس مخرج فيلم Inception/ استهلال؟» لما يتمتع به هذا الفيلم من شهرة وجماهيرية في المجتمع العربي.
لقطة من فيلم إنسبشن تجمع كل من توم هادري، وليوناردو دي كابريو، وكيليان مورفي
إنشر
لهؤلاء الذين سحرهم نولان من خلال فيلم أو فيلمين، إليكم العوامل التي تجعلكم تدركون أنه فيلمٌ لنولان؛ دون أن تقرؤوا التتر.
في عقل نولان.. الزمن لم يعد خطًّا مستقيمًا!
كريستوفر نولان أثناء تصوير فيلم فارس الظلام
إنشر
«كيف يمكن لي أن أشفى، وأنا لا أشعر بالوقت». جملة على لسان بطل فيلم «Momento/ تذكار»
نولان كان صريحًا مع الجمهور منذ أن بدأ في صناعة الأفلام عام 1998؛ إذ أوضح أن القصة التي سيقدمها لهم ليست بالضرورة خيالية، ولكن طريقة السرد والمعالجة الدرامية للزمن ستكون فريدةً من نوعها.
فيلم «Following» هو أول فيلم طويل لنولان، والذي لم يحظ بشهرة أو قاعدة جماهيرية عالمية.
كان سرد فيلم «Following» يدور في ثلاثة أزمنة مختلفة، الأمر الذي أعطى للفيلم طابعًا خاصًا، مع أن قصته تكاد تكون مكررة بالحرف في مئات الأفلام، وهي الزوج الذي ينتقم لمقتل زوجته.
وعلى الرغم من عدم انتشار هذا الفيلم عالميًّا، وعدم تحقيقه للنجاح الذي سيصل إليه نولان فيما بعد؛ إلا أنه بفيلمه الثاني Momento»/ تذكار» تمسك بطريقة السرد المميزة، والمعالجة غير العادية للزمن، في حين أن مخرجًا آخر في موقفه كان سيلجأ إلى نهج جديد؛ سعيًا وراء النجاح الجماهيري.
ولكن نولان له وجهة نظر أخرى في الأمر، ولذلك استخدم قصة قصيرة من تأليف أخيه جونثان نولان، وكتب لها سيناريو لفيلم طويل، بمعالجة زمنية فريدة من نوعها، ليجد المشاهد نفسه يشاهد الفيلم بالعكس، أي من نهاية الفيلم لبدايته، ليجعل نولان من «Momento/ تذكار» قطعةً فنيةً فريدة، فرضت أسلوبه المميز على الجمهور في كل مكان؛ ليبدأ مشواره الفني عالميًّا بهذا الفيلم، والذي احتاج الكثير من التفسير لفهم خطوطه الزمنية.
في لقاء تليفزيوني له، حاول نولان توضيح طبيعة الخط الزمني لفيلم «Momento/ تذكار»، حين قام المذيع برسم خطين متوازيين من الزمن على «سبورة».
هناك خط يمثل الأحداث عرضه بتقنية الأبيض والأسود بالفيلم، والخط الثاني يمثل الأحداث في المشاهد الملونة، ولكن نولان مسح الخطين ورسم شبه دائرة غير مكتملة، لتكون تلك الدائرة هي تصور نولان المرئي عن الزمن؛ فالزمن لدى نولان لا يسير في خط مستقيم، وهذا اعتراف بتوقيع يده.
كان «Momento» تدريبًا جيدًا لنولان على التلاعب بالزمن المحدود بالكرة الأرضية، ليتطور بعد ذلك إلى مراحل أوسع في إدراك الزمن، كما حدث في فيلم «إنترستلر»، إذ اقتحم نولان الفضاء الخارجي وعبر بنا من ثقب أسود دودي؛ ليأخذ المشاهد في رحلة زمنية؛ تجعله يمر بمواقف قد تبدو صعبة التخيل، إذ تصبح الابنة عجوزًا، بينما يظل الأب شابًا، وتترك صديقك وراءك مدة ساعتين، لتعود وتجد شعره أشيب، وبالطبع المشهد الشهير لـماثيو ماكونهي حين غاب عن المحطة الفضائية ساعات قليلة، ليعود ويجد رسائل من أبنائه الصغار، وقد تزوجوا وأنجبوا وأصبحت ابنته ميرفي في نفس عمره بالضبط.
في فيلمه الجديد دونكيرك، وعد نولان جمهوره؛ أن الفيلم ستكون له طبيعة خاصة في السرد أيضًا، سواء المعالجة الدرامية للزمن، أو سرد القصة بأكثر من منظور، ففيلم دونكيرك الذي تدور أحداثه في الحرب العالمية الثانية، سيقدم ثلاث وجهات نظر مختلفة لقصة الفيلم؛ واحدة من الأرض، والثانية من السماء، والثالثة من البحر. كما صرح نولان لجريدة «الإندبندنت».
الأمر الذي يذكرنا بفيلمه الأول على الإطلاق، ومشروع تخرجه «دودلبوج»، والذي ناقش في ثلاث دقائق فقط، كيف يمكن أن يتغير شكل الفكرة إذا نظرت لها من وجهة نظر مختلفة.
وداعًا للمساحة الآمنة.. استعد للصفعة الأخيرة وللأسئلة
«عندما نحلم؛ يكون كل شيء حقيقيًّا جدًّا من وجهة نظرنا، ولا نشعر بغرابة الأمر إلا بعد أن نستيقظ». جملة مقتبسة من فيلم «Inception/ استهلال»
ليوناردو دي كابريو في لقطة من فيلم إنسبشن
إنشر
إذا كنت تشاهد فيلمًا وبدأت تتملل في جلستك، وتسأل أسئلة غريبة مثل «هل ما أعيشه الآن حقيقة أم حلم؟ وما الحد الفاصل بينهما؟»، «هل أنا أعيش واقعي أم حلم شخص آخر وأقوم أنا بدور المساعد فقط؟!»، و«هل أنا حقيقي والحياة حقيقية من الأساس؟»؛ فتأكد أنك بنسبة كبيرة؛ ستجد اسم نولان يذيل تتر هذا الفيلم.
وهذا ليس بسبب احتكار نولان لمناقشة تلك الأفكار الخاصة بالوعي والأبعاد المختلفة له، ولكن هذا سببه أن نولان هو أكثر صانع أفلام استطاع أن يقدم هذه النظريات الجديدة للجمهور دون أن يشعرهم أنها مستحيلة الحدوث، بل وفي بعض الأحيان يقنعهم بمنطقيتها.
لقطة من فيلم Inception
إنشر
وهذا لأن نولان لا يلقى النظريات العلمية أمام المشاهد دون أن يوضحها له، بل إنه – حرفيًّا- يشرحها له بالورقة والقلم، سواء في بعض المشاهد على لسان الأبطال، أو بنفسه في لقاءاته التلفزيونية التي يشرح من خلالها وجهة نظره شرحًا سلسًا.
وعلى الرغم من تلك المحاولات من جانب نولان في التوضيح، إلا أن هناك سوء فهم يحدث دائمًا بين نولان وجمهوره، إذ تنتهي معظم الأفلام التي يقدمها بمفاجأة تجعلك تريد أن تشاهد الفيلم مرة أخرى، لتشاهده وتشعر بأنك تشاهد فيلمًا آخر، ولكنك لا تجد الإجابة عن سؤالك في النهاية، فدائمًا ما يكون هناك سؤال مُعلق لا يجيبه نولان في نهاية أفلامه، وهذا ليس بدافع إثارة غضب الجمهور، ولكن كما أوضح نولان بنفسه في حواره الذي شرح فيه فيلم «تذكار» قائلًا: «عادة ما تقدم الأفلام أجوبة للأسئلة التي تدور في ذهن المشاهد، إنما أفلامي تقدم أسئلةً يجب أن يجيب عنها المشاهد بنفسه من خلال مراقبة واقعه».
نولان أثناء تصوير أحد أفلامه
إنشر
نولان – حسب تصريحاته- لا يريد لأفلامه أن تشعر المتفرج بالأمان، أو تقابله في منطقة الراحة الخاصة به، بل بالعكس، هو يريد أن يأخذ المشاهد من يده ويجعله يتساءل، ويرى الحياة من منظور جديد؛ الأمر الذي أكده مرة أخرى بعد عرض فيلم استهلال؛ إذ أكد للجمهور في حوار صحافي له؛ أنه لن يشرح نهاية الفيلم أبدًا؛ لأنه يريد من المشاهد أن «يطارد واقعه» ليفهمه، ويدرك الشكل الحقيقي له.
فلا تشعر بالخجل إذا لم تفهم فيلمًا لنولان، أو لأن هناك أسئلة لم يجاوب عنها عقلك بعد، ولكن استمر في البحث، فهذا ما يريده نولان منك.
«زوجات ميتات.. زوجات ميتات في كل مكان». جملة مقتبسة من مقال نقدي عن نولان
ماريون كوتيلارد أثناء العرض الخاص لفيلم استهلال والذي قامت فيه بدور الزوجة المنتحرة
إنشر
إذا كانت هناك زوجة مقتولة، أو ميتة، ويساهم موتها في تحريك الأحداث الرئيسية في الفيلم، فاعلم أنك على الأرجح بين يدي نولان.
الأمر واضح بشكل يثير الريبة والتساؤلات لدى العديد من النقاد في الولايات المتحدة وخارجها، في فيلم «استهلال» كانت الزوجة الُمنتحرة/ المقتولة هي العنصر المُخرب للأحداث في عالم الحلم بالفيلم، وفي فيلم «تذكار» كانت الزوجة المقتولة هي المحرك الأساسي والسبب الرئيسي في أفعال البطل، وفيلم «Insomnia» تدور الأحداث كلها حول التحقيق في قضية قتل فتاة مراهقة، وحتى في فيلم «إنترستلر» كانت زوجة البطل ميتة.
وقبل أن تبني استنتاجًا عن موقف ما يتبعه نولان تجاة النساء بشكل عام، فيجب أن تعلم أنه متزوج من «إيما توماس» المنتج المنفذ لأعماله، إذ تشاركه عمله وحياته وأربعة أطفال.
شاهد بطلك المفضل.. وكأنك تراه للمرة الأولى
النجم الراحل هيث ليدجر بدون مكياج الجوكر
إنشر
«أنا لا أصدق أن نولان اختار ليدجر لدور الجوكر، يا له من أمر مقزز». جملة لأحد محبي هيث ليدجر في المنتدى الخاص بمعجبيه
وقد وصف هذا المشاهد الأمر «بالمقزز»؛ نظرًا لأن أحد الأفلام التي شارك فيها ليدجر قبل فيلم «فارس الظلام» هو فيلم «جبل بروكباك»، والذي قام فيه بدور مثلي الجنس؛ مما جعل محبيه يتوقعون «أنه سيُقبل باتمان في أي لحظة» كما أوضحوا في رفضهم لاختيار نولان أنه اختيار غير موفق.
بالطبع كان رد نولان وليدجر من خلال عرض الفيلم أقوى من أن نشرحه هنا، ولكن الأمر الذي يجب أن نعترف به، أنه كان من الصعب على أي مشاهد متابع لليدجر تخيله في دور معقد وشرير كهذا؛ لما قدمه من أفلام كوميدية وخفيفة ورومانسية؛ حتى أن الإعلام أطلق عليه في ذاك الوقت لقب «الشاب الذي يسكن في البيت المجاور» وهي دلالة على كونه يمثل كل شباب جيله.
نولان وليدجر، المصدر:mymodernmet
إنشر
تلك التجربة خاضها نولان مع روبين ويليامز؛ عندما قدمه في دور قاتل ومختل نفسي بفيلم «Insomnia»؛ الأمر الذي كان مفاجأة أخرى لجمهور وليامز، الذي اشتهر بأدوار محببة للنفس وكوميدية مثل مغامرات بابا الشغالة.
والسؤال: هل نولان لمس جانبًا مظلمًا في كل من روبين ويليامز وهيث ليدجر؟ جانب لم يستطع المشاهد العادي أن يراه حتى كشف عنه نولان؟
الأمر الذي كان صعبًا أن نتجاهله، حتى أن بعض المشاهدين طرحه على هيئة سؤال بشكل صريح على موقع كورا: «هل موت ليدجر خطأ كريستوفر نولان؟».
خاصةً وأن الاثنين –وليامز وليدجر- رحلا عن العالم بطريقة مأساوية.
وأيًّا كانت إجابة هذا السؤال فيجب أن نعترف بأن نولان عادة ما يقدم أبطال أفلامه بشكل مختلف تمامًا، حتى وإن نظرت للأمر من منظور فكاهي، فيمكن لك أن تتذكر المزحة التي انتشرت وقت إصدار دعايات فيلم رجل من حديد/ سوبر مان، حين تحدثت مواقع التواصل الاجتماعي عن الشكل الجديد لرداء سوبرمان؛ إذ لم يعد يرتدي «الملابس الداخلية» الحمراء فوق الرداء الأزرق.
في تلك النسخة من أفلام سوبرمان كان نولان صاحب القصة والمنتج المنفذ، بينما أخرج الفيلم زاك سنايدر.
«ربما يجب علينا أن نثق بجاذبية الحب.. حتى وإن لم نفهمها بعد». جملة مقتبسة من فيلم إنترستلر
آن هاثاواي في فيلم إنترستلر، المصدر موقع يوتيوب
إنشر
قد يظن البعض أن أفلام كريستوفر نولان بعيدة عن الرومانسية، وتهتم بالخيال العلمي والنظريات الفيزيائية فقط، ولكن إذا شاهدنا أفلامه من خلال منظور آخر؛ سنجد أن الحب يتجسد وراء دوافع أبطاله، خاصةً فيلم إنترستلر، والذي يمكن تصنيفه بكونه فيلمًا رومانسيًّا مليئًا بالمشاعر، فحب البطل لابنته كان مفتاح لغز الفيلم، ولم يخفِ نولان هذه الحقيقة بل ذكرها في نهاية الفيلم واضحة على لسان بطل الفيلم حينما قال: «الحب هو المفتاح».
وذكره بوضوح مرة أخرى أثناء أحداث الفيلم حين تحدثت د. براند عن حبها للشخص الذي تختار أن تذهب للكوكب الموجود عليه، على الرغم من عدم وجود أي أدلة تأكد أنه حي على هذا الكوكب، مبررة اختيارها بأن جاذبية الحب هي طاقة غامرة تجذبنا ليس على كوكب الأرض فقط؛ بل من خلال الكون بأكمله، وربما تكون هذه الجاذبية أمرًا أقوى من فهمنا له حتى الآن، وربما تكون طاقة الحب هذه هي مفتاح النجاة الحقيقي لنا نحن البشر.
