Quantcast
Channel: سينما –ساسة بوست
Viewing all 367 articles
Browse latest View live

حادث «سينما فيرنهايم».. كيف حصنت ألمانيا نفسها بقوانين حمل السلاح؟

$
0
0

قبل يومين، قتلت الشرطة الألمانية مسلحًا ملثمًا، احتجز رهائن  في سينما بـ«فيرنهايم» غربي ألمانيا، في هجوم لم يكن الأول في ألمانيا؛ يُعيد التركيز  على وضع السلاح في ألمانيا وقوانين حمله.

ففي يوم الخميس الماضي، الموافق 24 يونيو (حزيران) الجاري، اقتحم مسلح ملثم يحمل بندقية طويلة وحزام ذخيرة، ويرتدي حذاءً عسكريًا، دورًا للسينما في ولاية «هسن» بمدينة فيرنهايم  غربي ألمانيا،مُطلقًا الرصاص باتجاه رواد السينما، ومحتجزًا نحو 17 رهينة بحسب  .«ألميرألملوفيتش» (16 عام) -أحد الرهائن الناجين من الهجوم- الذي يحكي أن الجاني فاجأهم في دورة المياه، وقال لهم «استلقوا على الأرض إن كنتم تخافون على حياتكم!»

وعقب تلقي الشرطة الألمانية طلب النجدة من أحد موظفي السينما، وصلت قوات خاصة من الشرطة الألمانية عبر مروحية إلى دور السينما واقتحمتها وقتلت المسلح. وأفادت وسائل إعلام ألمانية بعد وقوع الهجوم أن المُسّلح أصاب مالا يقل عن 25 شخصًا من رواد السينما، وهو ما نفته الشرطة الألمانية التي أكدت أن عملية الاحتجاز لم تسفر عن أية إصابات  من المتواجدين في السينما، وأن جميع الرهائن خرجوا سالمين.

واستبعدت الشرطة الألمانية أن يكون الحادث «إرهابيًا» ونفت أن يكون للمسلح علاقة بـ«جماعات مسلحة» أو «منظمات إرهابية» ، وتوقعت مصادر أمنية ألمانية أن يكون الحادث «فرديًا»  من مسلح مضطرب عقليًا. وقال المتحدث باسم الشرطة الألمانية،إن  خلفيات المسلح ودوافعه لم تتحدد بعد، نافيًا وجود معلومات تفيد بارتباطه بأي جماعة مسلحة.  وقال «بيتر بوث »- وزير الداخلية بولاية هسن-  للبرلمان المحلي إن المهاجم «كان يحمل بندقية، وتصرف بشكل منفرد، وكان يبدو عليه الاضطراب». كما أفاد شهود عيان أن المسلحة كان مشوشًا ومرتبكًا، وأطلق أربع رصاصات عندما اقتحم السينما.

لم تكن الحادثة الأولى في ألمانيا

وقعت في ألمانيا عدد من الحوادث الدموية المشابهة خلال العقدين الماضيين، ففي 12يونيو (حزيران) الماضي، أطلق مسلح النار على مخيم للاجئين في ألمانيا مما أدى لإصابة طفل(خمس سنوات)، وشاب (18 سنة). وأحصت السلطات الألمانية وقوع 177 حادث عنف استهدف منازل للاجئين في ألمانيا خلال عام 2015 لتتراجع تلك الحوادث إلى 26 منذ بدء العام الجاري.

وفي 10 مايو (أيار) الماضي، قتل رجل شخص وأصاب ثلاثة آخرين في عملية طعن في محطة قطار قريبة من «ميونيخ، ونفى وزير الداخلية بولاية بافاريا أن يكون هناك دافع «إسلامي» لهذه العملية. ورجّح بعد إلقاء القبض على منذ العملية أن يكون مريضًا نفسيًا ومدمنًا للمخدرات.

وفي 11 مارس (آذار) من عام2009، شهدت ألمانيا واحدة من أسوأ حوادث إطلاق النار في تاريخها، بالقرب من مدينة «شتوتجارت»، عندما أقدم مراهق لم يتعد عمره 17 عامًا، كان يرتدي ملابس قتالية سوداء، على إطلاق النارَ في مدرسته، التي كان تلميذًا فيها،ما أدى إلى مقتل 15 شخصًا (تسعة طلاب، وثلاثة معلمين، وثلاثة من المارة)، قبل أن تقتله الشرطة بعد تبادل إطلاق نار معه. وقد شهد هذا العام وقوع 179 جريمة إطلاق نار في ألمانيا. ومقتل مصرية تُدعى «مروة الشربيني» بعد طعنها 16 مرة في ثلاث دقائق وهي حامل، لأسباب «عنصرية».

وفي عام 2006، ذهب شاب يبلغ من العمر 18 سنة إلى مدرسته القديمة وأطلق النار بداخلها، مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص،  ودفعت تلك الواقعة السلطات الألمانية إلى فرض قيود على بيع ألعاب الفيديو العنيفة إلى «الأحداث».

وشهد عام 2002، حادث إطلاق نار هو الأسوأ من نوعه في التاريخ الألماني، عندما أقدم شاب يبلغ من العمر 19 سنة طُرد من مدرسته الثانوية في «إيرفورت»على إطلاق النار بداخلها مما أدى لمقتل 16 شخصًا قبل أن ينتحر.

قوانين حمل السلاح في ألمانيا

تعيد تلك الحوادث -التي كان معظمها إطلاق نار- الحديثَ عن وضع السلاح في ألمانيا وقوانين حمله. وتعد ألمانيا واحدة من أكثر دول العالم، التي يحمل مواطنيها أسلحة نارية مُرخصة، وتأتي في المركز الرابع عالميًا عقب الولايات المتحدة، وسويسرا وفنلندا. فهناك مليونا مواطن في ألمانيا يحملون حوالي 5.5 مليون قطعة سلاح مُرخصة، وتفيد تقارير شرطية ألمانية أن هناك أكثر من 20 مليون مواطن يحملون أسلحة غير مرخصة في ألمانيا.

وبالرغم من تلك الأرقام، فإن ألمانيا تُعد واحدة من أقل الدول التي يقع فيها حوادث قتل بالأسلحة النارية في العالم، بوقوع 0.05  حادثة في المتوسط لكل 100 ألف شخص، ويرتفع ذلك المعدل في دولة مثل الولايات المتحدة ليصل إلى 3.34، تلك الدولة التي يحمي دستورها حق المدنيين في حمل السلاح، وشهدت مؤخرًا أسوأ حادث إطلاق نار في أسفر عن مقتل 49 شخصًا وإصابة 53 آخرين.

ويمكن إرجاع تقلص ذلك المعدل في ألمانيا، إلى «صرامة» القوانين الألمانية لحمل السلاح، إذ تمتلكعدد من القوانين الأشد صرامة أوروبيًا وعالميًا في هذا الصدد ؛ فإذا أراد المواطن الألماني شراء سلاح عليه في البداية أن يحصل على رخصة حمل السلاح، وربما يحتاج لرخصة أخرى بحسب نوع السلاح، ويجب ألا يقل عمره عن 18 عام ويتعرض لما يُسمى بـ«اختبار الموثوقية»، الذي يشمل التحقق من وجود سوابق جنائية للمتقدم، وإدمانه للمخدرات، والكحوليات، والتأكد من صحته العقلية. وفي كل الأحوال فإن الأسلحة الآلية محظورة على الجميع في ألمانيا وتُسمح الأسلحة نصف الآلية لأغراض الصيد ومسابقات إطلاق النار فقط.

وبعد حادثة 2002، أقر البرلمان الألماني تعديلات على قوانين حمل السلاح ليُلزم المتقدمين للحصول على الرخص دون سن 35 عامًا لاجتياز ما يُسمى بـ«اختبار المعرفة المتخصصة» والذي يتضمن التقييم «النفسي» للمتقدم واختبارات «الغضب» و«الشخصية»  من خلال مستشار متخصص. وتُعد ألمانيا هي الدولة الوحيدة في العالم الذي تُجري هذه الاختبارات للمتقدمين دون 25 سنة.