وظهرت تلك الجاذبية للحب في العديد من أفلام نولان، فالرجل الذي يسعى للانتقام لزوجته التي قتلت في فيلم ميمنتو، والزوج الذي لم يستطع أن يخرج زوجته من قلبه وخياله حتى بعد موتها في فيلم استهلال، والأب الذي عبر الأكوان والأزمنة المختلفة ليعود إلى ابنته التي وعدها بكل الحب في قلبه أنه سيعود إليها في فيلم إنترستلر، والأخ الذي ضحى بحياته كاملة من أجل أخيه في فيلم «برستيج»، كل تلك العلاقات الخرافية القوية المعقدة في أفلام نولان هي مبنية على الحب من وجهة نظره الشخصية.
مايكل كين.. إنه يحب هذا الرجل
إذا ظهر مايكل كين في أحد الأفلام الجديدة القادمة، فاحتمالية وجود اسم نولان على التتر تتزايد.
النجم مايكل كين
إنشر
قام نولان بكتابة وإخراج 11 فيلمًا سينمائيًّا، شارك مايكل كين في أكثر من خمسة أفلام من تلك القائمة، إذ بدأ العمل معه في فيلم بداية باتمان، واستمر في الظهور بأفلامه منذ هذا الوقت، إذ تجد مايكل كين بدور مؤثر، وحلقة وصل، ومُخلص يلجأ البطل إليه دائمًا، ومن الصعب أن ننسى القصيدة الشهيرة التي قالها بصوته في فيلم إنترستلر، والتي كانت التيمة الدائمة للفيلم؛ لتذكر الأبطال أن عليهم محاربة الظلام وعدم الاستسلام له.
بالرغم من مرور ما يقارب العقدين على فيلم نادي القتال – منذ طرحه للمرة الأولى وحتى الآن – ما زال الكثير من الناس يعتقدون أن اسم الفيلم جاء مغايرًا تمامًا للقصة، لكن ما يلبث المشاهد حتى يرى الوجه الكامن من كن نفسك الحقيقية!
فى الواقع لا أحد يمكنه ذلك، ليس قبل ليلة التجارب الأولى ..” بعد أول قتال مع تايلر أغلقت صوت كل شيء في الحياة، يمكنك التعامل مع أي شيء.”
يقترح نادى القتال أن هناك صلة بين الألم والعدوان ومعرفة نفسك، ” إما أن تقاتل وتعيش أو تهدأ وتموت ” .. المواجهة ومشاركة المشاعر البدائية من الألم والنسيان .. يصور نادى القتال النضال لتحديد الإحساس بالهوية في الرأسمالية المتأخرة والثورة على فراغ الوجود .
قصة الفيلم
تدور الأحداث حول شاب – لم يذكر اسمه – كأنه رمز لثورة أو ما شابه .. يعمل لدى إحدى شركات التأمين للسيارات .. ويسافر دومًا من أجل تسوية الأمور مع أسر الضحايا وديًا، يبحث عن وسيلة لتغيير حياته وإدراك الذات، يعانى من الأرق المزمن ويجد بعض السلام في مجموعات لدعم مرضى السرطان والسل وما إلى ذلك من جلسات الجماع النفسي كما نصحه أحد الأطباء، ثم يتورط بالمتاعب فور مقابلته – مارلا سينجر – التي تعكس زيفه بزعمها المرض أيضًا، ومن جديد يعاوده الأرق .
يقابل الشاب – تايلر دردن – الذي يحرره من تعلقه بالأشياء الذي تستعبده، ثم يحرره من خوفه من الناس .. يقومان معًا بإنشاء نادي القتال الذي يجذب الكثير من الأفراد المحبطين، الذين يقومون بإخراج طاقة غضبهم وكرههم للعالم في القتال .
الوجه الآخر لتشاك بولانيك في السينما
يعد فيلم نادى القتال أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما العالمية، ليس هذا وحسب، بل اعتبره النقاد بمثابة بداية لتكنيك الحبكة المزيفة، التي ظهرت بعد ذلك في العديد من الأعمال الأدبية والسينمائية، على رأسهم المسلسل الشهير: بريكنج باد، الذي أخذ – وبشكل غاية في العبقرية – نفس قالب الفيلم .
ومؤخرًا – وبشكل معاصر لنفس الموجة في السينما – ظهر التذمر من المجتمع ككل عن طريق الأفلام والمسلسلات التي أخذت نفس القالب الدرامي للفيلم بما يحويه من قضايا وأبعاد، فما نراه اليوم هو امتداد للقصة ذاتها يكشف – نوعًا ما – الهدف من خلف الرواية .. وهذا يفسر قول تشاك على لسان تايلر دردن: نادى القتال كان البداية، والآن خرج من القبو؛ ليصبح مشروع الفوضى في العالم .
كانت القصة – وبالتالي الفيلم – من أكثر الأعمال إثارة للجدل حتى يومنا هذا، ليس التنسيق في الأداء بالتزامن من قبل عناصر العمل فحسب، ولا تيمة الرواي التي أضفت بعدًا آخر للفيلم، ورونقًا – ذا جاذبية – يتماشى مع الأحداث بسلاسة، بل لكون وصف تشاك للقصة كأنه استجواب جريء للسلطة بعيدًا عن كونها تايلر للفرد .
العالم أصبح بلا هوية
أطلق الفيلم تذمرًا قويًا وتعبيرًا صادمًا جدًا عن فشل المجتمع الحديث واضمحلاله من حوله، إذ يحوي قدرًا هائلًا من الفوضى العارمة والتمرد إلى حد أنها تذكرنا بأعمال كروبوتكين الروسي الفوضوي الأشهر، فيصف الكاتب بإطراء المجتمع الأمريكى الحديث الذي يتحلل ويلتهم نفسه لأسباب كثيرة منها تفكك الأسرة .. وكيف أصبح المجتمع مسخًا؟
السُعار الاستهلاكي .. اعتبره وصفًا أنيقًا لما يحدث، فالناس يهتمون بنظافة سياراتهم والحفاظ على شاشة هاتفهم المحمول، بالإضافة إلى اقتناء آخر صيحة من الملابس أكثر مما يهتمون بفساد أرواحهم وانشراخ عقائدهم، وحتى أكثر من اقتنائهم السلام النفسي، والكارثة أن هذا الوضوع يزداد يومًا تلو الآخر، لدرجة أن الرواي يتخيل أنه في يوم من الأيام ستنموا جميع الماركات؛ لتصبح أكبر من الإنسان، بل أكبر من الكون ذاته؛ لتظهر أشياء مثل مجرة ميكروسوفت، وكوكب ستار باكس، بالإضافة إلى دولة آبل .. الأشياء التي تمتلكها انتهى المطاف بها إلى امتلاكك .
أما بالنسبة للطبقة المتوسطة .. فنجد تايلر – في الكثير من الطرق – ينضح بالصفات القيادية الكلية: اللامبالاة تجاه الاستهلاكية، تجاهله الكامل للخوف عند بدء مساعي محفوفة بالمخاطر، رفضه لفكرة العيش حياة خطيئة ومهدأة، تعليقه على العلاقة بينه وبين أبيه، أسلوبه المثير للجدل لتحفيز الناس على التخلي عن خوفهم .. الأهم من ذلك، هذا من بناء أفكار القليل من ناديه دعا القتال بمثابة البدء التي تحول الفتيان إلى الرجال، لديك للقتال في أول ليلة، وخلق الثورة الاجتماعية، مشروع الفوضى، وخلق نظام اجتماعي جديد، من خلال تدمير نظام الائتمان، وفاء تايلر يعيث فسادًا في المجتمع، فيما يراه المحبطون الحل الأمثل لمواكبة العالم الأرستقراطي الضحل؛ لينتبه أحدهم لأمرهم.
ويجعلك حقًا تعيد تقييم ما هي القيمة الحقيقية، وكيف أصبح الناس المتعلمون بالطرق الحديثة – الذين هم أذكى وأقوى رجال – المشار إليهم بـذوي الياقات البيضاء .. عبيد اليوم؟
وتتوقع هذه المشاهد المبكرة فكرة أنه ليس من خلال أشياء خارجية يمكن للمرء أن يحقق إحساسًا أصليًا بالهوية؛ بدلًا عن ذلك أن السعي للحصول على الهوية الأصيلة أصبح زائفًا، والخروج الوحيد هو أن نطمح إلى شيء أقل، فيقترح نادي القتال تبني اليأس، والعودة إلى درجة الصفر، والمضي قدمًا بطريقة أبسط .
قصة نادى القتال تهاجم الملكية الفردية وكل قيمة برجوازية بشراسة: الإعلانات جعلت هؤلاء القوم يطاردون السيارات والثياب التي لا يحتاجون إليها .. هناك أجيال ظلت تعمل في وظائف تكرهها فقط؛ لكى تستطيع شراء أشياء لا تحتاج إليها .
انفصام محض أم مجرد نوبة من الغفوة؟
في سؤال طرحه أحد الزوار على موقع quora عن سبب قوة تايلر فى الإقناع، على الرغم من كونه نفس الفصام؟
أجاب أحد الزوار أن أحدهما مستشار قطع نظيفة يسعى لتحقيق الكمال فى عيون المجتمع والآخر يرفض المجتمع الكلى مع الثقة الأسطورية .. تستكشف القصة الجانب المظلم وتعقيد زعيم ملهم، الأمر الذي سيجعلك تفكر مرتين في المرة التالية التي تتبعها.
وعلى الرغم من التشابه الدقيق بين الشخصيتين الذي يفترق عند متابعتنا لمشاهد الحركة المعقدة، وعند لحظة معينة يتقاطع الاستقلال فى تعبير واضح عن معنى حقيقى للحياة كما لو أن عقولهم تومض معًا بطريقة متزامنة.
وخلاصة القول إن الطابع لديه أعماق وأبعاد غير عادية، وهو دائما ما يجعل شخصية تايلر مقنعة على الأرجح.
عندما تضطر آسفًا لأن تقتل نفسك
يمكن للشر الكامن في أنفسنا أن يحررنا لبرهة – ليس طويلًا – بينما – في باطن الأمر – يقودنا إلى الهلاك .. وذلك بأن نحرز تقدمًا نحو الهاوية دون أن نشعر .. فيظل المرء عالقًا فى عالم التيه لأبعد مدى، وربما للأبد .. لكن عندما يتعلق الأمر بالنهاية حتمًا لا بد وأن يجب على أحد الهزيمة والموت .. إنه أمر غير قابل للتفاوض.
أيًا كان ما يعترض طريقنا، وأيا كان ما بداخلنا، سيكون لدينا دومًا الخيار .. الاختيار هو ما يجعلنا ما نحن عليه، ويمكننا الاختيار دائمًا لعمل الصواب.
فلسفة الفيلم
من الصعب الجزم بسياسة الفيلم، إذ إنها تشكل آلية مركبة محكمة العمق حررها المؤلف وأطلق عنانها المخرج من خلال مواكبة العمل ضمن ترابط روائي محكم، ومع ذلك تجدها منوطة بشكل مشترك حول أغلب النقاط الكبرى لحبكة القصة المتعلقة بماهية الفرد الحقيقى من خلال عدم الالتزام بأية أيديولوجية .
كما سنرى أيضا أن الفيلم متناقض جذريا تجاه جميع القضايا التى سوف تستكشف ، فهو يروج لخطاب ” إيجاد نفسك ” بينما يصر فى الوقت ذاته على خطاب ” أنت لست ندفة ثلج جميلة وفريدة من نوعها “ .. مما يبعث الريبة ويبرز التساؤلات .. هل كل شئ ببساطة يذوب فى سخرية ما بعد الحداثة ، أو هل لا تزال نواة من الأهمية ؟ .. لذا لا يسعنى إدراج سياسة الفيلم تحت بناية التناقض .
أما عن فلسفة تشاك بولانيك فى أدبه فيقول يجب أن نرحب بالفوضى والأشياء التى نراها كوارث لأننا بهذه الأشياء نتغير .. يجب أن نرحب بالكارثة
الحب يولد فى الليلة الظلماء
دوما الحب يبرز فى أحلك الظروف ، رأينا تلك التركيبة الغريبة فى الفيلم حيص واعد جاك مارلا فى البداية دون اتفاق مسبق منذ تقابلا ، وربما كانت العلاقة مرنة فى وقت كان على علاقة وطيدة بأفكاره المتطرفة لكن فى النهاية نجح الأمر كأنما مخطط له الحدوث حتى وإن لم نفهمه بعد .. «قابلتينى فى مرحلة غريبة جدا فى حياتى»
لا شك أن الفيلم يبعث الريبة والحيرة والتذمر فى آن واحد ، لكنه لا يزال ذلك المركز الدافئ التى تحتشد حوله حياة هذا العالم .
عندما نقرأ أو نتفرج على ثلاثية سيد الخواتم أو ثلاثية الهوبيت للكاتب البريطاني ج. ر. ر. تولكين، نجد صراعًا ملحميًا بين الخير والشر، ففي ثلاثية الهوبيت نجد أن جانب الخير مكون من هوبيت وجن وأقزام وبشر بينما جانب الشر عبارة عن قبائل الأوركس. ما هو تعريف جنس الأوركس؟ من أين جاؤوا؟ هل لهم سوابق أخرى في التاريخ؟ لفظ أورك يرجع أصله إلى كلمة لاتينية وهي أوركوس والتي تعني إله الموت في الحضارة الرومانية وجاء أيضًا في الحضارة الإتروسكانية في إيطاليا بمقبرة أوركوس بمنطقة توسكانا. الأوركس يشبهون البشر إلى حد كبير ولكنهم أقصر قامة من البشر، وصفهم تولكين في كتاباته بأنهم كائنات قذرة وقبيحة تأكل جميع أنواع اللحوم بما في ذلك لحم البشر، ويقال إن أوركس أيزنجارد تأكل أيضًا لحوم الأوركس. ولد جنس الأوركس عن طريق ميلكور من طين وحرارة جوفية وقلوب من جرانيت، ويتكلمون بلغة تسمى بالخطاب الأسود التي أنشأها سورون في مملكة موردور.
ما دخل يأجوح ومأجوج في كل ما سبق؟ أولًا فإن قوم يأجوج ومأجوج ذكروا في الإسلام والمسيحية.
ثانيًا سُمِّيَ قوم يأجوج ومأجوج بذلك: من الأجيج، أي أجيج النّار، والنّار إذا اضطرمت اضطربت وصار لهَبُها يتداخل بعضه في بعض وقيل: لكثرتهم وشدَّتهم، وقيل: من الأُجاج وهو الماء شديد المُلوحة، وقيل: اسمان أعْجَميّان، وقيل: وهم لكثرتهم هكذا، وهم من ولد يافِث بن نوح باتّفاق النَسّابين.
ثالثًا قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج. ذو القرنين هو ملك مؤمن صالح، سمي بذي القرنين لأنه قد بلغ المغارب والمشارق من حيث يطلع قرن الشيطان ويغرب. وقد ذكرت القصة كاملة في سورة الكهف. «حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)».
حتى إذا وصل بجنوده إلى منطقة بين جبلين عظيمين، والسدان هما جبلان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج. فعندما رأى القوم قوة وتمكن ذي القرنين وتوسموا فيه الصلاح عرضوا عليه أن يبني بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدًّا وتطوع ذو القرنين أن يبني لهم السد بدون مقابل. فصف قطع الحديد بين جانبي الجبلين وجعله كالنار بشدة الإحماء وبعد ذلك أفرغ عليه النحاس المذاب فالتصق بعضه ببعض وصار صلدًا.
يحاول دائمًا صناع السينما جعل أفلامهم تجربة ممتعة للمشاهدين، فيستخدم بعضهم تقنيات الحاسوب لخلق عوالم فريدة ومختلفة، ويعتمد بعضهم على مصورين سينمائيين مهرة ومواقع تصوير وديكورات مصممة ومختارة بعناية شديدة لالتقاط كادرات سينمائية مبهرة، يحتوي هذا المقال على بعض الأفلام التي لا تحتاج إلى حوار بين الممثلين لتبهرك فالنظر إليها مبهر كفاية، فيمكنك مشاهدتها بلا صوت.
(Moonrise Kingdom (2012
أحد أفلام المخرج الأمريكي (ويس أندرسون) وفيلمه المحبب أكثر إلى قلبي، تدور أحداث الفيلم عن فتى وفتاة لم يتجاوزا الثالثة عشرة يقعان في حب بعضهما البعض ويقرران الهروب من أهلهما وخوض مغامرتهم الخاصة معًا، دائمًا ما تتميز أفلام (ويس أندرسون) بـ«سينماتوجرافي» فريدة من نوعها وألوان عديدة مبهجة تجعلك في حالة فريدة من السعادة، أنصح بهذا الفيلم كثيرًا فسوف يجعلك تتذكر العديد من ذكريات الطفولة والحب الطفولي البريء.
(Kubo and the Two Strings (2016
تدور أحداث الفيلم عن (كوبو) الطفل الصغير الذي يعيش مع أمه في أعلى الجبل، ينزل (كوبو) كل صباح من الجبل إلى السوق ليعزف على آلته الموسيقية السحرية فتتشكل قصاصات الورق من حوله ليحكي بها قصة ممعتة فيتجمع الناس حوله ولكنه يتركهم خائبي الآمال كل يوم لأن عليه الصعود إلى الجبل قبل غروب الشمس، الفيلم من إنتاج إستوديو (ليكا) المعروف بأفلامه القليلة الممتعة وفي رأيي هذا أفضل أفلامهم حتى الآن.
(Gravity (2013
الفيلم الذي حاز على العديد من جوائز الأوسكار من أهمها أحسن مخرج و«سينماتوجرافي» وخدع بصرية، الفيلم من بطولة (ساندرا بولوك) و(جورج كلوني) وتدور أحداثه في الفضاء الخارجي، الفيلم مذهل بصريًا ويجعلك تتفاعل مع ما يحدث على الشاشة كأنك جزء منه.
(La La Land (2016
رغم نجاح الفيلم على مستوى الإيرادات وحصد الجوائز، ما زال رأي العديد أنهم لن يشاهدوا هذا الفيلم لأنه فيلم موسيقي وهم لا يستمتعون بتلك النوعية من الأفلام، ولكن في الواقع أظن أن عليهم إعطاء هذا الفيلم فرصة فأحداثه ممتعة للغاية والموسيقى التصويرية رائعة وسرده للأحداث مختلف كثيرًا عن المألوف.
(Doctor Strange (2016
آخر أفلام (مارڤل) في عام 2016 بطولة (بينيديكت كامبرباتش) المعروف ببطولته لمسلسل (شارلوك)، حيث يقوم بأداء دور الجراج المغرور (ستيفن سترانج) الذي يمر بحادث يصيبه بخلل في أعصاب اليد، فيرحل إلى الشرق بعدما خذله الطب الغربي بحثًا عن علاج ليكتشف أن العديد من الأشياء ليس لها تفسير منطقي، العديد ممن شاهدوا الفيلم وصفوا التجربة بأنك تشعر كأنك تحت تأثير أحد عقاقير الهلوسة.
…. لتفاجئه رسالة على هاتفه من شخص يرفض ذكر اسمه قائلًا: شكرًا آل باتشينو على كل ما قدمته للسينما ولمحبيك، شكرًا لكونك آل باتشينو .. عيد ميلاد سعيد لأعظم من ظهر على الشاشة.
– في ذكري ميلاد آل باتشينو الـ 77 …
رائحة أفخم أنواع الخمور مازالت تلاحق أنفاسه، ربما يجد ضالته في الجاك دانيلز المحببة لقلبه والتي وقع عليها الاختيار قبل إعداده للحظة الإظلام الأخير التي كان يعد لها على طريقة معشوقة شكسبير، ولكنها لم تحدث حتى وإن وصل للذروة في عطر امرأة، عينه المرهقة تنظر من خلف الزجاج لشوارع نيويوورك التي تضج بالحركة والحياة، يعرفها جيدًا فقد نشأ فيها وجاب شوارعها منذ الطفولة، وكاد أن يضيع وسط غياهب مقاطعة ساوث برونكس، لولا والدته التي منعته من حياة الشوارع، والتي يدين لها بالفضل لذلك، أصوات صرير احتكاك إطارات السيارات يتسلل بنعومة إلى أذنيه فيمنعه الزجاج الذي يجلس أمامه، ولكنه لا يستطيع أن يمنع ذاكرته على تخيل ذلك لطالما عرف ذلك الصرير، هو يحب السيارات للغاية، يعشق السرعات العالية وتخنقه الحواجز، يريد الانطلاق بسيارته كفيلم heat، لا يعنيه أي شيء سوى تنفيذ هدفه ويتفق معه الكولونيل فرانك سلاد حتى لو كان غير مبصر.
يمسك بريموت التلفاز ويضغط على الزر لتظهر أمامه قناة رياضية عالمية تدعى sky sports، فيقف للحظة ليلاحظ أنها تعرض أهداف مباراة فريقين، أحدهما اليوفي، والآخر برشلونة، ثم يظهر مذيع رياضي في منتصف العمر؛ ليعلن عن مجد إيطالي جديد، وصعود للسيدة العجوز، لتطيح بالأسبان من بطولة دوري الأبطال الأوروبية.
يبتسم ابتسامه خفيفة فهو يعرف جيدًا إصرار الطليان حتى لو بأقل الإمكانات، جذوره ما زالت هناك، ابن صقلية التي تنشئ الرجال، بل المحاربين – تمامًا مثله – حارب منذ الصغر على فرصته وتمسك بها، حارب الحياة نفسها، أن تنشأ بدون والدك لا تعرف عنه أي شيء، لا يتذكر شكله إلا عندما ينظر صدفة في وجه أحد الباعة المتجولين، فقد كانت وظيفة والده السابقة تركه في سن الثانية فقط، نشأ فقيرًا، وأمه كذلك رحلت مبكرًا، وربته جدته؛ مما سبب له جرح كبير لم يندمل حتى عند سن السبعين، عندما كان يحكي مع الصحفي لورانس والذي جاء في كتابه، ولكن هيهات؛ إنه ال باتشينو.
الجرح سيترك أثرًا، ولكنه سيتخطى ذلك تمامًا، كما تخطى عقبات فقره في سكارفيس و فقدان والده في جادفازر، يقوم بتغيير القناة فيشاهد فتاة شابة جميلة بشعر كستنائي، يكاد يشتم رائحة عطرها من خلف الشاشة، نعم هي كتلك الفتاة التي رقص معها علي أنغام التانجو، يقوم بغلق التلفاز بعد حفيف الذكريات الذي تسلل إلى قلبه وعقله ويقوم بتشغيل موسيقي لموتسارت التي يعتبرها موسيقاه المفضلة، يرتشف بضع من الكأس الموجود أمامه، ولكن لا يكثر، فالسن لم يعد يسمع بالكثير من ذلك، ينظر للحائط المقابل ليجد صورة للعظيم مارلون براندو مثله الأعلى، وأباه الروحي تلفت نظره، ويتذكر معها ميلاد مايكل، وما قبله يرى فيها حلم حياته وانطلاقته التمثيلية عندها لم يكن يمتلك ثمن حذاء جديد، حيث إنه منذ صغره كان شغوفًا بالتمثيل، بداية من المسرح إلى أن شق طريقه السينما عن طريق فيلمي The Panic in Needle Park وMe, Natalie، إلى أن استطاع أخيرًا تحقيق حلمه، بل مشاركة مثله الأعلي في فيلم جادفازر، حيث وقع اختيار كوبولا عليه ليقوم بدور مايكل، حيث يقول كوبولا أنه كان يري وجه الباتشينو في كل جملة لمايكل عند قراءة نص الفيلم، مازال يتذكر صوت طلقات الرصاص في أفلامه وعشقه للسلاح، والذي كاد أن يتسبب له في مشكلة كبيرة.
ولكن الأمر انتهي لسجنه لثلاث أيام فقط لحيازته سلاحًا بدون ترخيص، ينظر للمرآة المقابلة ليلاحظ الخطوط البيضاء التي تجد طريقها بسهولة في شعر رأسه ولحيته وتجاعيد حول عينيه ، ولكنه يدرك حقيقة الأمر أنه في السابعة والسبعين من عمره الآن، تجاعيد وجهه تذكره بمشوار لبطل أسطوري يظهر علي الشاشة فيخطف أنظار الجميع ، لم يبحث عن الجوائز يومًا ما، ولكنه أجبر الجميع علي الوقوف والتصفيق لإحدى أطول الفترات في أوسكار 93 عندما نالها باستحقاق عن عطر امرأة، بعد أن تجاهلته الاكاديمية في عدة أدوار عظيمة، ولكن صرخة الأعمي في الخطاب الأخير كانت كافية لتفيق أعضاؤها، الأصابع تضغط علي هاتفه الذكي ليرى عنوانًا عريض بالإنجليزية، ثم يلاحظ صورته وقائمة بأهم أفلامه، ليعيد النظر لأعلى ليجد تذكير بمسيرته، وبجوائزه احتفالًا بعيد ميلاده الذي يوافق اليوم : 44 فوزًا و77 ترشيحًا وقائمة تطول من الأفلام والانتصارات السينمائية، أهمها 8 ترشيحات للأوسكار فاز بواحد منها عن عطر امرأة، و5 جوائز جولدن جلوب إلى غير ذلك من جوائزه وأفلامه بداية من Me, Natalie مرورًا بـ The Godfather إلى باقي المسيرة ( Serpico، Dog Day Afternoon ، Scarface ، The Devil’s Advocate ، The Merchant of Venic ، Heat ، Carlito’s Way ، Donnie Brasco ، Any Given Sunday ) .. إلى آخره من قائمة أعمال مهيبة تليق بممثل عظيم.
كل هذه الذكريات تجوب عقله ، ولكنه لا يعرف هل اختار الطريق الصحيح في حياته هل وصل للجنة الموعودة التي حلم بها في Carlito’s Way، لتفاجئه رسالة علي هاتفه من شخص يرفض ذكر اسمه قائلًا: شكرًا آل باتشينو على كل ما قدمته للسينما، ولمحبيك، شكرًا لكونك آل باتشينو عيد ميلاد سعيد لأعظم من ظهر على الشاشة.
يشعر بالسعادة لهذه الرسالة وتريح نفسه قليلًا، حتى مع عدم علمه باسم المرسل، ولكنه بالتأكيد شعور الكثيرين حول العالم ممن عشقوه وعشقوا فنه وما قدمه، حتى لو أصبح غير قادر على تقديم المزيد، فما قدمه يكفي وسيكفي ليصبح أحد أساطير السينما، بل أفضل ممثل في التاريخ حتى، وإن كان في وجهة نظري فقط.
يسألونني لماذا لم أعد كسابق عهدي في السينما، في الحقيقة حينما تصلون لمثل سني ستعملون قليلًا، وتنامون كثيرًا، وتذهبون للطبيب كثيرًا جدًا؛ لأنني ببساطة كنت إنسان في مقتبل حياتي، واستهلكتني الحياه بكل طاقتي وشبابي وموهبتي، حتي انتهي تاريخ صلاحيتي وحتى يأتي ميعاد الرحيل، أنا آل باتشينو.
وستظل دائمًا آل باتشينو حتى إنك لن تحتاج لقبًا لمدحك غير ذكر اسمك … Al Pacino
يُعرف لفظ «ديستوبيا» في الوسط الأدبي بمدينة الفساد الخيالية، بمعنى أن الديستوبيا هي تصوير الحياة في المجتمع الفاسد الذي لا يحتكم لعادات وتقاليد أو أعراف وقوانين، مجتمع غارق في الشهوات ومستوطن في الملذات، مثله كمثل بنيان مزخرف قائم بأعمدة هشة من قاعدة أساسها «الغاية تبرر الوسيلة».
ديستوبيا الواقع
فيلم القاهرة 30 مأخوذ عن رواية «القاهرة الجديدة» للأديب العالمي نجيب محفوظ، والتي كتبها في أربعينات القرن الماضي، وترجمها المخرج صلاح أبو سيف على الشاشة الكبيرة بلغته السينمائية البديعة إلى عمل فريد يجسد حياة المجتمع المصري بكل تقلباته في فترة الثلاثينات.
يتعرض الفيلم إلى العديد من القضايا التي كانت تستحوذ على فكر وحركة المجتمع آنذاك؛ حيث كانت تسوده الفوضى والفقر والفساد وانعدام الأخلاق والطبقية والانتهازية، كل هذا تم طرحه من خلال مجموعة من الشخصيات التي تعتبر كل منها شخصية مهمة من الممكن أن تكون محورًا رئيسيًا لفيلم روائي طويل.