وعقب هجوم 2009، أقرت السلطات الألمانية تعديلات جديدة تمنح السلطات حق مراقبة مالكي الأسلحة بما يتضمن تفتيش ممتلكاتهم؛ للتأكد من حفظ الأسلحة بطريقة صحيحة. وقد أدت تعديلات 2009 إلى تقليص حوادث إطلاق النار في ألمانيا بشكل كبير، ولم تقع حوادث كبيرة بعد ذلك يتعدى ضحاياها مقتل ثلاثة أشخاص.

اقرأ أيضًا: إنفوجرافيك لأبرز الهجمات الدموية التي ضربت أوروبا والولايات المتحدة خلال العقود الماضية

The post حادث «سينما فيرنهايم».. كيف حصنت ألمانيا نفسها بقوانين حمل السلاح؟ appeared first on ساسة بوست.


الرومانسية الواقعية فى السينما العالمية

$
0
0

إذا كنت من محبي أفلام الرومانسية؛ أنصحك بشدة بهذه السلسلة. وإذا كنت من عشاق الدراما الواقعية، كذلك إن كنت من محبي الأفلام الساحرة التي تأخذك وتسمو بك عن الواقع؛ أنصحك بشدة بهذه السلسلة. أما إذا كنت من هواة مشاهدة أفلام السينما العالمية، فلا تستطيع أن تطلق على نفسك «محترف سينما» بملء الفم دون أن تكون قد مررت بهذه السلسلة.

معنا اليوم سلسلة أفلام المخرج والمؤلف الواقعي الحالم (غير ذائع الصيت) ابن ولاية تكساس الأصيل,Richard Linklater.

معنا اليوم سلسلة أفلام (before midnight 2013)، (before sunset 2004)، (before sunrise 1995).

تدور أحداث السلسلة خلال 18 عامًا كاملة؛ لكن المخرج والمؤلف (وهما الشخص نفسه) يسلط الضوء فقط على ثلاثة أيام ولياليها. فقط ثلاثة أيام. لك أن تتخيل أكثر ثلاثة أيام مصيرية في حياتك وسلط عليهم الضوء، ستجدهم ملأى بأحداث قد تفوق باقي سنوات العمر.

يبدأ الفيلم (وهنا أتحدث عن الجزء الأول) بسلاسة غاية في البساطة والروعة والواقعية؛ إذ يتعرف شاب أمريكيEthen Hawke  على فتاة فرنسية حالمة وجميلة Julie Delpy في رحلة قطار تجوب أوروبا؛ فيتجاذبان معًا أطراف الحديث ويقضيان معًا ليلة ساحرة في إحدى المدن الأوروبية العتيقة لينتهي بهم المطاف بالوقوع في حب بعضهما البعض في هذه الليلة الساحرة. ولكن السعادة لا تدوم إذ عليهما أن يفترقا في الصباح (هو إلى الولايات المتحدة؛ وهي إلى باريس لاستكمال دراستها) ولكن يتفقان أن يجتمعا معًا في هذا اليوم نفسه بعد ستة أشهر في هذا المكان نفسه؛ دون أن يتبادلا أي وسائل اتصال بينهما حتى لا يتحول الأمر إلى علاقة سخيفة ويبقيا على شغفهما وحبهما المتأجج في الليلة الماضية. يدور الجزء الثاني في باريس في أحد أيام عام 2004؛ أي بعد حوالي 8 سنوات منذ اللقاء الأول؛ إذ أضحى البطلEthen Hawke  كاتبًا روائيًا ذائع الصيت؛ في هذا اليوم الذي سافر فيه إلى باريس في مؤتمر خاص بأحد كتبه يلتقيان مرة أخرى بعد أن أخفق اللقاء الثاني المبرم اتفاقه في نهاية الجزء الأول وترتب عليه انحراف فيما كان مخططًا لهما. أما الجزء الثالث فيدور في إحدى ليالي الصيف الساحرة في اليونان حيث يقضي  الزوجان عطلة صيفية ساحرة. (لا أريد مزيدًا من السرد حتى لا أضيع الفرصة لمن لم يشاهد السلسلة بعد).

المتأمل في السطور السابقة يرى الرواية غاية في البساطة ولا تحتاج إلى مجهود فني، بل إن الإبداع فيها ضعيف؛ لكن من يشاهدها فسيجد العكس تمامًا. أراد Richard Linklater (وهو مخرج ومساهم في تأليف السلسلة) أن يمتعنا بفيلم غاية في الرومانسية والواقعية معًا وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد. فعبقرية الفيلم أساسًا أنها تدور وفقط في ثلاثة أيام استطاع من خلالهما أن يبحر بنا إلى حياة البطلين وإلى ما آل إليه مصيرهما بشكل واقعي ورومانسي في نفس الوقت. يبدأ المخرج سلسلته بسرد روائي رومانسي قد نستطيع أن نصنفه «يوتوبيًا» حيث رحلة بالقطار في مدن أوروبا الساحرة وأجواء الفيلم، وما لاقوه وعايشوه في تلك الليلة (لا أريد أن أستطرد حتى لا أضيع متعة المشاهدة لمن لم يره)، لينتهي بك إلى حلمهم اليوتوبي في التجمع واللقاء مرة أخرى بعد 6 أشهر من يومهم هذا. ثم ينتقل بك من هذه اليوتوبيا إلى الصدام بالواقع «before sunset» ليفشل حلمهم المشرق في لقاء مقترب ليتجدد اللقاء بعد أعوام طوال وقد تغيرت الظروف والأحداث لكن لم تتغير تلك المشاعر المتأججة والعشق الأبدي بينهما، فينتهي بهما المطاف إلى  اللقاء الثاني المرتقب ومحاولة استعادة طموحاتهم وأحلامهم مرة أخرى. ثم يطوف بنا بآلة الزمن بضعة أعوام ليقف بنا «before midnight» إلى الحياة الواقعية جدًا بين زوج وزوجة وأولاد وما يواجهونه من مشكلات الحياة الواقعية. وهنا تأتي العبقرية رغم بساطتها؛ المخرج لم يرد لنا أن نشاهد رومانسية يوتوبية حالمة فقط نسعد بها وتمتعنا ثم ننساها؛ بل أراد أن يأخذنا إلى رومانسية يوتوبية ساحرة ومع ذلك يمكن أن تتحقق وتنجح بل وتستمر إلى النهاية رغم ما قد لاقوه من صعاب وفراق وضياع الأمل – والتي قد تحدث في معظم قصص الحب – في اللقاء خلال أحداث الفيلم.

المخرج لم يقف في إبداعه عند ذلك؛ بل استمر في إبهارنا طوال هذه السلسلة، فالفيلم عبارة – وهذا ينطبق على الأفلام الثلاثة المكونة للسلسلة – عن حديث تلقائي بين البطلين غاية في التلقائية والبساطة والتطور والتعقيد بدرجة واقعية تجعلك تشعر أنه يحدث أمامك؛ فهو أشبه بحديث اثنين لمدة ساعتين في موضوع يتطور إلى موضوعات أخرى بشكل سلس وتلقائي وطبيعي وهكذا؛ حيث غاية المخرج من ذلك هو جذب هذه الرومانسية اليوتوبية إلى الواقع «كأنه يريد أن يقول إن هذا ليس فيلمًا أو ليس قصة رومانسية بل هو الواقع وقد يحدث مع أي منكم».