– شخصية محجوب عبد الدايم «حمدي أحمد» الشاب الريفي الذي يدرس بالجامعة، ويعيش بصحبة مجموعة من الزملاء في سكن الطلاب، ويعاني من الفقر وضيق الحال بعد مرض والده الذي لم يعد يتحمل نفقاته، مما جعله دائمًا في حالة غضب وسخط حتى يفكر في تبديل أحواله بكل انتهازية ليحصل على المال والوظيفة، غير عابئ بما سيقدمه في المقابل من تضحيات تكلفه شرفه وكرامته.
– علي طه «عبد العزيز مكيوي» الشاب الثوري صاحب العقل الحكيم والقيم الراسخة، والذي يحمل على عاتقه همّ الوطن وما آل إليه من فساد وظلم؛ فيحاول جاهدًا مع بعض زملائه توعية الناس من أجل تطبيق الاشتراكية لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الطبقية المتفشية.
– أحمد بدير «عبد المنعم إبراهيم» الصحفي الانتهازي الذي يلعب على كل الأوتار، وينحاز دائمًا لذوي الغلبة والسلطة؛ حيث عبر عن نفسه ووصف شخصيته بعبارة بديعة: «أنا صحفي يا حلو تلاقيني في أي حتة ومع كل الناس، أفطر مع الحكومة وأتغدى مع المعارضة وأتعشى مع ست الحسن والجمال».
– إحسان شحاتة «سعاد حسني» فتاة جميلة من أسرة فقيرة تحلم بإتمام تعليمها والزواج من حبيبها «علي طه»، ولكن تأتي أحلامها البسيطة على غير هوى والديها اللذين يرغبان في تزويجها من أحد الأغنياء، حتى يتكفل بها وبأسرتها وينتشلهم من بين براثن الفقر ويخلصهم من ضراوة الجوع.
– قاسم فهمي «أحمد مظهر» أحد بشوات العصر الملكي الذي يتقلد منصب وكيل وزارة المعارف، ومن ثم يصبح وزيرًا لها مع تغيير الحكومة، وهو نموذج لصاحب السلطة الفاسد والانتهازي، الذي يغوي فتاة بريئة بالمال والهدايا ليرضي شهواته ونزواته.
المبادئ تصارع الظروف.. من الرابح؟!
كانت وما زالت الطبقية المتفشية في المجتمع المصري لها عظيم الأثر في التقلبات الحياتية المستمرة التي يعيشها مختلف شرائحه، فلا يوجد دافع لتلك التقلبات سوى الفقر وضيق الحال الذي يعاني منه طبقة الفقراء، حيث لا يمتلكون غير بعض المبادئ التي يتحلون بها، وبعض القيم التي يقتاتون منها، ولكن إلى أي مدى ستسمن هذه المبادئ وستغني تلك القيم عن متطلبات الحياة؟ إلى أي مدى ستصمد المبادئ أمام الظروف القاسية؟
ها هو «محجوب» أول المستسلمين في تلك المواجهة، يتنازل عن شرفه ليحصل على وظيفة مرموقة؛ فيقبل الزواج من عشيقة ولي نعمته وهي «إحسان» التي ترضخ للظروف نفسها التي أجبرتها على التنازل عن أحلامها البريئة، والتخلي عن حبها الطاهر من أجل أن تحيا هي وأسرتها في رغد من العيش، ولكنها تعود معاتبة نفسها نادمة على ما فعلت؛ حيث لم يعد يجدي الندم، وتتحقق فيها مقولة «غادة الكاميليا» تلك المسرحية التي قد شاهدتها مع حبيبها «علي» حيث قالت: «إذن مهما فعلت المخلوقة التي سقطت لن ترتفع أبدًا، ربما يغفر لها الله، ولكن العالم يظل جامدًا، ولن تستطيع أن يكون لها بين العائلات مكان»، ويدرك محجوب أيضًا أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد حصل على وظيفة كبيرة وتزوج من امرأة جميلة دون تحمل نفقات، ولكنه لم ولن يحصل أبدًا على الحب!
وحتى تبقى المبادئ على قيد الحياة في صراع مستمر مع الظروف، يظل «علي» مرابطًا في نضاله ضد الفساد والظلم مطالبًا بإحياء العدالة الاجتماعية؛ حيث يظهر «علي» في المشهد الختامي للفيلم وهو يقوم بتوزيع المنشورات علنًا على جميع المارة في الشوارع، وبالوقت نفسه يتربص به المخبرون ليقتلوه، ولكنهم يفشلون بسبب احتمائه وسط الحشود في رمزية إلى أن الاتحاد قوة والشعب هو مصدر قوة الوطن.
شخصيات محفوظ الروائية بعيون أبي سيف السينمائية:
كما برع وتفنن نجيب محفوظ في رسم شخصيات روايته على الورق، برع أيضًا وأبدع المخرج صلاح أبو سيف في توظيف كل شخصية حسب رؤية محددة عبر عنها بكل واقعية؛ فمن الطبيعي أن تتعاطف مع بعض الشخصيات رغم انتهاجها مسلكًا غير أخلاقي من أجل الوصول لمبتغاهم، فيظل ضمير محجوب عبد الدايم متيقظًا طوال الوقت ويخاطبه بلغة العتاب الناعم على ما اقترفه في حق نفسه.
وقد استخدم نجيب محفوظ الترميز في الكتابة باختيار أسماء بعض الشخصيات التي توحي بدلالة عميقة مثل اسم «إحسان» فهي الفتاة الجميلة التي أحسنت بنفسها من أجل أسرتها حتى تنقذهم من الفقر الذي لا يرحم، وأحسنت بنفسها من أجل إشباع رغبات ونزوات قاسم باشا الذي لم يطلب منها الزواج بسبب منصبه الذي يمنعه من الارتباط بفتاة ليست من نسب النبلاء، كما أحسنت أيضًا بنفسها حتى أصبحت زوجة لمحجوب عبد الدايم إلى جانب الوظيفة المرموقة والشقة الفاخرة، واسم محجوب أيضًا يشير إلى أنه محجوب عن اتخاذ أي قرار خاص بحياته، ومحجوب عن الحب ومحجوب عن زوجته، وقتما يذهب إليها الباشا، ومحجوب عن الشرف والكرامة.
وبما أننا نتحدث عن الترميز فلا يفوتنا ذكر أشهر ترميز في تاريخ السينما المصرية، حينما جمع أبو سيف بين رأس محجوب والتمثال المعلق على الحائط، في مشهد عقد الزواج؛ ليبدو محجوب وكأنه ذو قرنين في رمزية إلى فقدانه لرجولته، كما أبدع المخرج في استخدام اللغة الرئيسية للسينما، وهي الصورة التي تُظهر الكثير من الدلالات والتفاصيل الدقيقة، مما قد تعجز عن وصفها كلمات الحوار، مثل الإطار الفارغ من صورته المعلق بجانب صورتي الزعيمين مصطفى كامل وأحمد عرابي، في إشارة إلى حاجة الوطن لزعيم جديد يشغل فراغ الإطار الثالث، ولم ينه أبو سيف الفيلم بكلمة «النهاية» كنص ختامي بل كتبها «بداية النهاية»، وكأنه يقول إن عقب كل ظلم نصر يزيله، والباطل مهما تمادى لا بد من حق يمحقه، والليل مهما طال لا بد من شمس تشق عتمته، ولكن ربما أدرك نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف أن القاهرة 30 لم تكن مجرد رواية مكتوبة، أو فيلمًا سينمائيًّا يوثق حقبة معينة من تاريخ مصر، فلم تكن القاهرة 30 هي عقد الثلاثينات أو الأربعينات فقط من القرن الماضي، بل كانت القاهرة 30 وتبقى، مصر عبر كل العصور.
إنْ كنت من متابعي السينمات العربية، فالسينما المصرية هي الأكثر انتشارًا في المنطقة والأقدم، حيث تعود بداياتها إلى العام 1907، وكان أول فيلم سينمائي تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية، وبعدها أصبحت رائدة إلى وقت قريب جدًا.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت السينما المصرية مستنقعا لغسيل الأموال، وتحولت إلى تجارة هابطة، حيث يستقطب المنتج راقصة ومن يسموهم بـنجوم المهرجانات الشعبية، ويقوم بإنتاج فيلم من أفلام الإسفاف التي تحتوي على الكثير من مشاهدة الإغراء والإيحاءات الجنسية والسفه العام.
سأتناول هنا أحد الأفلام من هذه النوعية، وهو فيلم (علي معزة وإبراهيم)، وهذا الفيلم فريد من نوعه كوميدي ومصنف فانتازيا مصري، حيث يسمع فيه البطل أصوات وهلاوس ويقع في غرام معزة بحجة أن روح خطيبته بداخلها، وهو فيلم غريب من نوعه فالمعزة تؤدي خلاله دور البطل ويساعدها في البطولة علي وإبراهيم.
محور الفيلم الرئيس يقوم على رابط خاص بين المعزة و(علي) يتوج بعلاقة حب غريبة من نوعها.. بصراحة هذا الأمر كون الفيلم من بطولة معزة، سبب لي ضيقًا كبيرًا، فأنا في يوم من الأيام كان حلمي أن أحصل على فرصة للتمثيل؛ لذا شعرت بالغيرة وأصابني الاكتئاب بسبب المعزة بطلة الفيلم، وتساءلت بيني وبين نفسي: هل ستحصل على أجرها حفنة من الشعير أم البرسيم؟!
بالطبع لا اعتراض حقيقي لدي أن يوكل مخرج الفيلم أحد الأدوار الرئيسة لحيوان، فكثير من الأفلام العالمية نجحت في تقديم الحيوانات في أدوار رئيسة وأسهمت في نجاح الفيلم، لكن هذا يتحقق فقط في حالة إضافة الحيوان، سواء معزة، كلب، قط، قرد … إلخ، للفيلم جاذبية وإثارة، ولكن أن يأتي بلا معنى ودون أن يخدم الخط الرئيس للفيلم مثلما حدث في فيلمنا هذا، فلا يسمى إلا سفهًا، ويبدو أن اختيار المعزة وأحداث الفيلم كاملة لم تضف أية فائدة، ولم يقدم الفيلم أية رسالة للمشاهدين، ولم تصل أبدًا أي مقاصد فنية أو جمالية من التي أرادها المخرج أو كاتب السيناريو، وكأنما القصد فقط هو تأليف أي شيء بهدف التهريج وخداع المشاهد ليس أكثر.
الأغرب من ذلك، والذي يدفعني مرة أخرى للتساؤل أن تصنيف هذا الفيلم على موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا «فيلم فانتازيا مصري»؛ فهل سينافس (علي معزة وإبراهيم) الفيلم الأمريكي (kong) على الأوسكار؟! وهل يقصدون فان وتازيا
أم فانتازيا؟!، أم أنهم لا يعرفون أصلًا معنى كلمة فانتازيا.
هل يحق لنا أن نطمح في طرح في فيلم مصري هادف قريبا في السينما؟ أو فيلم فانتازي حقيقي مثل kong، متى يتجه المنتجون العرب إلى صناعة أفلام تستلهم التاريخ والثقافة العربية مثلما يحدث في هوليود أو بوليود، أو ينتجون أفلامًا للتعريف بدينهم، حيث إن 70% من الأفلام السينمائية الأجنبية تهاجم الإسلام والمسلمين وتقدم الإسلام من وجهة نظر أعدائه، و50% من غير المسلمين يكرهون المسلمين دون أي سبب مقنع يدعوهم إلى ذلك، وفي رأيي أن ذلك يعود بشكل رئيس إلى الأفكار التي رسمتها لهم السينمات والإعلام، حيث يتم تقديم المسلمين في صورة مشوهة وغير حقيقية؛ مما دفعهم لكراهية الإسلام والمسلمين.
ومن النماذج الهادفة الكوميدية جدًا فيلم «صنع في مصر» بطولة الفنان أحمد حلمي فهو فيلم كوميدي خفيف يهدف لصناعة العرائس المصرية التي تم وقف صناعتها فترة طويلة، بالرغم من أننا كنا روادًا في هذا المجال، وأصبحنا نعتمد على الاستيراد من الصين في هذا النوع من العرائس الخشبية، لذا فإن فيلم صنع في مصر يعد نموذجًا هادفًا وناجحًا للكوميديا، بالمقارنة مع فيلم علي معزة وإبراهيم الذي لم يهدف لشيء، ولم يقدم للمشاهد شيئًا ناجحًا نفتخر به، سوى اسم فيلم جديد.
أخيرًا، الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال هو حجم الخرافات التي تنتج في السينمات المصرية عن طريق أفلام ليس لها علاقة بالواقع ولا بالفن، أفلام تعري وقبح وأفلام سمسرة تزحم السينما دون تقديم شيء يستحق المشاهدة .. يا سادة، صناعة السينما المصرية بحاجة إلى مراجعة شاملة؛ حتى تستعيد موقعها الريادي بحق.
المخرج الذي غير في نمط السينما في العصر الحديث ..
كوينتن تارانتينو – Quentin Tarantino
أحدهم يلهو ويصنع المجد في نفس التوقيت
كم وافر من الدماء على الأرضية وفي كل مكان، مجموعة من الأوغاد يديرون نقاشات طويلة، قد تبدو تافهة وطفولية، أو حتى سياسية مع بعض النكات البذيئة، وفي بعض الأحيان قد تنتهي أن يقتل أحدهم الآخر أو أن يتجهوا لقتل مجموعة أخرى أو شخص ما.
يعرف جيدًا كيف يسير الحوار بينهم، ربما لأنه أمضى 10 أيام في سجن مقاطعة لوس أنجلوس؛ عندما كان صانع أفلام طموحًا مفلسًا؛ لعدم دفعه مخالفات الاصطفاف الخاطئ، والتي وصلت إلى 7000 دولار ، استغل هذه الفترة البسيطة في تدوين الحوار الدائر بين المساجين على حد قوله، السيناريو وطريقة السرد غير الخطية، والتي غيرت في نمط السينما كثيرًا في العصر الحديث، وتحديدًا بعد فيلمه pulp fiction.
بعض الأغاني والموسيقي الكلاسيكية من عقدي الستينات وحتى الثمانينات وموسيقي البوب الأمريكية في الخلفية، قد يرجع ذلك لنشأته عليها؛ فهو ابن المُلحّن الموسيقي طوني تارانتينو، أقدام امرأة جميلة تظهر على الكاميرا تزيد من هوسه المعروف عنه، والذي اعترف به ولم ينكره يومًا ولا يجد خجلًا من ذلك؛ فعندما سئل : سيّد تارانتينو، مما لاحظته في أفلامك تشكّل لديّ هذا السؤال: هل لديك هوس بقدمي المرأة؟
أجاب: لا يخجلني ذلك. ولكن لو فكّرت بالمخرجين الذين اتُّهموا بأنّهم مهووسون بقدمي المرأة، فسيكون لديك ألفريد هيتشكوك، وبونيول، وصامويل فولر، ويسعدني أن أكون في هذه القائمة. هذا يدلّ كذلك على أنّهم مخرجون رائعون، لأنّهم كانوا يعرفون أين يضعون الكاميرا. وأعتقد أنّ الساقين والمؤخّرة ينالان نصيبًا متساويًا من الاهتمام في أفلامي.
نمط سبعيناتي في التصوير والإخراج – ما زال يستخدم الزووم إن السريع والزووم أوت في أفلامه – ولا غريب في هذا الأمر فهو عاشق للكبير سكورسيزي لطالما صرح بذلك، منوهًا بأن Taxi Driver أحد أفلامه المفضلة، ويعشق كذلك اختياره للممثلين؛ مما دفعه لأختيار أفراد من طاقم سكورسيزي التمثيلي في فيلم Mean Streets الذي يتحدث عن الجريمة المنظمة ، في نصف أفلامه: هارفي كايتل يقود العصابة في Reservoir Dogs عام 1992، ويلعب دور وولف في Pulp Fiction، وروبيرت دي نيرو يلعب دور ثانوي في Jackie Brown عام 1997، وديفيد كارادين لعب بطولة جزئي Kill Bill عامي 2003 و2004، وأخيرًاً ديفيد بروفال في Four Rooms عام 1995.
شخصيات قوية مكتوبة بطريقة فريدة لن تشاهدها إلا هنا وستبقي في عقلك للأبد ، وعندما سئل عنها وكيفية كتابتها أجاب : إنّ مهمّة الكاتب لا تقتصر على الكتابة عن نفسه بل عليه أن يعرف كيف يفكّر الآخرون، وأن يتأمّل في الكلمات والعبارات التي يستخدمونها. وأنا أمتلك دماغًا أشبه بالإسفنجة. أستمع إلى كل ما يقوله الآخرون، وألاحظ بعض التصرّفات الغريبة للنّاس، وأسمع مرّة طرفة من أحدهم فلا أنساها، ويخبرني آخرُ قصّة مثيرة حدثت معه فتعلق في ذاكرتي.
جميع ملامح السينما المختلفة قد تظهر على كاميرته في أي وقت، حيث إنه في بداية مشواره عاش حياة المُتسكعين بين الشوارع ودور السينما، وببداية الثمانينات عَمَل في إحدى محلات بيع أفلام الفيديو، وبشغف استثنائي شاهد وقتها – حسب كلامه – كل فيلم وقعت عليه يداه، من كل دول العالم وبكل صنوف الأفلام، أحب أفلام سيرجيو ليوني وسام بيكنباه ومارتن سكورسيزي وجلس أسبوعًا لا يفعل شيئًا سوى مشاهدة أفلام هوارد هوكس، تتبع كل شيء من أسيا إلى أوروبا ومن الآرت هاوس فيلمز لأرخص أفلام البي موفيز، وبنهاية عقد الثمانينات كانت ثقافته السينمائية قد أشبعت بكل ما شاهده .. لم يذهب إلى أي مؤسسة أكاديمية لتعلم السينما، بل إنه ذهب للأفلام، هو شخص قريب جدًا منا، بل هو أحدنا – نحن جمهور السينما – يقول في تصريح سابق: لم أذهب يومًا إلى معهد السينما، ولكني ذهبتُ إلى السينما.
كل هذه الملامح السابقة والومضات على كاميرا تارنتينو هو ما استطعت تخيله عما يدور أمامها وما يفعله تارنتينو ويقوم به من جهود من خلف الكاميرا لتظهر للجمهور في أفلامه المختلفة وتأثير نشأته ومواقف حياته على سينماه، كل هذه الملامح سيمكنك ايجادها بسهولة في كل أفلامه، ولكنك أبدًا لن تجده يصنع فيلمًا بتقنية الـ 3D، مخرج لا يطيق السينما الرقمية، ويفضل المؤثرات الفيزيائية الحية؛ هو مخرج طراز قديم بمعنى أصح، وله زوايا تصوير خاصة به كذلك، التسديد منخفض الزاوية، هو أشهر أساليب تارنتينو الشهيرة، وفيه يُكون الرجل لقطته من جعل الكاميرا في وضع منخفض مائلة على محورها الرأسي لأعلى، وهو ما يعرف بالـ Low Angle Shot.. في أي مكان تحت مستوى العين البشرية، ستجد كاميرا تارنتينو تنظر دائمًا لأعلى.
بدأ تارانتينو مسيرته المهنية في أواخر الثمانينات، عندما قام بكتابة وإخراج My Best Friend’s Birthday، وهو السيناريو الذي شَكل أساس فيلم True Romance. في بداية التسعينات بدأ تارانتينو مسيرته المهنية كصانع أفلام مستقل مع إصدار فيلم كلاب المستودع (1992)، والذي يعتبر الآن كلاسيكية وذو شعبية واسعة، حيث وصفته مجلة Empire بـأعظم فيلم مستقل على الإطلاق.
ازدادت شعبيته بفضل فيلمه الثاني: خيال رخيص (1994)، فيلم نوار جديد وجريمة، والذي أصبح نجاحً ساحق على الصعيدين النقدي والتجاري، حيث اعتبرته مجلة Entertainment Weekly أعظم فيلم في آخر 25 سنة (1983 –2008). في عام 1997، أصدر تارانتينو فيلم جاكي براون المقتبس عن رواية شراب الرم (Rum Punch)، في تكريمٍ له لأفلام استغلال السود التي كانت منتشرة في السبعينات.
بعد 6 سنوات، عاد تارانتينو بثنائية: اقتل بيل. ثنائية أكشن، نمطية جدًا، مستوحاة من فنون القتال اليابانية وسباغيتي الوسترن وأفلام الرعب الإيطالي. صدرت الئنائية على جزئين، الجزء 1 في 2003 والجزء 2 في 2004. في 2007، أخرج تارانتينو المضاد للموت كفيلم ثنائي مع صديقه المخرج روبرت رودريغيز. أوغاد مجهولون الذي تم تأجيله لفترةٍ طويلة واستمر العمل على نصه لأكثر من عقد، يتحدث عن تاريخ بديل خيالي وحول مخططَين من اجل اغتيال القيادة النازية، صَدر أخيرًا في 2009، حيث لاقى إشادة نقدية من مختلف النقاد. ثم بعد ذلك Django Unchained ، والذي لقى نجاح باهر جماهيريا ونقديا في عام 2012، وآخر أفلامه The Hateful Eight ،2015. ومازلنا ننتظر منه الكثير من الإبداع.
شَكلت جميع أفلام تارانتينو نجاحٍ كبير على الصعيدين النقدي والتجاري. وحاز أيضًا على العشرات من الجوائز، منها: جائزتي أوسكار، جائزتي غولدن غلوب، جائزتي بافتا وجائزة السعفة الذهبية، وترشح أيضًا لجائزة غرامي وجائزة إيمي.
تارنتينو هو الشخص الذي يلهو ويصنع المجد معًا، هو يقدم ما يحبه بطريقته الخاصة؛ لعشقه الأول – السينما – تارنتينو أفسد على استخدام الجملة المنتشرة حاليًا (بينما أنت .. تلهو أحدهم يصنع مجدًا، فهو تمكن من فعل الاثنين معًا).
أتم منذ 45 يوم تقريبًا المخرج الكبير، وأحد أهم مخرجي جيله، والذي اعتبرته مجلة Time أحد أكثر 1000 شخصية مؤثرة في العالم عام 2005، ووصفه صانع الأفلام والمؤرخ بيتر بوغدانوفيتش بـالمخرج الأكثر تأثيرً في جيله. كوينتن تارانتينو أتم عامه الـ54، وبقى على استمرار إبداعه 6 سنوات فقط، على حد قوله: إنه سيعتزل في الستين، وربما أكثر، وهذا ما نتمناه ويتمناه كل محب لسينما تارنتينو، ومحب للسينما عمومًا بكل تأكيد.
الأحداث التي جرت في إيران بعد الثورة التي قادها الخميني كثيرة جدًا، ولا يزال الجزء الأكبر منها غامضًا حتى هذه اللحظة. كما أنّ السلطات الإيرانية شدَّدت الرقابة بعد الثورة على كل الأشياء التي من الممكن أن تنقُل ما يجري في إيران إلى العالم، من قتل وانتهاكات لحقوق الإنسان، وحظر لجماعات وتنظيمات يسارية كان لها دور أيضًا في الإطاحة بحكم الشاه، واعتقال أفرادها وقتل الكثير من منهم أيضًا. ولكنّ الأدب لعب دورًا كبيرًا جدًا في نقل ما يجري في إيران إلى العالم من خلال عدّة روايات، منها سجينة طهران لمارينا نعمت، ورجم ثريا للصحفي الفرنسي من أصل إيراني فريدون صاحب جم، والمأخوذة عن قصة حقيقة، والتي تحوّلت أيضًا إلى فيلم صدر عام 2008، وسنتحدث عنهُ الآن.
يبدأ الفيلم بوصول صحفي فرنسي إيراني الأصل إلى قرية كوباي النائية. حيث تتعطل سيارته هناك، ويضطر للبقاء في القرية منتظرًا إصلاحها. زهرة – خالة ثريا – تراه صدفةً، أو بالأحرى ترى جهاز التسجيل الذي يحملهُ في حقيبته، وتجد في ذلك فرصةً لإيصال ما جرى لابنة أختها إلى العالم، كما وعدتها قبل رجمها وسط القرية. وتحكي زهرة للصحفي قصّة ثريا، بعيدًا عن أنظار أهل القرية بشكلٍ عام، والملا حسن بشكلٍ خاص.
تحكي زهرة للصحفي قصّة ابنة أختها ثريا منوتشهري التي حاكَ لها زوجها مؤامرة ضدّها بعد أن رفضت الطلاق منه؛ لأنهُ لم يقبل بدفع النفقة وإعالة ابنتيّه. حيث عرض عليها ترك المنزل وقطعة أرض صغيرةً لها، بالإضافة إلى الاحتفاظ ابنتيها. مقابل أن يحتفظ هو بالولدين. وكان علي زوج ثريا يريد التخلّص منها من أجل الزواج بفتاةٍ تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، وهي ابنة طبيب سجين محكوم بالإعدام في السجن الذي يعمل به علي. وكان علي قد عرض على السجين مساعدته مقابل الزواج من ابنته، وهذا ما لم يحدث في النهاية؛ لأنّ السجين أُعدم.
كان علي، وبعد أن رفضت ثريا الطلاق منهُ أكثر من مرّة، يفكر طيلة الوقت – برفقة الملا حسن – في طريقة للتخلص من ثريا دون أن يدفع لها شيئًا. الملا حسن رفض في البداية مساعدة علي، إلا أنّ علي هدَّدَهُ بفضح حقيقته أمام أهل القرية إن لم يساعده. حيث إنّ الملا حسن، وقبل وصوله إلى قرية كوباي، كان سجينًا جنائيًا في السجن الذي كان يعمل به علي جنديًا في ما يسمى الحرس الثوري. عندئذٍ قبل الملا حسن مساعدة علي في التخلص من ثريا؛ لأنهُ هو الآخر كان يفكر في طريقة للانتقام منها بعد أن رفضت عرضه أيضًا بأن تتزوجه زواجًا مؤقتًا بعد طلاقها من علي.
نقطة التحوّل الكُبرى في الفيلم، والتي مهدت الطريق لعلي لتنفيذ ما كان يريده، هي وفاة زوجة هاشم، وصديقة ثريا أيضًا. فقد وجد علي في الأمر فرصةً مناسبةً للتخلص من ثريا، من خلال طلبه من الملا حسن إقناع ثريا بالعمل في منزل هاشم والاعتناء بمحسن، ابن هاشم. ثريا وجدت في ذلك أيضًا فرصةً للتخلّص من زوجها، حيث إنها بدأت تكسب المال من خلال عملها، وهذا ما قد يؤمن لها – حسب اعتقادها – جميع ما تحتاجه لإعالة ابنتيها، بحيث لا تُضطر الفتاتان لعيش ما عاشتهُ هي في صغرها.
يوم بعد آخر كانت معالم المؤامرة تصير أكثر وضوحًا، حيث إنّ علي قرر اتهام زوجته بممارسة الزنى مع هاشم في منزله. ولكن لكي يتم الأمر كما خطط لهُ علي، كان يلزَمُهُ شهادة هاشم أيضًا. هاشم الذي رفض في البداية أيضًا مساعدة علي. إلا أنّهُ وافق بعد ذلك؛ بعد أن هدَّدَه علي بأن يلقى ذات المصير الذي ستلقاهُ ثريا، وأن يجعل من ابنه الوحيد يتيمًا ومجنونًا.
ينجح علي في إقناع سكّان قرية كوباي ومحافظها بأنّ زوجتهُ خانتهُ مع هاشم في منزله، من خلال شهادة هاشم الذي كان مُرغمًا على فعل ذلك. وتم حينها إقرار حكم الرجم حتى الموت بحق ثريا، وبدأ رجال القرية وأطفالها بحفر حفرةٍ لوضع ثريا داخلها، وجمع الحجارة من أجل رجمها.
زهرة، وقبل دقائق قليلة جدًا من تنفيذ الحكم، قطعت وعدًا على نفسها لثريا بأن يعرف العالم أجمع قصّتها. ثم قادتها إلى ساحة القرية، حيث كان الجميع مجتمعين هناك، ومستعدّين لتنفيذ الحكم، بما في ذلك أيضًا والد ثريا وابنيها اللذان نجح علي في زرع الكراهية والحقد في قلبيهما نحو أمّهما. وكانَ أول من بدأ بالرجم والد ثريا، الذي قام برمي أكثر من حجر دون أن تُصيب ثريا، إلا أنّ عليًا تدخل، وقام برمي حجر أصاب ثريا في رأسها، وحينها بدأ الجميع بالمشاركة. ولعلّ المشهد الأقسى في الفيلم لم يكن فقط عملية الرجم، إنما مشاركة أبناء ثريا في ذلك أيضًا، وجمع زهرة لما تبقى من عظام ثريا ودفنها.
المدهش في الأمر أيضًا أنّ رجال قرية كوباي كانوا جميعًا مؤيدين للحكم، ولم يعترض أحد منهم عليه. وهذا ما يؤكد تحوّل المجتمع الإيراني إلى مجتمع ذكوري بعد ثورة الخميني، وغياب جميع حقوق المرأة أيضًا. وهذا الأمر بدا واضحًا من خلال ما قالهُ محافظ القرية لزهرة: الأمور لم تعد كالسابق، الشاه لم يعد هنا الآن.