وقد تمادى Linklater في ذلك لدرجة كبيرة حيث وصلت بعض المشاهد إلى ما يقرب من العشرين دقيقة دون أن ينقطع أو تتحول الكاميرا بشكل يوقف المشهد ويبدأ مشهدًا جديدًا حتى ينقل لنا ويجعلنا نعايش هذه الصورة الرومانسية بالغة الواقعية. وبالتأكيد فإن هذا تطلب مجهودًا شاقًا على البطلين؛ إذ من المستحيل أن يحفظا سيناريو يصل لعشرين دقيقة؛ ولكن ما حدث بالتأكيد أنهم قد حددا الخطوط العريضة Headlines للمشهد ثم أطلقا العنان لإبداعهما أن يسير بهما وبنا وبشكل تلقائي غاية في الروعة والدقة والبساطة، إلى تطور أحداث القصة دون أن تشعر تمامًا أنه مجرد تمثيل.

لم يقف الإبداع حتى في القصة والتمثيل والفكرة والإخراج، بل امتد حتى إلى التصوير من حيث اختيار مواقع التصوير بين باريس وأوروبا واليونان؛ بل امتد حتى إلى الإضاءة والكاميرا؛ ففي الجزء الأول استخدم إضاءة خافتة وبسيطة تناسب الأجواء؛ في حين استخدم في الجزء الثاني الإضاءة نفسها ولكن بمزيد من الخفوت والضبابية نوعًا ما – أو ما يسمى أسلوب تصوير warm – والتي تشتهر بها معظم أفلام السينما الفرنسية – تعطي للمشاهد جو دفء غير طبيعي يضفي مزيدًا من التعايش والانسجام مع الأحداث.

آتي إلى نهاية المقال لأطير بكم إلى أعظم مشاهد السلسلة وأكثرها واقعية ورومانسية – من وجهة نظري المتواضعة التي لا تساوي أي شيء – في نهاية الجزء الثالث حيث يدب الشجار بينهما، كاد أن يعصف بحياتهما وبقصة الحب الرائعة هذه لولا إبداعEthan Hawke  في استرضاء حبيبته ورد فعلها الذي يجعلك تسعد وتضحك من البساطة والإبداع، وتبكي لانتهاء هذه السلسلة حيث تريد المزيد من المتعة والإبداع والرومانسية والواقعية أيضًا.

The post الرومانسية الواقعية فى السينما العالمية appeared first on ساسة بوست.

كيف تغير طريقة تفكيرك عن طريق الأفلام؟

$
0
0

ربما لكل منّا تفضيلاته الشخصية للأفلام، وربما أيضًا قد لا نتفق على فيلم معين، ولكن تبقى أفلام تجد عليها الإجماع أنها أفلام لا تنسى؛ لأنها تغير في طريقة تفكيرك أو تظل عالقة بالذهن، شخصيًّا أجد طريقة القوائم المحددة تكون ظالمة نوعًا ما، ولكن لا بد منها.

1- Taxi Driver» 1976»

«هل تتحدث إلي؟».

البداية مع أعظم أفلام روبيرت دي نيرو – كبطولة منفردة- وواحد من أحسن أفلام المخرج مارتين سكورسيزي، ربما الفيلم نفسي إلى حد ما لأنه يصور نيويورك المظلمة من وجهة نظر سائق تاكسي مختل نوعًا ما ومصاب بمرض التوحد، وربما تكون ظروفه هي التي أجبرته على ذلك، ولكن يبقى الفيلم نقلة نوعيه في الأفلام في هوليوود؛ فلم تشهد من قبل ذلك التركيز على مهنات بعينها أو مرض نفسي معين.

2- scent of a woman» 1992»

«لا يوجد أخطاء في التانجو عزيزتي! إنه بسيط».

عطر امرأة – أو أمير الظلام- أحد أهم أعمال آل باتشينو، الحاصل على الأوسكار عن دوره بهذا الفيلم، أدى آل باتشينو دور جنرال متقاعد ومكفوف نتيجة حادث حصل له منذ فترة، يقوم بمساعدته شاب جامعي، ويقوم بتجربة أشياء لا يستطيع أي مكفوف أن يفعلها بمفرده، وهي الفكرة الأساسية نفسها التي اقتبسها عادل إمام في فيلمه أمير الظلام، ولكن كعادتنا لا ننوه عن الاقتباس وننشر أعمالنا كأنها أصلية.

3- and justice for all» 1979»

«أنا خارج عن النظام؟! أنتم الخارجون عن النظام».

ومرة أخرى مع آل باتشينو ولكن بعمل من أعظم ما يجسد العلاقة الحقيقية بين القضاء و المحاماة والسلطة والفساد، تدور قصته حول محامي مجبر على الترافع عن قاض مذنب ولكن لتوتر العلاقة بين المحامي والقاضي لم تكن على وفاق فاختاره القاضي ليدافع عنه حتى يثبت للمجتمع أنه بريء لدرجة أن المحامي الذي بينه وبينه خلاف قرر الترافع عنه.

الفيلم به مشهد الخاتمة من أعظم مشاهد السينما على الإطلاق وهو مرافعة آل باتشينو في المحكمه بخطاب رائع بلاغة وأداء، لو تريد إقناع ابنك أن يصبح محاميًا أنصحك بالفيلم.

4- Fight Club» 1999»

«نحن جميعًا تربيّنا على التلفاز لكي نؤمن بأنه في يوم ما سوف نصبح جميعًا أصحاب ملايين وآلهة أفلام ونجوم روك، لكننا لن نكون كذلك، نحن نكتشف الحقيقة ببطء، ثم نكون مستائين للغاية.»

الفيلم الأقرب إلى قلبي ورائعة دافيد فينشر الخالدة من بطولة إيدوارد نورتون وبراد بيت وهيلينا بونام كارتر، الفيلم في قائمة تفضيلات أي أحد لا يبعد عن أول خمسة أفلام في قوائم أفضل أفلام التاريخ، الفيلم يحكي الصراع النفسي الداخلي بين فئة الشباب ودخولهم في نادي للقتال للتنفيس عن غضبهم، لقد اجتمع كل نوع من أنواع الصخب، والثورة، والتمرد، والفوضى في هذا الفيلم، ربما أكون قد اخترقت القاعدة الأولى لنادي القتال، وهي «ألا أتحدث عن نادي القتال»، ولكن الفيلم حقـًّا يستحق المشاهدة ليس فقط للحبكة والقصة والتمثيل، بل لأنه مليئ بالعبارات الأخاذة والحكم.

5- Batman The Dark knight» 2008»

«في آخر لحظاتهم كل شخص يظهر لك معدنه الحقيقي».

لا أستطيع أن أطلق عليه فيلم كوميكس أو فيلم باتمان قدر أنه فيلم للعظيم كريستوفر نولان، المخرج الشاب الذي صور باتمان من وجهة نظره هو ليس من كتب الكوميكس فأنتج لنا فيلمًا نفضل فيه معظمنا الشخصية الشريرة على باتمان.

طبعا ساعده تجسيد هيث ليدجر الخرافي للشخصية واهتمامه بكافة التفاصيل وحاز عن هذا الدور جائزتي الأوسكار والجولدن جلوب، ولكن توفي قبل استلامهما للأسف.

الفيلم هو الثاني من ثلاثية باتمان التي أخرجها نولان وأفضلهم.

6- «pulp fiction «1994

«كل شخص يبقى هادئًا، هذا سطو مسلح».

الفيلم الذي جمع إيما تورمان وجون ترافولتا وبروس ويليس وممثل تارانتينو المفضل صامويل جاكسون قصة وإخراج كوينتين تارينتينو، والفيلم الذي شهد انطلاقة تارانتينو لمخرجي الصف الأول.

تدور قصته عبر عدد من القصص المختلفة المترابطة والفيلم عظمته ليست فقط في الأسماء ولكن في طريقة السرد المختلفة والعظيمة عن طريق أجزاء للقصص غير مرتبة مما يدخلك كمتفرج في جو من الغموض والحيرة والمتعة حين انكشاف لغز من الألغاز – سمعت أنه حين عرض الفيلم في مصر قامت الشركة المصرية بترتيب أجزاء الفيلم- ولكن أنا عندي قناعة شخصية أن الفيلم لن تعجب به من المرة الأولى خاصة لو كانت أول تجربة لك مع سينما مجنونة كتارانتينو، لكن لا يمكنني أن أكتب قائمة دون وجوده.

7- memento» 2000»

«حسنًا، أنا أطارد هذا الرجل، لا، هو من يطاردني».

أول أفلام كريستوفر نولان الطويلة وأحبها إلى قلبي، وإثبات حي أن الماديات والميزانيات ليست عائقـًا لإخراج فيلم عظيم.

الفيلم الذي تناول مشكلة صحية علمية بشكل فني مرتب وفيلم أحداثه مختلطة ونعود هنا مرة أخرى لطريقة السرد والدليل أنها بطل أساسي في فيلمين من أعظم أفلام التاريخ ولكن للأسف أعمالنا العربية تتجاهل ذلك العنصر تجاهلًا تامًا – فيلم فاصل ونعود لكريم عبد العزيز مأخوذ من هذا الفيلم ومرة آخرى بدون تنويهات، وحتى طريقة السرد طبيعيه جدًا لا تشعرك بأهمية الحدث، الفيلم بطولة جاي بيرسو قصة وإخراج كريستوفر نولان بالتعاون مع شقيقه جوناثان، فيلم ينصح به بشدة لمخرجينا الشباب، ليس لينحتوا أفكارهم منه.

8- Dumb And Dumber» 1994»

أحب أفلام جيم كاري إلى قلبي وأحد أكثر الأفلام المسببة للضحك الهيستيري عبر العالم، الفيلم الذي أيضًا نحت منه شخصية سلطان في فيلم غبي منه فيه، يحكي قصة شخصين يتسمان بالغباء جيم كاري وجيف دانيلز أتقنا أدوارهما ببراعة شديدة تجبرهما الظروف على الدخول في مغامرة عبر البلاد وتستمر المواقف الكوميدية.

9- malena» 2000»

«دائمًا ما كانوا يسألونني هل سأتذكرهم، كنت أقول نعم سأتذكرك، لكن الوحيدة التي لم أنساها هي الوحيدة التي لم تسأل».

فيلم مونيكا بيلوتشي الوحيد الجدير بالمشاهدة والفيلم الإيطالي الوحيد بالقائمة.

ولا داعي لأن أذكر أن فيلم حلاوة روح مسروق من فكرة مالينا، الفيلم يحكي قصة زوجة تعيش وحدها لغياب زوجها في ظروف الحرب وتكون مطمع للجيران، منهم من يتلصص عليها ومن يطلق الإشاعات.

وسط غيرة النساء منها ورغبة الرجال فيها تعيش مالينا حياة غير مستقرة وغير سعيدة، ستسغرب حينما تعرف أن مالينا لم تنطق بـ10 كلمات تقريبًا في الفيلم كله، ومع ذلك نال الفيلم إشادة جميع من شاهده، بل نالت بيلوتشي نفسها المديح.

يتبع…

The post كيف تغير طريقة تفكيرك عن طريق الأفلام؟ appeared first on ساسة بوست.

العلم في السينما.. 7 أفلام سيرة ذاتية أبطالها علماء

$
0
0

السينما عالمٌ كبير، شاسع، يصوغ الحياة كما يراها الكتَّاب والمخرجون، وكما تعتملُ في أذهانهم. كيف يمكن للسينما أن تقدِّم لنا حياة العلماء، بكامل مآسيهم وتجاربهم ومشاعرهم، كيف هي الحياة الشخصية والعاطفيّة لدى العلماء؟ هذا ما ستخبرنا به هذه المجموعة المنتقاه من الأفلام.

A Beautiful Mind

هل الإبداع يشترط السلامة النفسية والعقلية الكاملة؟ وهل يستلزم العلم الرياضي ذلك أيضًا؟ بالطبع لا وإلا لما استطاع «جون فوربس ناش» أن يخرج على العالم بنظريته الرياضية عن التوازن، والتي سميت باسمه بعد ذلك «توازن ناش»، كان جون ناش مصابًا بمرضٍ نفسيّ معروف، هو «الفصام»، اعتقد ناش أنّ لديه زميلًا بغرفته، طيلة أربع سنوات، بينما تظهر الكشوفات أنَّه كان يسكن وحده. نال ناش جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، كما نال عدة جوائز علمية أخرى. توفي ناش عام 2015 في حادثة سيارة، لكن الفيلم يتناول حياته من البداية وآثار مرضه بالفصام، وعلاقة المحبَّة القوية بينه وبين زوجته. فهل يقف المرض في طريق الإبداع؟ بالطبع لا، هذا ما يخبرنا به الفيلم.

Creation

ليس هناك من لا يعرف عالم الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي، «تشارلس داروين»، الذي عُرف بنظرية «التطور»، التي تعتبر أن كل الكائنات الحيَّة على مر الزمان تنحدرُ من أسلافٍ واحدة مشتركة، في هذا الفيلم تسليط على حياة داروين، وكيف وصل إلى هذه النظرية، وهل كان لوفاة ابنته المحبوبة لديه أثرٌ في هذه النظرية؟ كل هذا في الفيلم الذي أنتج عام 2009.

Gorillas in the Mist 

على خلاف غيره من الأفلام، يقوم هذا الفيلم على كتاب كتبته بطلته نفسها، العالمة ديان فوسي، المتخصصة في علم الحيوان، قامت بعمل دراسة كبيرة عن «جماعات الغوريلا الجبلية»، على مدى 18 عامًا! وكتبت كتابها المعنون «Gorillas in the Mist»، وحكت فيه عن حياتها الشخصية أيضًا مع مجموعات الغوريلا. نُشِر الكتاب عام 1983، بينما قتلت فوسي في بيتها في طرف مخيم في منطقة جبال في رواندا، بعد نشر كتابها بسنتين، في عام 1985.

Madame Curie

في هذا الفيلم قصة نجاح عالمين، وليس عالمًا واحدًا، فـ «ماري كوري» قد نالت جائزة نوبل، مع زوجها وأستاذها «بيير كوري» عام 1903 لدورهما في اكتشاف عنصري البولونيوم والراديوم، كان هذا في مجال الكيمياء، ليس هذا فقط، فقد نالت كوري نوبل في الفيزياء وحدها عام 1911، وهي بهذا أول امرأة تنال جائزة نوبل، والوحيدة في التاريخ التي تحصل على جائزة نوبل مرتين في مجالين مختلفين «الفيزياء والكيمياء»، وكذلك هي أول امرأة تحصل على رتبة الأستاذية من جامعة باريس. في هذا الفيلم قصَّة عالمين، مليئة بالعلم والمحبة.

Agora

«هيباتيا السكندريَّة»، ربما قد سمعت بها قبلًا، وربما لا، لكنها تعتبر أم العلوم الطبيعية الحديثة، كانت فيلسوفة وعالمة رياضيات وفلكيَّة أيضًا. عاشت في القرن الرابع قبل الميلاد، والذي شهد عمليات دينية متطرفة تجاه اليهود والعبادات الوثنيَّة، وكلّ ما هو غير مسيحي. تقتل هيباتيا على يد المتطرفين الذي اعتبروها مهرطقة. ما الذي يمكن أن يحدث في عالمٍ يعتبر أن وجود امرأة عالمة خطيئة؟ هذا ما ستشاهده في الفيلم.

 Einstein and Eddington

إنَّها قصَّة عالمين أيضًا، العالم الأشهر على الإطلاق «أينشتاين»، والعالم الذي تسبب بشكلٍ كبير في شهرة أينشتاين ولكنه أقلّ شهرة، «آرثر إيدنغتون». هل يمكن لك تخيُّل أن يصرّ عالم إنجليزيّ على تأييد عالم ألمانيّ أثناء الحرب العالمية الأولى، ويؤكد بشدَّة أن النظرية النسبية صادقة بالتطبيقات الرياضيَّة؟ كان هذا إيدنغتون العالم البريطاني الذي وقف في وجه الجمعية الملكيَّة للاعتراف بالنظرية النسبية لأينشتاين.