تبدأ نهاية الفيلم بمغادرة الصحفي قرية كوباي، إلا أنّ ذلك لم يحدث بسهولة؛ حيث إنّ الملا حسن قام بمصادرة جميع ما كان يحملهُ الصحفي من أقلام وأوراق وأشرطة كاسيت، ولكنّ الصحفي وزهرة كانَ يعرفان جيدًا أنّ هذا ما سيحدث، ولذلك احتفظت زهرة بالنسخة الأصلية من الكاسيت، وأعطته للصحفي أثناء مغادرته القرية، على مرأى من الجميع، بما في ذلك الملا حسن الذي فشل في إيقافه. وينتهي الفيلم بما قالتهُ زهرة لسكّان القرية: العالم كلّهُ سيعرف.
أخيرًا، لا يهدف الفيلم إلى الإساءة إلى الإسلام كما يروج البعض. بما في ذلك السلطات الإيرانية. إنما فضح رجال الدين الذين يتمتعون بسلطات رهيبة جدًا في إيران، بغض النظر عن ماضيهم وما قاموا بفعله سابقًا. تمامًا كالملا حسن.
الفيلم الذي طال انتظاره «Dalida» كان يمثل للبعض فرصةً للالتقاء بالماضي، والجلوس وجهًا لوجه مع الذكريات، والارتواء برشفات هنيئة من كأس النوستالجيا، والحنين لماضٍ ممتد منذ الخمسينات وحتى الثمانينات.
داليدا، الأسطورة الفنية التي لا تقارن إلا بمثلها من الأساطير، أم كلثوم في مصر، وإديث بياف في فرنسا، وماريا كالاس في إيطاليا. داليدا، المغنية، والممثلة، والراقصة، والعاشقة، والأنثى، المليئة بحب الحياة والجنون والمتناقضات، التي دفعتها دفعًا في النهاية إلى الموت بشكل لا يعبر إلا عن مأساة حزينة.
ولدت داليدا عام 1933 في مصر لعائلة من المهاجرين الطليان، واسمها الأصلي «يولاندا كريستينا جيليوتي»، ونشأت في حي شبرا، وكان والدها يعمل أستاذًا لتعليم آلة الكمان، ثم قام الإنجليز بالقبض عليه بتهمة التعاون مع الألمان، إبان سنوات الحرب العالمية الثانية. قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى فرنسا حيث بدأت مسيرتها الفنية على مدى عقود ثلاثة بعد أن اكتشفها «لوسيان موريسي» – المنتج وصاحب واحدة من أكبر الإذاعات الأوروبية وقتها-، غنت فيها أكثر من 500 أغنية بلغات متعددة، منها العربية والإيطالية والفرنسية والعبرية واليونانية والإنجليزية والإسبانية والألمانية وحتى اليابانية. اختارت لنفسها في البداية اسم «دليلة» كاسم للشهرة، إلا أن أحد أصدقائها في الوسط الفني نصحها بتغييره لأنه ربما يكون عدائيًّا للبعض – دليلة، الفتاة اليهودية في قصة شمشون ودليلة الشهيرة بالعهد القديم-؛ لذلك قامت بدمج اسمها يولاندا مع اسم دليلة، في اسم شهرتها التي ستعرف به للأبد: داليدا.
المخرجة الفرنسية «ليسا أزولوس» قدمت لنا قصة حياة داليدا في تحفة سينمائية بديعة عبر ساعتين وأربع دقائق من الأداء التمثيلي المكثف والراقي، والمشاهد السينمائية الاستثنائية، مع وجبة مشبعة من موسيقى وأغاني داليدا الأصلية التي لم تمتد إليها يد بتعديل، أو إعادة ترتيب، أو التدخل بمؤثرات.
قامت ببطولة الفيلم الذي عرض مؤخرًا، الممثلة الإيطالية الجميلة «سفيفا ألفيتي» التي أدت باقتدار دور القامة الإنسانية الكبيرة «داليدا»، بكل عظمتها الفنية، وتاريخها الممتد. وفي نفس الوقت مع كل ما يعتري نفسها من مشاعر متناقضة، من بين حب شديد للحياة في أحيان، وكره كبير لها في أحيان أخرى. بين الوقوع في الغرام في ثانية، وزهد منه في ثانية أخرى، بين استمتاع بالوجود بين الناس، ثم الرغبة في الابتعاد عنهم تمامًا.
ألفيتي بملامحها القريبة للغاية من ملامح داليدا، وبتمكنها من عناصر الأداء، استطاعت تقديم شخصية داليدا بقدر مذهل من الإقناع، أضيف إليه الأجواء البصرية والسمعية الملائمة التي وفرتها المخرجة بعناية ظهرت في كل التفاصيل، الملابس والديكور ومواقع التصوير… إلخ، التي صاحبت مراحل تكون شخصية داليدا – الشابة- منذ الخمسينات حتى الثمانينات.
اخترت أن أشاهد داليدا في سينما الزمالك – وفي هذا الحي العريق الممتلئ بالثقافة والجمال سينما واحدة فقط، افتتحت مؤخرًا بعد أن خلت الزمالك من الشاشات الفضية لسنوات طويلة-، كان عرض «داليدا» في دار سينما الزمالك مختلفًا تمامًا عن أي دار أخرى، نظرًا لطبيعة الجمهور المرتاد لتلك القاعة الضخمة، معظم الجمهور من روائح الطبقة الأرستقراطية القديمة، عائلات وأصدقاء أغلبهم فوق الستين، تدفقوا على السينما في ملابس أنيقة تستدعي ترتيبات قديمة تختص بالإيتيكيت كان يتلفت إليها بعناية عند الذهاب إلى السينما أو المسرح، متضمخين بعطور غالية تطايرت بكثافة في بهو دار السينما، مع كلمات من هنا وهناك أغلبها بالفرنسية والإنجليزية مع كلمات عربية قليلة.
جلست في قاعة السينما، التي هي في الأصل قاعة مسرح فخم وضخم جدًّا، تم إعادة ترميم أثاثه وديكوره المصمم على طراز الآرت- نوفو القديم، وعن يميني سيدتان تجاوزتا السبعين من العمر، نصف حديثهما بالفرنسية ونصفه بالعربية، يتحدثان بلهجة مهذبة للغاية وبصوت هامس – لم ينجح خفوته في إثناء فضولي عن استرقاق السمع-، وعن يساري سيدة وزوجها في أواخر الخمسين من العمر، جلسا طوال فترة العرض – وحتى فترة الاستراحة- دون أن ينبسا بكلمة. طوال العرض لم يخرج أحد من يميني أو يساري هاتفًا محمولًا قط، ولم يداعب أحد شاشة تعمل باللمس قط، ولم أر لوجو فيسبوك الأزرق يتألق في ظلام القاعة في تلك البقعة قط. كان هناك اهتمام حقيقي وشغف بمتابعة هذا الفيلم تحديدًا.
السيدة عن يميني قالت لصاحبتها: «أما نشوف بقى ست داليدا اللي كانت قالبة الدنيا زمان».
وعندما بدأت أحداث الفيلم، كانت السيدة تهمس بحماس وسعادة طفلة في السابعة: «شوفي، فاكرة الرقصة دي»، أو «ياه فاكرة الغنوة دي»، أما صديقتها فكانت تدندن بالفرنسية والإيطالية مع الأغاني التي صاحبت الشريط الصوتي للفيلم طوال مدة العرض: بامبينو، جي سوي مالاد، بانج بانج، تشاو تشاو بامبينا، وأيضًا سلمى يا سلامة، وحلوة يا بلدي.
كنت أشعر أن داليدا قد بعثت في تلك اللحظة في سينما الزمالك وسط جمهور ارتبط بها من قبل، وجمعته بها علاقة خاصة وحميمة، لم تجمعنا نحن جيل الشباب بتلك الفاتنة الغامضة ذات الصوت الساحر. كانت تغني وترقص على أرض الزمالك بالفعل، وسط سيدات ورجال حلموا يوما أن يصبحن مثلها، أو ينالوا فتاة أحلام على شاكلتها.
اختارت ليسا أوزلوس إيقاع منتظم لأحداث فيلم، كل عشر دقائق تقريبا تمر داليدا بحدث مهم، يتم ترجمته لأغنية –سواء قامت هي بكتابتها أو اختارت كلماتها من أغاني تعرض عليها-، مما أثرى الفيلم بشدة وأكد طبيعة التوحد الذي كان بين تلك الشخصية وتاريخا وسيرتها وفنها وموسيقاها، حتى صاروا شيئا واحدا.
وقعت داليدا في الحب مرات كثيرة، أحبت صاحب الإذاعة وتزوجته، ثم تركته بعد أن تعرفت على مغني ناشئ، وبعدها ارتبطت بشخص ذو أصول ملكية أوروبية، وفي كل مرة كانت تترك داليدا حبيبا من أولئك، حتى كانت الدنيا تسود في وجهه وكأن كل أكسوجين الحياة وكل بهائها قد ذهبوا إلى الأبد.. انتحر الثلاثة، وفي النهاية انتحرت داليدا نفسها بعد عجزت عن إيجاد مغزى لهذه الحياة، وشعرت بعبثيتها التامة وعدم وجود معنى لأي شئ، لا السعادة تدوم، ولا الحب يبقى، ولا النجاح والشهرة يطمئنان قلبها. تناولت في إحدى الليالي جرعة زائدة من الاقراص المهدئة، وفي الصباح وجدوها وقد فارقت الحياة وبجانبها رسالة تركت فيها الكلمات التالية: «سامحوني، الحياة لم تعد تحتمل».
يعرض فيلم Arrival لمشكلة ما تواجه الجنس البشري، إذ تمكنت عدة أجسام فضائية غير اعتيادية الشكل من أن تحط على كوكب الأرض في أجزاء متفرقة منه، مما حث البشر على اختلاف جذورهم وثقافاتهم أن يتأهبوا وأن يستعدوا لشيء ما قادم. الإنسان دائمًا في حالة قصوى من الافتراض السيئ تجاه أي مجهول يلاقيه، هكذا يحاول الفيلم أن يبين، وأن يقول، لماذا علينا أن نفترض السوء في أي شيء يفاجئنا لمجرد أننا لا نعلم عنه شيئًا؟! لماذا يطغى الشعور بالخوف لدينا على الشعور بالفضول وإرادة الاستكشاف؟!
القادة العسكريون كرمز للتعجل جاهزون دومًا للحل الذي يتقنونه، وهو القتل وتصفية المنافس دون أن يعطوا لمساحات الحوار أية فرصة ولو لاختبار النوايا، مساحات الحوار عادة ما ستحرمهم من الظهور في الواجهة كبطل مخلص ومنقذ همام؛ لذا فهم على طول الأحداث ينفذون عبر أي احتمالية سيئة كي يثبتوا ضرورة التدخل العسكري كحل لا بد من تجرعه.
ثبت وجود كائنات فضائية داخل تلك الأجسام العملاقة، إذ تمكن أخيرًا فريق من المجازفين من النفاذ إلى داخل تلك المركبة، كم الإثارة التي ستلاقيها في اكتشاف مجهول غير معتاد الهيئة أو التكوين لا يمكن وصفها أبدًا، لذا سأدع أحداث الفيلم حين تشاهده تخبرك.
كائنات غريبة الشكل دميمة قبيحة في مقايسنا، تظهر لك من وراء حجاب، تشير إليك بلغة كتابية مصحوبة ببعض الأصوات، لغة غير مفهومة تحتاج إذًا لخبراء اللغة كي يحلوا طلاسمها، أخيرًا تم البحث والتفتيش وإتاحة الفرصة لمتخصصة لغوية كي تحاول فك طلاسم ما جد من إشارات.
استوقفتني كثير من الأفكار اللامعة في هذا الفيلم الشيق، لكن أكثر ما جعلني لديه أتوقف بالتأمل والتحديق، كانت تلك الفكرة التي اقترحها أحدهم، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: «حين يواجهك مجهول تجافي أفعاله المنطق فلا تواجهه كحل أول؛ ولكن سر بجواره وتدرج».
وقد ضرب هذا الشخص مثالًا من حياته يوضح ذلك، فقد بلغت أمه الكبر ودب في أفعالها الخرف والنسيان ووصلت إلى مرحلة صعبة من اختلاق أحداث وشخصيات لا وجود لها، وقد عمد إلى مواجهة أمه بشكل صادم عبر إخبارها أن جميع ما تقوله لا أساس له من الواقع، لكن تلك المواجهة كانت تنتهي في كل مرة إلى صدمة وبكاء هستيري، وازدياد في حصيلة المرض وآثاره.
مما دعاه إلى التفكير مليًا في انتهاج طريقة أخرى لمعالجة الأمر، وهو السير بجوارها والتناغم الشديد مع ما تختلقه أو تدعيه، فإذا لم تتحسن بتلك الطريقة حالتها وتسير إلى الشفاء، فعلى الأقل لن يستمع ثانية إلى هذا البكاء الهستيري. وقد عمد فعلًا إلى هذا الحل فسار معها في مساراتها الخيالية، وأخذ يناغمها ويشابهها في كثير مما تفعل، فكانت بسمتها شمسًا أشرقت على وجهه، وكانت تلك المسارات له بمثابة نزهة ينفك بها عن أغلال الواقع، ويطير بعيدًا إلى حيث لا يتوقع.
لكل منا أبجديته الخاصة الخفية، وحين نناغم الآخر بأبجديته، يصبح سهلًا جدًّا أن يستمع إلينا ويتجاوب مع أبجديتنا ومنطقنا، وبناء على هذه الفكرة كان سير العالمة اللغوية د. بانكس في محادثة الكائنات الفضائية، حيث اختارت أن تسير بجوارهم وتتناغم مع ما يصدرونه من إشارات، وبهذا خلقت أرضية وسطًا يمكنها أن تجني على إثرها ثمرات مرضية، وبالفعل كان التجاوب مذهلًا وقاصمًا لآمال المتحفزين للقوة واستخدامها، وبدأ تكوين معالج برمجي يلتقط عن الفضائيين إشاراتهم ويترجمها إلى لغتنا المفهومة.
نحن في الغالب لا نحتاج أن نخاف من المجهول بقدر ما نحتاج أن نتعرف إليه، بقدر ما نحتاج أن نعطيه فرصته كي يعبر عن ذاته وعن نواياه، وبجوار هذا نأخذ حذرنا ونستعد إما إلى هدنة وبناء وربما عناق، وإما إلى دفع بعيد وانفصال ومواجهة إن لزم الأمر.