The Imitation Game

في هذا الفيلم قصَّة أخرى مثيرة لعالم رياضيَّات مهمّ، «آلان تورنج»، الذي استطاع بعبقريته الفذة فكّ الرسائل الألمانية المشفرة؛ ما ساعد الحلفاء في هزيمة ألمانية النازية في الحرب العالمية الثانية، في العديد من الاشتباكات المهمة. بعض التقديرات تشير أن باستطاعته فكّ التشفير لهذه الرسائل قصَّر مدة الحرب في أوروبا ما لا يقل عن سنتين. لكنّ تورنج يحاكم في النهاية بسبب مثليته، فقد اعترف عام 1952 بمثليته الجنسية، وكان القانون البريطاني يحاكم على المثلية حينها.

 

The post العلم في السينما.. 7 أفلام سيرة ذاتية أبطالها علماء appeared first on ساسة بوست.

أشجار وطرقات ومطر.. موضوعات أسرت كاميرا كيارستمي «غير المحترفة»

$
0
0

في كتابه سينما مطرزة بالبراءة أعد وترجم «أمين صالح» العديد من المقالات النقدية واللقاءات الصحفية التي أجراها المخرج الإيراني الأشهر «عباس كيارستمي» مع الصحافة العالمية، يحكى أن أحد النقاد بعد مشاهدة أفلام «كيارستمي» قال «لا شيء يحدث خلال الفيلم، يمكنني أن أفتح نافذة الشرفة في منزلي، وأقف لأتأمل الطريق، بدلًا من مشاهدة هذه الأفلام!» الحقيقة أن ما يفعله كيارستمى هو منح المشاهد وقتًا ليتأمل الأحداث العادية التي يمر بها كل يوم، أن يقلق بشأنها، وأن يبدأ بطرح الأسئلة، أن يحصل على فرصة لرؤيتها من جديد، أن ينتبه إلى كل ما يحدث حوله؛ فالحياة اليومية، بالرغم من بساطتها، تحمل الكثير من السحر، والغموض، مثل الذي يوجد في الشعر والموسيقى.

منذ أيام رحل «عباس كيارستمي» عن عالمنا (1940- 2016) وترك أفلامه التي طالما فاجأت النقاد والجمهور بمستواها الرائع، وجمالياتها المدهشة، وخصائصها التأملية والشعرية. خلقت أفلامه نوعًا جديدًا من السينما، لا تعتمد على سرد حبكة أو أحداث «درامية» مثيرة، أو مؤثرات خاصة أو حيل بصرية؛ سينما شديدة البساطة، بدون ممثلين محترفين، مليئة بالمجازات، ومفعمة بالشاعرية، وحافلة بالمشاعر المركبة، تقدم رؤية جديدة عن الحياة والإنسان، تحتفي بالحياة اليومية، وتدعو للتأمل بعيدًا عن «الميلودراما».

لم يصنع كيارستمي الأفلام، أو يلتقط الصور، عن قصد وهدف، يقول إنه ـ فقط ـ خرج والتقط الكثير من الصور، ثم جمعها سويًا في مكان ما، ولم يكن ينوي عرضها على الجمهور، لكنه بعد سنوات، عندما قرر عرضها، أطلقوا عليه «مصور فوتوغرافي». كانت الصور مجرد مبرر له لقضاء وقت مع الطبيعة. كذلك الحال مع الشعر، يقول إنه انخرط في تدوين ملاحظاته وخواطره الخاصة، واعتبرها الآخرون شعرًا.

كمبدع متعدد الطاقات الإبداعية (صانع أفلام، ومونتير، وكاتب سيناريو، ومصور فوتوغرافي، ورسام، وشاعر) يرفض الرجل الفصل بين الأنواع المختلفة من الفنون. يقول «لماذا نحاول دائمًا أن نعرف أو نحدد السينما بعيدًا عن التصوير الفوتوغرافي أو الموسيقى؟ إنها أشكال متصلة ببعضها؛ لماذا نحب دائمًا أن يكون ما لدينا معينًا ومحددًا جدًا؟ إذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن نمنع من يحب السينما من الذهاب إلى معرض فني، والعكس بالعكس».

«سواء كنت أصنع الأفلام أو أكتب الشعر أو ألتقط الصور الفوتوغرافية، فهذا نابع من إحساسي بالقلق وانعدام الطمأنينة، القلق هو الشعور الجوهري للحالة الفنية، القلق هو جذوة الإبداع» *كيارستمي

صورة واحدة هي أم السينما

«يقال إن في البدء كانت الكلمة، لكن بالنسبة لي كانت الصورة دائمًا هي البداية، عندما أفكر في الحديث فإنه دائمًا يبدأ بالصور» *كيارستمي

شارك كيارستمي في العديد من معارض الصور الفوتوغرافية في الكثير من دول العالم، بدأ اهتمامه بالتصوير منذ عام 1978؛ عندما أراد شراء كاميرا لصديق له، كان ثمنها حوالي 1000 دولار، قرر شراء أخرى لنفسه. كانت الثورة في بدايتها، وكان لديه الكثير من الوقت الفائض الذي أراد أن يشغله في التقاط الصور؛ إذ لم يعد مسموحًا بصنع الأفلام السينمائية، لذلك كان يغادر المدينة باستمرار، ويذهب للريف لالتقاط الصور من الطبيعة. 

كان للنظر إلى الطبيعة تأثير السحر عليه، تمامًا كمهدئ أو مسكن. يقول «الحب الوحيد، الذي يزداد قوة كل يوم، في الوقت الذي تضعف فيه أشكال الحب الأخرى، هو حب الطبيعة، هذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أخشى الموت». لم يتعلم كيارستمي أبدًا التصوير الفوتوغرافي، لكنه كان يجد في الريف ملاذًا يهرب إليه لالتقاط الصور والعودة بها للمدينة. بيعت أول صورة التقطها في «مزاد كريستي» بـ 130 ألف جنيه إسترليني، علق على هذا قائلًا «لو كنت أعلم أنها ستباع بأضعاف المبلغ الذي أنفقته على الكاميرا لأصابني ذهول شديد».

لأن أفلامه لم تكن تحقق مردودًا كافيًا على شباك التذاكر بسبب طبيعة جمهورها، كان كيارستمي يمول صناعتها من خلال بيع الصور الفوتوغرافية في المعارض. لم يفكر منذ البداية في إقامة أي معارض خاصة لصوره، كان يخزنها في علبة، دون نية لعرضها على الجمهور، بعد مرور عشر سنوات أو أكثر رأت صديقة له هذه الصور، واقترحت عليه إقامة معرض.

«إن تأمل سماء غائمة وجزعًا ضخمًا لشجرة تحت ضوء سحري أمر صعب؛ عندما يكون المرء وحده، عدم القدرة على مشاركة الإحساس بالمتعة لرؤية منظر طبيعي رائع مع شخص آخر يعد نوعًا من التعذيب. لهذا السبب بدأت في التقاط الصور» *عباس كيارستمي

أشجار.. ومطر (1978-2007)

خلال مسيرته بقيت الأشجار فكرة ثابتة لا يخفت سحرها، كانت إحدى ذكرياته المبكرة عنها مع جدته، يقول «كنت في السيارة مع جدتي وقالت لي: انظر إلى تلك الشجرة. كانت شجرة وحيدة ومنعزلة في سفح تلة، سألتها ما المثير فيها؟ إنها مجرد شجرة! جدتي لم يكن لديها أي تفسير، لقد رأت شيئًا أثار اهتمامها، ولم تستطع أن تعبر عنه بالكلمات». يتحدث كيارستمي عن الأشجار بحميمية، كأنه يتحدث عن أصدقاء مقربين، أو أفراد من عائلته، فمنذ صوره «الفوتوغرافية» الأولى، أدرك أن الأشجار بالنسبة له لها دلالة ومعنى أكثر من الكائنات البشرية. تظهر الأشجار في صوره كأنها في حلم، خاصة المأخوذة من خلال الحاجب الزجاجي للسيارة في أوقات هطول المطر؛ إذ تتحول الأشجار والسيارات الأخرى على الطريق إلى أطياف هائمة.

قضى كيارستمي سنوات، وهو ينظر من خلال الحاجب الزجاجي الأمامي لسيارته، في إعجاب بالمناظر الريفية، مسحورًا بقطرات المطر وبتأثير الضوء عليها، عندما ظهرت الكاميرات الرقمية أصبح في وسعه أن يلتقط هذه الصور، فكان يقود السيارة بيد، ويلتقط الصور باليد الأخرى، ولم يكن يود أن يعترف بهذا الفعل الطائش حتى لا يبدو كأنه يشجع على القيادة السيئة. عرضت صور هذه المجموعة في معارض مختلفة تحت اسم «طرقات وأشجار» (1979- 2003) و «مطر» (2006-2007). هي تجسد ألق الحياة وجزالتها، وضبابية وجودنا وغموضه، هذا الغموض السديميّ الممتلئ بالشاعرية والجمال. نحن، بالرغم من أننا محاطون بالمجهول، لكن حلم الحياة يطوقنا برقة بالغة، فنقع أسرى لحظات الحب الساحرة.


 

«الفن مثل الشجرة.. هي ليست هناك حاملة هدفًا ما. الشجرة ليست موجودة لتخدم الناس، هي لا تعرف أن ثمارها تحتوي على فيتامينات، أو أن لأزهارها أريجًا. حالة النمو عندها ليست مسألة اختيار. والفنانون الحقيقيون يشبهون تلك الأشجار، إنهم لا يعرفون ما الذي سوف ينبعث من نتاجهم» *عباس كيارستمي

طرقات (1979-2003)

الطريقة التي ينظر بها كيارستمي للطرقات تختلف كثيرًا، يقول: إن كنت لا تعرف شيئًا عن تجربة العزلة، فلن تفهم هذا، لكن إن كنت اختبرت العزلة فستفهم وحدتي وعزلتي عبر الطرق. لم أقرر التقاط تلك الصور، لم أختر هذا الموضوع، الموضوع هو الذي اختارني. أنا واثق من أن العديد من المصورين مروا عبر تلك الطرقات، إنه الطريق نفسه، لكن الطريقة التي تنظر بها هي التي تخلق ذلك الاختلاف.

لدى كيارستمي إحساس حادّ بالتراكيب البصرية. صَوّر معظم أفلامه في الطرقات داخل سيارة، كأن الحياة هي الطريق، رحلة نسيرها في طرق طويلة بلا نهاية واضحة، وكلما اقتربنا من النهاية أو من فهم السر يتم استبعادنا، ليأتي آخرون ويبدؤوا اكتشاف الطرق من جديد. الطرقات في صوره منفتحة على سماء شاسعة وحنونة، وكأن الإنسان يملك احتمالات وخيارات بلا حدود. يشعر الإنسان بالرهبة أمام الطبيعة وقوة الطريق، ولكن الطبيعة ـ أيضًا ـ تقابل رهبته بسكونها وسكينتها.

ثلج (1979-2003)

تحتوي هذه المجموعة على صور ساحرة بالأبيض والأسود، الموضوع الرئيس هو الأشجار في الثلج الأبيض الناصع، تركز الصور على الأشكال المختلفة التي تخلقها ظلال الأشجار على الثلج، تدعونا هذه الخطوط شديدة النقاء إلى الانغماس في قلب هذه العزلة القاسية، والتي يؤكدها التناقض القوى بين بياض الثلج والظلال القاتمة. تثير هذه المجموعة الرغبة في الانفراد والتأمل، وكأنها تواجهنا فجأة بأسئلة غامضة، حول الحياة، عندما نشاهدها في بساطتها هذه. توحي هذه الصور بأن المشاهد يراها من خلال النافذة، بعد ساعات من عاصفة ثلجية هدأت.


 

«التصوير الفوتوغرافي ليس بالضرورة دعوة إلى الحلم، لكنه يمكن أن يكون كذلك. إذا كان الحلم هو الفرار من المدينة وقيودها والعودة إلى المنابع وبالتالي إلى الطبيعة، فإن تصوير الطبيعة يمكن أن ينظر إليه كتحريض على الحلم» *كيارستمي

 

The post أشجار وطرقات ومطر.. موضوعات أسرت كاميرا كيارستمي «غير المحترفة» appeared first on ساسة بوست.

«سينما تيد».. عالم الطائرات بدون طيار

$
0
0

لا نُروج للتنمية البشرية ولا نسعى إلى ذلك، لكننا نضع في الاعتبار أهمية «التكنولوجيا، والتخطيط، والمتعة»، الكلمات الثلاث المُكونة لـ«TED»، وما يعنيه شعارها العالمي: «أفكار تستحق الانتشار». من هنا كانت «سينما تيد» سلسلة دورية من «ساسة بوست» كل يوم خميس، إذ يُشارككم فريق العمل أفضل مُشاهداته الأسبوعية لمسارح «تيدكس» حول العالم.

 

كيف سيعالج البريطانيون أسباب «بريكست»؟

كان الانقسام محيرًا، فيما أصبح حديث العالم سياسيًا وإعلاميًا منذ الشهر الماضي يونيو (حزيران)، وبينما تبارى الجميع تقريبًا في البحث عن السياسيين وراء ما حدث، ومن هم قادة معسكري المغادرين والمصوتين للبقاء، فيما عرفه العالم بـ«بريكست»، أو خروج بريطانيا العظيم من الاتحاد الأوروبي، وتباروا أيضًا في توقع الآثار السلبية لما حدث، ومحاولة تحجيمها؛ كان لألكسندر اتجاه آخر.

اهتم ألكسندر أكثر بالأسباب التي أدت لما يعتقد أنها إحدى أكبر عمليات «التضليل الجماعي» في العقود الأخيرة، إذ اقتنع ملايين البريطانيين بكم كبير من «الأكاذيب السياسية» المروجة جيدًا بشكل إعلامي، مما ساعد في دفع عملية الخروج في مسارٍ لم يكن متوقعًا، فضلًا عن سبب آخر يتمثل في طبيعة المجتمع البريطاني «العنصرية والرافضة للمهاجرين» في نسبة لا بأس بها من الدولة.

مرة أخرى يستضيف «تيد» ألكسندر بيتس، الباحث في العلوم الاجتماعية، بعد محادثته السابقة عن «اللاجئين والوجه الآخر لأوروبا العنصرية»، في 24 من يونيو «حزيران» الماضي، بعد يومين فقط من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليقدم أربع أفكار أساسية، تستطيع أن تبدأ في عملية معالجة للأسباب الأساسية لما حدث، ومنع تكراره في المستقبل على أسسٍ خادعة وغير سليمة، ما بدا وكأنه «دليل إرشادات مبسط» لمعالجة عنصرية أي مجتمع، وعدم تقبله للآخر.

المحادثة مترجمة للعربية: 

كيف نصبح أكثر ذكاءً من الأمراض؟

في العالم ما يقارب 17 مليون امرأة حاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة؛ الكابوس الذي يعرفه العالم بـ«الإيدز»، هذا العدد من النساء، في معظمه، معرض لنقل الفيروس بسهولة إلى الأجنة في حالة الحمل، هؤلاء الأطفال لا يعيشون في الغالب لأكثر من عامين، لسعيدي الحظ منهم، قبل أن يموتوا من الفيروس.