تلعب الدراما دورًا كبيرًا في الحياة السياسية، فدائمًا ما يلجأ رجال السياسة للفنانيين والأعمال الدرامية لمساعدتهم على أمر هام في صالح الشخصيات أو في صالح الترويج لأمر هام، ويلجئون للدراما أو للفن في العموم لتوصيل رسالة خاصة إلى الجمهور لتسويق شخصية سياسية أو للترويج لعمل ما، وينجح الفن بالفعل في ذلك بنسبة كبيرة.
فتسيطر كل الأشكال الفنية على عقول الجماهير لثقتهم في الأداة والنجم والشكل الفني الذي تتقدم الرسالة لهم من خلاله.
وكثيرًا ما تنبأ الفن بمواقف سياسية وكثيرًا ما لمع الكثير من رجال السياسة، فيعتبر الفن سلاحًا قويًّا يؤثر على جمهوره بشكل كبير، ولذلك تسيطر على الدراما الأجهزة الرقابية التي تجعل الكاتب يراجع نفسه كثيرًا قبل أن يطلق قلمه لينقل أفكاره، ويضع الكثير من الحسابات ليهرب من مخالب الرقابة، ويمر عمله بسلام لتحويل عمله لمجرد إسقاطات بشكل غير واضح.
ملحوظة: باعتراف كامل للفن والفنانين، فقد تشكل السياسة ورجالها عبئًا كبيرًا على الدراما بشكل خاص والفن عمومًا، ويعتبر الأمر إلزاميًّا وغير ذلك فتحاربه الأجهزة الرقابية أو ليبتعد غير ذلك بشكل ما.
مراحل الدراما وعلاقتها السياسية في ثلاث نقاط
أولاً: الدراما أثناء الأوقات الحرجة (الحروب – التغيير – الثورات)
دائمًا ما تلعب الدراما دورًا هامًا بشكل قوي في الأوقات الحرجة من حروب وثورات، لتحاول تعبئة الشعب للوقوف بجانب إدارته السياسية وجيشه لتفادي المعارضات الداخلية والتي تؤدي إلى انقسامات أثناء المراحل الحرجة، لكن في هذا الوقت ينصح بعدم تصديق كل ما يعرض لأنه في الحقيقة عبارة عن مسكنات لتهدئة الشعب الذي يعاني من جرح عميق خوفًا على وطنه الذي ينزف.
وبالفعل لا يخلو أي عمل فني إذا كان أدبيًّا أو مسرحيًّا أو سينمائيًّا من تعبئة الشعب للوقوف بجانب إدارته السياسية
ثانيًا: مرحلة التلميع السياسية
تسيطر فكرة تلميع شخصية سياسية أو عمل وطني على الأعمال الدرامية من أعمال سيرة ذاتية أو أعمال وطنية، حتى لو كانت هذه الشخصية أحدثت خللًا يشعر به الجميع وينكره مؤيدوه ونظامه الداعم، فلكل شخصية جوانبها الإيجابية والسلبية، لكن ما نراه في الدراما عن الشخصيات السياسية والوطنية غير ذلك مرورًا بأحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر والسادات، وأيضًا الأعمال الوطنية مثل بناء السد العالي أو تأميم القناة.
فيلعبون دائمًا على أن تكون هذه الشخصيات أسطورية ملائكية، ولكن الدراما في حد ذاتها لا تعترف بذلك. فالدراما تعترف بمراحل التغيير فالشخصية والصراع الداخلي لها الذي يجعلها كثيرًا ما تخطئ حتى تصطدم بالكوارث لتستقيم وتحسن من نفسها، فيعرض كل هذا في الأعمال الدرامية دون عرض الجانب السلبي فيسمى بالتلميع السياسي.
ثالثًا: مرحلة الانتقاد والتنبؤ السياسي
هي أفضل مرحلة للفن عمومًا، بل هي وظيفته بالفعل في نقد كل شوائب المجتمع اجتماعيًا وسياسيًا في صالح إيجاد حلول لها، ولكن هذه المرحلة لا تأتي إلا بمرحلة معينة سياسيًا وغالبًا ما تكون بنهاية فترة سياسية معينة قد تنتهي بانتخابات نزيهة أو بثورات، ويكون الفن في أفضل حالاته فيحدث إبداعا كبيرًا في عرض المشاكل الاجتماعية والسياسية لمحاولة إجادة حلول لها أو ليثور الناس عليها، ويعطي ذلك للفن قوة تنبؤ لمستقبل الأحداث السياسية، وتنجح الدراما كثيرًا في التنبؤ بالثورات وما يحدث قبلها وبعدها، فأصبح الفن المنفس الوحيد للشعب وسلاحًا قويًا للسلطة.
خلال الأيام القليلة الماضية، نشر النجم الهوليوودي جيم كاري؛ صورة له على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي تويتر؛ أثارت دهشة وجدل متابعيه، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان خبر تجسيد جيم كاري لشخصية الكاتب الراحل الشهير ترانس ماكينا في فيلمٍ عن قصة حياته؛ والذي اتضح فيما بعد أنها مجرد إشاعة لم تؤكد إلى الآن.
مصدر الصورة:تويتر
إنشر
في عام 2014 فاجأ جيم كاري جمهوره العربي بالجزء الثاني من فيلمDumb and Dumber To بعد فترة غياب عن شاشات دور العرض العربية لمدة دامت 6 سنوات، ولم يلق الفيلم النجاح الكافي ليعوض تلك الفترة؛ الأمر الذي جعل جيم كاري في أذهان الجمهور العربي مرتبطًا بالقناع الأخضر السحري فقط، والذي لا يعرفه الكثير أن هذا الفيلم يعتبر فيلمًا فكاهيًّا خفيفًا في مسيرة جيم الفنية، وأنه في تلك الفترة لم يغب عن الإنتاج السينمائي، بل كان له إسهامات بعيدة عن الكوميديا، إلى جانب بعض التجارب الشخصية؛ والتي جعلته يتصدر وسائل الإعلام الأمريكي في الثلاث سنوات الأخيرة سواء بشكل إيجابي أو سلبي، وسنحاول في هذا التقرير، أن ننزع هذا القناع الأخضر عن وجه جيم كاري، لنكشف عن ثلاث وجوه أخرى قد لا يعرف تفاصيلها جمهوره العربي.
فيلم القناع وقت عرضه حقق ما يقرب من 400 مليون دولار
إنشر
الوجه الأول. .جيم كاري رجل جريء على القمر
يجب أن تبحث داخلك عن إجابة هذا السؤال.. من الذي تقوم بالترفيهِ عنه.. أنت أم جمهورك؟ *جملة مقتبسة من فيلم رجل على القمر.
يعتبر جيم كاري من الممثلين الذي يمتلكون شجاعة وجرأة تستحق التقدير، لأنّ التنوع الذي لجأ له خلال مسيرته الفنية يُحسب لحقه. وهي خطوة يخشى أي فنان أن يخوضها، ويتمسّك بالمكانة الناجحة التي حققها على عرش الكوميديا عالميًا، ولكن جيم كاري يختلف وقد كانت له اختيارات، حتى وإن كلفته شعبيته العربية، إلا أنها كشفت أنّ داخله ممثلٌ شامل، وليس »كوميديان« فقط.
في عام 2007 قدم جيم كاري فيلم The Number 23 وهو فيلم إثارة ورعب، تدور أحداثه حول رب أسرة تقليدي، يجد كتابًا بالصدفة وعندما يبدأ في قراءته يجد تشابهاتٍ عديدة بينه وبين البطل، حتى تأخذ الأحداث اتجاهًا مختلفًا ليتحوَّل بطل الكتاب إلى مهووس بالرقم 23 حتى يتحوَّل لقاتل، ومن ثم ينتقل هذا الهوس لرب الأسرة الذي يقرأ الكتاب، حتى يكتشف في النهاية، أنه هو من كتب هذا الكتاب بنفسه تحت تأثير مرض نفسي شفي منه وفقد الذاكرة بعد ذلك.
تضمن الفيلم كذلك العديد من المشاهد الدموية والجنسية؛ الأمر الذي كان صدمةً لجمهور جيم كاري في وقتها.
مصدر صورة أحد المواقع الرسمية للنجم جيم كاري http://www.jimcarreyonline.com/movies/23.html
إنشر
وعلى الرغم من عدم نجاح فيلم الرقم 23، حيث كان تقييمه سيئًا على معظم المواقع النقدية السينمائية، إلا أن هذا لم يوقف جيم كاري عن جرأته ورغبته في خوض مناطق جديدة ومختلفة في عالم التمثيل والسينما، وبعد مرور عامين؛ قدم تجربة جديدة أكثر جرأة من خلال فيلم «I Love You Phillip Morris».
لقطة من فيلم انا احبك يا فيليب موريس. المصدر مدونة Bobby Rivers TV https://bobbyriverstv.blogspot.com.eg/2015/08/on-i-love-you-phillip-morris.html
إنشر
والذي قام فيه جيم كاري بتجسيد قصة حياة ستيفن راسل، المجرم مثلي الجنس الذي انخرط في علاقة حب رومانسية مع فيليب موريس، أثناء تواجدهم في السجن معًا، ويتضمن الفيلم مشاهد جنسية مثلية؛ جمعت بين جيم كاري وبعض الممثلين الرجال، إلى جانب العديد من المشاهد الرومانسية التي جمعته مع النجم إيوان ماكجريجور الذي جسد دور فيليب موريس في الفيلم.
صورة دعائية لفيلم ذو السلطة بروس. مصدر الصورة مدونة سامثنج مور http://ulovesomethingmore.com/2013/03/1244/
إنشر
كسر جيم كاري للتابوهات لم يبدأ مع أنا أحبك يا فيليب موريس، بل بدأ في عام 2003 عندما قدم فيلم «Bruce Almighty» والذي دارت قصته في إطار كاسر لـ»تابوه الدين«، حيث دارت أحداث الفيلم عن مواجهة بين بطل الفيلم بروس والإله، حيث كان بروس ساخطًا على مجريات حياته، فيترك له الخالق زمام الأمور بدلًا منه؛ ليكتشف بروس خلال أحداث الفيلم، أن قدرات الخالق تفوق قدرات الإنسان، وكذلك أيضًا حكمته؛ يصعب على الإنسان فهمها في وقتها، وعلى الرغم من أن الفيلم في مجمله يرسخ قيمة دينية لا تختلف في شيء عن معتقدات المجتمع العربي بكل دياناتهم، إلا أن طريقة تناول الفكرة كان من الصعب عرضها في دور السينما العربية.
بوستر فيلم إشراقة أبدية لعقل نظيف
إنشر
بعد هذا الفيلم بعامٍ واحد، قرر جيم كاري أن يُطلع محبيه على وجه جديد له يخفيه وراء قناعه الأخضر، وهذا من خلال الفيلم الرومانسي «Eternal Sunshine of the Spotless Mind» إذ شاركته البطولة النجمة «كايت وينسلت»، وفي هذا الفيلم نجح جيم كاري في تقديم نفسه بطلًا رومانسيًّا يعاني من قسوة ذكريات قصة حب دمرت حياته، وعلى عكس باقي الأفلام التي تحدثنا عنها، فهذا الفيلم نجح في أن يشق طريقه إلى الجمهور العربي ويحقق نجاحًا كبير.
لقطة من فيلم رجل على القمر. مصدر الصورة موقع يس موفيز https://yesmovies.to/movie/man-on-the-moon-6478.html
إنشر
رغبة جيم كاري في الخروج عن الصورة الذهنية للممثل الكوميدي، يبدو أنها كانت تدور في ذهنه من وقت طويل، ففي بعض أفلامه الكوميدية كنت تجد جانبًا فلسفيًّا ورغبة ملحَّة لديه لأن يظهر نفسه باعتباره ممثلًا شاملًا، ويعتبر فيلم Man on the Moon الذي قدمه للسينما عام 1999؛ من أكثر الأفلام التي ظهر فيها جيم كاري بأكثر من وجه، في هذا الفيلم كان يجسد جيم كاري قصة حياة الممثل الكوميدي Andy Kaufman، والذي توفي في سنِّ صغير على أثر إصابته بمرض السرطان، وقد تقمَّص جيم كاري شخصية كوفمان بشكلٍ مبالغ فيه حتى أنه لم يعد يستجيب لمن يناديه باسمه في موقع التصوير، وأصبح مقتنعًا تمامًا بكونه كوفمان.
وقد حصد كاري جائزة الجولدن جلوب الثانية له عن أدائه في فيلم رجل على القمر، بينما فاز بها للمرة الأولى عن فيلم The Truman Show، والذي جسد بدوره نظرية فلسفية حول رؤية الإنسان لحياته ونظرة الآخرين لها. وقد صرح جيم كاري من قبل أن هذا الفيلم –عرض ترومان- هو من قدمه إلى الجمهور بشكل حقيقي.
الوجه الثاني.. «الرحلة الروحانية» لـجيم كاري ومعنى الحياة
صورة أرشيفية للنجم جيم كاري
إنشر
أتمنى أن يصبح كل البشر أغنياء ومشهورين؛ حتى يتأكدوا أن هذا ليس الحل. *جيم كاري
اهتمام جيم كاري بالمعنى الفلسفي وراء الحياة من خلال القصص التي قدمها في بعض أفلامه، والتي اختلفت كليًا عن فيلم the mask كانت تمهيدًا لرحلته الروحانية التي سيخطوها كاري بعد ذلك، فكلّ ما قدمه كاري من فنٍّ أسعد به قلوب الكثير من الجماهير- حسب تصريحاته- كان من أجل الارتقاء الروحي لنفسه، فكونه طاقة مشعة تبعث الفرحة في قلوب المشاهدين؛ جعله يشعر بسعادةٍ روحانية تغمره. وفقًا له فلم يكن يهتم باسمه على دعايات الأفلام، أو الرقم الذي يجاور اسمه في حساباته البنكية، فهو – حسب قوله – »يهتم فقط بالارتقاء الروحي الذي يشعر به باعتباره نتيجة مصاحبة لهذا النجاح».
ومع زيادة التصريحات المشابهة لما سبق، أصبح اسم النجم جيم كاري يتكرّر على المواقع الإلكترونية الصحفية المهتمة بالشأن الروحاني، أكثر من ظهور اسمه في صفحات الفنّ والمشاهير، فجيم كاري لم تتوقف اهتماماته الروحانية على تصريحات صحافية فقط، بل شارك في الكثير من المناسبات التي تقيمها المؤسسات الروحية.