حتى وقت قريب، لم يقدم العلم وسيلة ناجحة وفعالة لتقليص الآثار المدمرة لحمل هذا العدد المليوني من النساء، حتى ظهرت للنور الطريقة الجديدة: «الصحة العامة الدقيقة».

ربما علينا أن نستمع لسوزان ديزموند هيلمان، لا لكونها طبيبة ذائعة الصيت فحسب، وإنما لأنها تقود أيضًا أكبر مؤسسة خيرية في العالم، شاغلة منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة «بيل أند ميليندا» جيتس الخيرية، لمالكها بيل جيتس أغنى رجل على الأرض، متحدثة عن تجاربها الشخصية، وتجارب المؤسسة في محاربة الأمراض المستعصية، ووفاة الأطفال حديثي الولادة مجهولة السبب في ما يقترب من نصف نسبتها، وعن المنظور الجديد شديد الذكاء، الذي سيغير مجال الصحة العالمية: «الصحة العامة الدقيقة».

المحادثة مترجمة للعربية:

كيف تعود للعمل بعد إجازة طويلة؟

هذا عنوان يشرح نفسه، يحدث أن يأخذ الكثيرون إجازة طويلة من أعمالهم، وينقطعون عنها فترات زمنية كبيرة، وغالبًا ما يتعلق الأمر بظروف عائلية أو صحية، ثم يواجه الجميع مشكلة كبيرة عند محاولة العودة مرة أخرى: أنهم لم يعودوا كما كانوا وبنفس الكفاءة السابقة.

في هذه المحادثة شديدة الإفادة، تأخذنا كارول فيشمان، مؤسسة شركة (iRelaunch) والرئيس التنفيذي لها، وخبيرة تأهيل العاملين وإعادتهم بعد الانقطاعات الطويلة، في 12 دقيقة فقط إلى تجارب مهمة، تبين لنا فيها النقاط الأساسية لكيفية العودة إلى أعمالنا بعد غياب طويل.

المحادثة مترجمة للعربية:

عالم الطائرات بدون طيار

منذ أقل من أربعة أسابيع، وضح بشكل جزئي أحد تقارير «ساسة بوست»، بعنوان «زمن الشفافية»، ماهية العالم الذي نقبل عليه، عالم تشكل الطائراتُ بدون طيار «Drones» جزءًا بالغ الأهمية منه.

وأورد «ساسة بوست» في التقرير عدة أرقام ضخمة، تبين مدى حجم صناعة الدرونز، وصولًا إلى إطلاق البعض على عالمنا اليوم «عالم الطائرات بدون طيار»، إذ تتجه الصناعة في خلال عقد واحد لتبلغ قيمتها 90 مليار دولار، فضلًا عن أن العام الماضي فقط، في الولايات المتحدة، شهد بيع أكثر من مليون طائرة بدون طيار للاستخدامات المدنية، وهو الرقم المرشح للتضاعف في الأعوام القادمة، ليكون الأمر أشبه بوجود جيش في سماء العالم حاليًا.

في هذه المحادثة الهامة، الحاملة للمحة أخرى من مستقبل العالم، يقف رفائيلو دو أندريا، مهندس الأنظمة الآلية ذاتية العمل، وبروفيسور الأنظمة الديناميكية والتحكم بمعهد التكنولوجيا السويسري بزيورخ، والمسئول الحالي عن نشاط أمازون في هذا الصدد بالكامل؛ مقدمًا لنا نماذجَ عملية على ما يمكن للدرونز أن تقدمه، وعن العالم الذي نقبل عليه.

المحادثة مترجمة للعربية:

«الواقع المعزز».. مستقبل تكنولوجيا العالم

لنضرب مثالين سريعين، أولهما عن محادثات برنامج اتصالات «Skype» التقليدية، إذ يعمل البرنامج مثل أي اتصال هاتفي، إلا أنه مجاني، وبخاصية فيديو واضحة إن كان الطرفان أو أحدهما ما زال يملك هاتفًا تقليديًا بدون كاميرا.

أما المثال الثاني فهو كل شيء نستخدمه تكنولوجيًا تقريبًا، سواء هواتفنا الذكية أو حواسيبنا المنزلية أو المحمولة، إذ تشترك كلها في إعطائنا الفرصة للتعامل مع عشرات الآلاف من التطبيقات المختلفة، إلا أنها في النهاية محدودة بواجهة واحدة، وبلا إمكانية للتفاعل الكامل بين حواس الإنسان وإمكاناته الجسدية، وبين هذه التطبيقات والواجهات الرسومية.

هذان المثالان يأتيان برعاية شون فولمر، الباحث في علوم الحاسوب بجامعة ستانفورد، إذ يعطينا مشهدًا ناصعًا للخطوة التالية في عالم الحاسوب، أو القفزة التالية بالأحرى، خطوة «الواقع المعزز»، أو كيف تلمس وجه الشخص الآخر وأنت تتحدث معه عبر سكايب.

المحادثة مترجمة للعربية:

لمشاهدة أسابيع السلسلة منذ البداية، والمتضمنة 43 محادثة من أفضل محادثات تيد، جمعنا لكم حلقات السلسلة التسع السابقة كاملة في تقرير واحد: هنا.

The post «سينما تيد».. عالم الطائرات بدون طيار appeared first on ساسة بوست.

كولونيا Colonia نَظْرة مسلّية عَنْ «مُسْتعمرة الكرامة»

$
0
0

كولونيا فيلم جديد للمُخرج الألماني «فلوريان جالينيرجر». يُعِيدُ رواية قصّة انقلاب الجنرال «أوغيستو بينويشيه» في تشيلي «إحدى دول أمريكا اللاتينيّة» مِنْ وجهة نظر صحفيٍّ يَساريٍّ عاشَ تجربة الاعتقال، وجزء من المعاناةِ التي أعقبت الانقلاب على الرئيس المُنْتَخب «سلفادور اللّيندي».

اعتمد سيناريو الفيلم على شَخصيتين رئيسيتين: البريطاني «دانييال برول» بدور «دانييل» أو «هانز»، والبريطانية «إيما واتسون» بدور «لينا»، اللذين عاشا قصّة حبّ ومعاناة ليخرج الفيلم من غرضه الأساسيّ، إلى سلسلةٍ من المطارداتِ للوصول إلى النتيجة المتوقّعة.

ويَبدأ الفيلم بلقاء بين حبيبين «لينا» مُضيفة الطيران، و«دانييل» الذي يَعمل مصوّرًا للثّوار التشيليين وصانع الصورة لديهم عشيّة انقلاب «بينوشيه»، حيث يَتُمُّ اعتقال «دانييل» وإرساله إلى «كولونيا دينغراد» مُستعمرة الكرامة التي تَقَع على بُعْدِ 360 كيلومترًا جنوب سينتياغو، لتبدأ «لينا» رحلة البحث عَنْهُ، وإنقاذِهِ، على الرغم من تَخاذل الجميع عن مساعدتها حتى رفِاقه الثّائرين، لتقحم نفسها داخل جدران تلك المستعمرة، وتعيش أهوال حكمها، والذي يُصوّرها الفيلم على أنّها قومية دينيّة يقودها رجل يدعى «بول شانيل»، وهو من شبيبة «هتلر»، وهي عبارة عن غطاء، لتصنيع السّلاح والغازات السامة، بالإضافة إلى كونها مركزًا لتعذيب المعارضين.

يلتقي الحبيبان داخل المستعمرة بظروف دراميّةٍ مُفتعلة، وتبدأ رحلة البحث عن النجاة، لتنتهي بعد 132 يومًا من دخول «لينا» المستعمرة، برحلة إنقاذٍ مليئةٍ بالثغراتِ الدرامية، والنهاية السعيدة التي تُعِيْدُ الحبيبين إلى «فرانكفورت» على متن طيارة تتحدى حرس «بينوشيه»، وتطير عائدة بهما إلى أرض الوطن رغم تواطؤ السّفارة الألمانية مع حكومة الانقلاب، ليكشف بطلا الفيلم عن تلك الجريمة الفظيعة التي كانت ترتكب دون أن يُحرّك العالم ساكنًا.