جيم كاري اثناء خطابه في حفل تخرج جامعة مهاريشي للإدارة.. المصدر هولييود ريبورتر https://www.hotcourses.ae/study/us-usa/school-college-university/maharishi-university-of-management/2385/international.html
إنشر
وبدأت المقاطع المصورة التي تتضمن أحاديث تحفيزية لجيم كاري حول الصحوة الروحانية تنتشر بسرعةٍ كبيرة من خلال الصفحات المعنية بالصحوة الروحانية في العالم، ولم يرفض جيم كاري أيّ حوار صحافي ناقشه في تلك المعتقدات والنهج الجديد الذي يخطوه في حياته، حتى أنه في حوارٍ له الشهر الماضي على أحد المواقع الإلكترونية الروحانية سُئل إذا كان يدين بالديانة البوذية، نظرًا لمحاولاته الكثيرة في نشر التنوير الروحاني، فكان رد جيم كاري «أنا بوذي، أنا مسلم، أنا مسيحي، أنا أيّ شيء ممكن أن تتخيلوه، طالما أنَّه يضعني دائمًا في حالةٍ من الحب».
لم تتوقَّف تصريحات جيم كاري على التنوير الروحي فقط، بل تطرَّق أكثر من مرة عن إيمانه بـ»قانون الجذب«، والذي روَّج له الفيلم الوثائقي الشهير The Secret موكدًا أنه جذب كل هذا النجاح لنفسه، حين كتب صكًّا مصرفيًّا بملايين الدولارات واحتفظ به، وبعد العديد من السنوات تقاضي الأجر نفسه الذي كتبه في هذا الصك؛ باعتباره أجرًا عن أحد أفلامه، تلك القصة التي تأثرت بها الإعلامية أوبرا وتحدثت عنها في أحد حلقاتها التلفزيونية.
الوجه الثالث.. هل قتل جيم كاري صديقته السابقة؟
شخصية جيم كاري التي يظهرها للعامة مجرد احتيال؛ وعلى أرض الواقع هو مجرد رجل يراسل حبيبته برسائل جنسية فاضحة. *تصريح مارك بورتن زوج حبيبة جيم كاري المتوفية للإعلام
على الجانب الآخر، لم يتردَّد اسم جيم كاري في الأخبار المعنيَّة بشأن الصحوة الروحانية فقط، بل في الثلاث سنوات الأخيرة، ومنذ وفاة حبيبته السابقة كاثريونا وايت، بدأ أسم جيم كاري يتردَّد في أخبار جرائم القتل.
أثناء مواعدة جيم كاري لوايت كانت منفصلةً عن زوجها مارك وتسعى لإجراءات الطلاق، ولكن بعد وفاتها، قام كل من مارك بورتن ووالدة وايت برفع دعوى جنائية على النجم جيم كاري بتهمة القتل الخطأ لوايت، فحسب مزاعم التهم الموجهة إلي جيم كاري، أن وايت قد اكتشفت أنها تعاني من مرض جنسي تم نقله إليها -حسب دعوى مارك القضائية- من قِبل النجم جيم كاري، وعندما أخبرت جيم بتأكيد المرض لديها، نصحها بتناول أحد العقاقير؛ والتي تسببت بعد ذلك في موتها نتيجة جرعة زائدة.
جيم كاري يحمل نعش حبيبته الراحلة وايت اثناء الجنازة.مصدر الصورة PA:PRESS ASSOCIATION
إنشر
زوج وايت لم يكتفِ بشن تلك الدعوى الجنائية على جيم كاري، والتي لازالت مستمرة حتى الآن؛ ولكنه خلال السنة الماضية، قام –مارك بورتن- بتسريب الرسائل النصية التي تتضمَّن حواراتٍ خاصة بين جيم كاري ووايت، الأمر الذي وصفه جيم كاري فيما بعد في تصريحاته أنه: «فعل خال من الوفاء ومليء بعدم احترام خصوصية وايت».
الراحلة وايت مع جيم كاري المصدر موقع Mirror
إنشر
أكد النجم جيم كاري في تصريحاته الإعلامية؛ ردًا على تلك الاتهامات أنَّ ما يفعله مارك ووالدة وايت، ليس لسبب إلا رغبتهم في الحصول على أموال التعويض، وأن علاقة وايت بوالدتها كانت سيئة للغاية، وأكد للصحافة العام الماضي أنه لن يتسامح أبدًا في هذا التشويه الذي طاله هو والمرأة التي أحبها. ووصف مزاعم زوجها وأمها أنها: « شريرة وبلا قلب».
الرسالة التي تركتها وايت قبل انتحارها. المصدر: Daily Mail
إنشر
وعلى الرغم من ترك وايت رسالة انتحار وراءها، موجَّهة بشكلٍ كامل إلى النجم جيم كاري؛ بأنه لم يكن سوى إنسان محبذٍ لها، وأنها حزينة لفراقه، إلا أنّ نهاية الشهر الماضي – مارس (آذار)- حكمت المحكمة في صالح الأم والزوج ضد جيم كاري، وسمحت بالاستمرار في دعوى القتل الخطأ؛ لأنَّ العقار الذي تناولته وايت للانتحار؛ حصلت عليه عن طريق جيم كاري.
صورة ارشيفية لجيم كاري
إنشر
وقوع نجم شهير ضحية دعوى قضائية غرضها المال، ليست بالأمر الجديد في عالم مشاهير هوليوود، ولكن ما كُشف في تلك القضية، هو الوجه الآخر الذي يحمله جيم كاري، والذي من الممكن أن يظهر فقط في علاقةٍ عاطفية، سواء كان متمثلًا في التعبير عن مشاعره العاطفية بكلامٍ بذيء أو إباحي، أو بطريقة إنهاء العلاقة مع وايت بشكلٍ حاسم طالبًا منها أن يظلُّوا أصدقاء؛ مؤكدًا أن المرض الجنسي الذي تتحدث عنه لم ينتقل إليها من خلاله.
وكل تلك التفاصيل الخاصة جدًا التي ظهرت بعد تسريب بورتن للرسائل؛ والتي صاحبها بالتصريح للإعلام أن جيم كاري مجرَّد محتال يتشدق بالأمور الروحانية والإيجابية؛ فلم يبدُ أن هذا الوجه -المصحوب باتهامات بورتن-، أي أثر على محبي جيم كاري لأنهم لم يتخلوا عنه، وبمجرد أن شنت والدة وايت تلك الدعوى، بدأت رسائل التهديد والكره تصل إلى منزلها من محبي جيم كاري، متهمين إياها بمسئوليتها عن وفاة وايت حتى أن هناك صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مستمرة منذ سنوات تحت اسم كل يوم نفس الصورة لـجيم كاري، وهذا ما تنشره الصفحة بالفعل كل يوم، وكل يوم يقوم بالإعجاب والمشاركة ما يفوق ربع مليون متابع من محبي جيم كاري حول العالم.
في النهاية، جيم كاري رجل واقعي؛ يدرك أن ما يمر به فيما يخص تلك القضية هو ضريبة نجاحه، ولذلك يمكننا أن ننهي هذا التقرير بما صرَّح به كاري للإعلام عندما تحدث للمرة الأولى بعد تسريب تلك الرسائل الخاصة بينه وبين وايت:
«عندما جئت إلى هوليوود لأكون ممثل، كنتُ مدركًا تمامًا أن حياتي الخاصة ستقدَّم للجماهير كالطعام المجاني، ولكن ما لم أدركه، أن الحياة الخاصة لمن أحبهم أيضًا ستكون من ضمن قائمة الطعام، يا له من عار!». والرد الآخر أن جيم كاري لا زال يشارك في نشر الفكر الروحاني الذي اتخذه لنفسه سبيل، ولم يتراجع عنه أمام تلك الاتهامات.
«انتي الحوار معاكي غير مجدي. باين عليكي ولية برجوازية ملعونة».
قتلتني هذه الجمل وغيرها ضحكًا في فيلم (فوزية البرجوازية) الذي يتحدث عن فترة تحول المجتمع من الاشتراكية اليسارية إلى الرأسمالية الانفتاحية وتصارع المثقفين وطبقات المجتمع. والحقيقة أنا من عشاق فترات التحول، ففيها تظهر تحولات الناس وتتجلى طبقات المثقفين الذين يصارعون أنفسهم ما بين الثبات على الموقف القديم أو الاندماج في الحركة الجديدة والتضحية بالمبادئ ليحصلوا على نصيبهم من الكعكة. فما زلت أذكر محمد عمارة المفكر الإسلامي الكبير حاليًا والاشتراكي اليساري حتى النخاع سابقًا، وشتان بين الاثنين فكأنه قد انقسم وأصبح شخصين لا شخصًا واحدًا.
ولا عيب في ذلك أبدًا فكلنا نتحول بلا توقف. ومقولة إن الرسول كان أول اشتراكي في التاريخ، وأن الإسلام دين اشتراكي في المقام الأول. وكذلك عاطف صدقي الذي كتب كتابًا كان يؤكد فيه على أن الاشتراكية هي الحل على غرار الإسلام هو الحل، وحينما تولى رئاسة الوزراء في عهد مبارك والرأسمالية قال «محدش ودانا في داهية غير الاشتراكية».
كم أعشق هذا التناقض البشري، فهو يجعلك أكثر تسامحًا، فحينما تجد شخصًا قد تغيرت مواقفه فلا تتهمه بالنفاق، فربما قد تغيرت لديه المعطيات وأصبح يرى الصورة بشكل أوضح، أو ربما يحفظ مصالحه. رفقًا بالبشر، فهم متغيرون بالفطرة. لا تتعصب لرأيك فربما يأتي اليوم الذي تغير فيه هذا الرأي، فقط اجلس معي في هذا السيرك المسمى بالحياة وشاهد الناس وهم يؤدون العروض وأعدك أنك لن تمل أبدًا، بل ستصبح مدمنًا مثلي على هذه العروض التي ستقتلك ضحكًا وكآبة، وستعرف أنهم يتشاجرون على لا شيء، فكل إنسان يفكر حسب بيئته ونشأته وجيناته والمواقف التي تعرض لها.
لا يوجد شخص حيادي حتى وإن ادعى ذلك، فكل شيء نسبي والألوان كلها رمادية. أنت لست حر الإرادة كما تعتقد فكل ما حولك يساهم في أن تكون هذا الشخص الذي تلبس عباءته. أنت لم تختر شيئًا أبدًا. لا أريد أن أتفلسف كثيرًا وليست عادتي ولكني أتكلم بين نفسي وعلى الورق، فلن أدخل في هذا النقاش على أرض الواقع بل على العكس سأحاول أن أتهرب منك إن أردت الحديث، أو أدعي الجهل فأنا أكره أن يفهمني الناس على غير مرادي، وأكره أكثر أن يطبقوا عليّ معاييرهم. وأنا على يقين بأن هناك من جلس مثلي وقال نفس الكلام فيما مضى ولم يتغير شيء. فهو نفس الصراع الدائم بين البشر. لا شيء جديد.
حسنًا، فلنعد يا صديقي إلى الفيلم. تظهر لنا في هذا الفيلم صورة المثقف الاشتراكي المعتادة وليست الصائبة في أغلب الأحيان (عبد الواحد)، فهو هذا الشخص المعدم الذي يعيش في برجه العاجي ويحلم باليوتوبيا التي تتساوى فيها جميع طبقات الشعب وتختفي الملكية الخاصة، ومع ذلك فهو ينظر للعامة على أنهم حشرات ورعاع ولا يستحقون التضحية التي يقوم بها من أجلهم، وصراعه مع مثقفي الرأسمالية بل والعامة البرجوازيين الذين لا يهتمون إلا بالخبز ورفاهية الحياة، فهو المثقف الذي يصدع رأس الجماهير، ولذلك فهي لا تحبه فهي لا تريد من يصدع لها رؤوسها.
يظهر عبد الواحد أيضًا في صورة القاص الفاشل الذي لم يكتب إلا القليل من القصص ولا يمل من تكرارها على القهوة بين من على شاكلته برغم عدم اهتمام أحد به أو بأدبه، وصعوبة هذا الأدب ورمزيته المغرقة في دلالة على أنه منعزل عن الجماهير ولا يستطيع التواصل معهم.
صورة أخرى هي للمثقف الثائر دائمًا الذي لا يفعل شيئًا غير الجلوس على المقاهي وتحميس روادها بخطابات ماركسية ستالينية ماوية لينينية واحتساء أقداح البيرة في مقاهي وسط البلد ثم يتسلل مغادرًا القهوة دون أن يدفع ثمن ما شرب، ويرى أن الشعب لا يحتاج إلى الثقافة بل يحتاج إلى من يقوده، وبالطبع هو المؤهل لهذه القيادة التي ستنتهي بالجماهير إلى الثورة التي ستحرر الشعوب من براثن الرأسمالية الطفيلية، ومع ذلك فهو مستعد للتنازل عن مبادئه من أجل وجبة غداء فاخرة أو حتى وضيعة. هذا المثقف الآخر يقوم بدوره (سناء الشافعي) في صورة الانتهازي الذي يؤجج الصراع بين أبناء الحارة البسطاء ويوهمهم بأنه يحس بآلامهم ثم إذا به يجلس مع الأغنياء ليسب الفقراء ويترجى الأغنياء أن يتركوا الفتات للمعدمين خوفًا من حسدهم.
«أنا لا يميني ولا يساري أنا ابن بلد وهعيش وأموت ابن بلد» جملة قالها الأسطى بدار دون أن يدري عبقريتها لتدل على حال الطبقة البسيطة في المجتمع التي دومًا ما تدهس أحلامها تحت حذاء السلطة والمثقف المتلون اللذين يدعيان دائمًا حب الشعوب ودائمًا هي الضحية (وكل يدعي وصلًا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك).
الفيلم عبقري إلى أقصى درجة وربما تتجلى هذه العبقرية والسخرية في أن الصراع الدائر في الفيلم ينشأ بسبب هذه الكلمة (البرجوازية) بالرغم من أن فوزية ظلت إلى آخر الفيلم لا تفهم لهذه الكلمة معنى. في دلالة على أن العامة يسهل قيادتهم والسيطرة عليهم بأي فكرة حتى ولو لم يفهموها وهو شيء مرعب. الفيلم مليء بالرمزية والرسائل الخفية والكوميديا السوداء وغير السوداء ويستحق المشاهدة والمناقشة. أنصح به في زمن أصبحنا لا نجد سينما مصرية حقيقية تستطيع تشكيل الوعي العام وأصبح العمل الجيد عملة نادرة وبضاعة غير مستساغة.