لكن ماذا قدّم لنا الفيلم باستثناء الإضاءة على «مستعمرة كولونيا» وما يجري فيها من انتهاكات؟ لقد بدأت المشاهد الأولى للفيلم بِعرضٍ عَبْرَ شاشة حمراء لأحداث تاريخيّة أطّرت الحدث على أنّه صراعُ قوى عالميّة كبرى، حول ما كان يُعْرَف بالمدّ اليساري لدول أمريكا اللاتينيّة، لكن بُعَيْدَ الدخول في أحداث الفيلم الأساسية يَتَغَيّرُ مسار الفيلم، لتروي تلك الأحداث قصّة «دانييل ولينا». ورغم الاعتماد على ممثلين شهيرين أدّيا أدوارًا رائعةً في أعمال سابقة، لم يكن هذا الفيلم من ضِمنها، وزاد من سوءِ الأداء افتقار السيناريو إلى حبكةٍ دراميّةِ احترافيّةِ، وامتلائه بالثغرات بدءًا من المشاهد المُسَخَّنَة لحبيبين عاشقين فُوجِئا بما حدث، وحادثة الاعتقال المُفْتعلة، فالعاشقان عبرا شوارع سنتياغو دون أن يعترضهما أحد رغم أن الشرطة كانت تعتقل جميع الناس الموجدين في الشارع! إلى أن لَمَحَ أحد رجال الشرطة «دانييل» الفضولي يحاول تصوير الحدث بـ«كاميرته». وعلى الرغم من اعتقال «دانييل» بعد أن تَعرّف عليه أحد المُخْبرين، فقد استطاع أنْ يخدع الجميع بدور أبله، وأن يغيرَ اسمه أيضًا! ويُضاف إلى ذلك قُدْرَتُهُ المذهلة على تقييم ما يحدث في المستعمرة وتحليله للحالة النفسيّة التي بُنِيَ عليها النظام الاجتماعي فيها، وتَفْسِيره هذه المعرفة «بما يقصّه عليه رجال المستعمرة»، وتحطيمه أدوات تعذيبه المخبّأة تحت الأرض دون أن يَكْتَشِفْ أحد ماذا حدث؟ والفِرَارُ وقطع كل تلك المسافة دون أنْ يُعْتَرض.

ورَغَمَ كَوْنِ الفيلم يَتَحدّثُ عن أحداثٍ حقيقية جرت في تشيلي، إلا أنَّ العمل لم يستطعْ الرّبط بين ما يحدث في المستعمرة، وما كان يجري على أرض الواقع خارجها.

وقد دافع مُخرج الفيلم «فلوريان جالينيرجر» عن عمله بقوله: «أردنا تقديم عمل مسلِّ، ولكنّه يحمل معنى في الوقت ذاته، ولم نسع إلى تقديم درس في التاريخ». وقد كان محقًا، لكن التسلية والتشويق كانا ليصبحا أكثر لو أُعيد إنتاج السيناريو بشكل آخر بعيدٍ عن تنميط الشخصيات وتسطيحها، أو الاعتماد على عمل روائي يُعطي مسارًا أجمل للأحداث تتفاعل مع المُشَاهِدِ وتَشُدّهُ، كما في عمل سبقه بسنوات «منزل الأرواح» المأخوذ عن رواية الكاتبة التشيليّة «إيزبيل الليندي»، والذي أعطى صورةً أكثر صدقًا وواقعيةً، دون أن يخلو من التشويق، لما حدث في تلك الحقبة برؤية درامية أكثر عمقًا وحرفيةً.

The post كولونيا Colonia نَظْرة مسلّية عَنْ «مُسْتعمرة الكرامة» appeared first on ساسة بوست.

رومان بولانسكي.. وَحْيٌ من سينما القرن

$
0
0

أبنيةٌ مهدّمة قديمةٌ كانت تابعةً للجيش السوفيتي في بولونيا، أعادت للمخرج العالمي  «رومان بولانسكي» ذكرى اللّجوء والهرب أثناء الحرب العالمية الثانية، من فرنسا إلى بولونيا أو «بولندا».

«عازف البيانو» كان فيلم بولانسكي الذي أعَادَ فيه حكايةَ ذكرياتِ الموت الذي بدأَ بها حياته، ونالَ فِيْلمُهُ السّعفة الذهبيّة. لكن قصّة عازف البيانو اليهودي الذي هرب من قبضة النازيين ومعتقلات الإبادة كانت قصة «فالديك شبيلمان» عازف البيانو البولندي الجنسية اليهودي العرق، الذي كان يعزف في محطة الإذاعة البولندية، أما رومان بولانسكي فتلك حكايةٌ أخرى.

من أجواء اللّجوء من فرنسا إلى بولندا إلى أمريكا، عاش بولانسكي بدايةَ حياته الحافلة بالأحداث، المأساوية حينًا، والغريبة حينًا آخر. مَوْتُ والدته أثناء الهرب من النازيين، ومقتل زوجته في حادثة تُشْبِهُ عقدة أحد أفلامه، إلى حوادث أخرى جعلتْهُ أكثر من مخرج أفلامٍ عاديٍّ.

لا يمكن أن تضع أفلام بولانسكي ضمن حيّز واحد، فهو قد بدأ أول أفلامه الطويلة عام 1962، والذي رُشّح للأوسكار كأفضل فيلمٍ أجنبي مباشرةً، وكان بعنوان سكين في الماء Knife in the Water وهو يصوّر قصة زوجين شابين سئما من حياتهما، ويجدان مفتاح السعادة مع رجل عجوز. بعد ذلك اشترك مع جان لوك غودار وكلود شابرول في صناعة فيلم The Beautiful Swindlers، ثم قدم أول أفلامه الناطقة بالإنجليزية عام 1965 مع النجمة الفرنسية كاثرين دونوف بعنوان النفور Repulsion عن امرأة مهووسة ترتبطُ بعلاقة مع الجنّ في أجواء كابوسية.

يعتبر بولانسكي مخرجًا ذا قدرةٍ كبيرةٍ على تناول الموضوعات المختلفة، فقد تنقل بين الكوميديا والرعب والرومانسية والتراجيديا، فقد قدم عوالم مصاصي الدماء بشكل كوميديٍّ ساخر عام 1967 في فيلمه «الرقص مع مصاصي الدماء»، ثم انتقل إلى أفلام الرعب والشياطين في فيلم Rosemary’s Baby، ثم انتقل الى التراجيديا وعوالم شكسبير في فيلم مأساة ماكبث 1971، ثم دخل عوالم الرومانسية مع فيلم Tess الذي فاز عنه بجائزة أفضل مخرج عام 1981، وانتقل بعدها إلى عالم الغموض والأسرار في فيلمه الغريب «البوابة التاسعة» عام 1999، والذي كان من بطولة جوني ديب إلى فيلمه الشهير عازف البيانو الذي فاز بأفضل فيلم وأفضل مخرج عام 2003.

ولم يتوقف مشوار بولانسكي، رغم قضية التحرش الجنسي التي لاحقته طوال الثلاثين سنة الماضية، بكل تبدلاتها، فهي كشهرته التي تزداد في كلِّ عمل جديد لمعانًا، وتثيرُ حوله أسئلةً أكثر غموضًا عن ذلك المجرم البريء الذي أعاد صِياغَةَ الحدث السينمائي العالمي، وفق رؤيته الخاصة.

The post رومان بولانسكي.. وَحْيٌ من سينما القرن appeared first on ساسة بوست.


فيلم اشتباك.. نقطة نور في سينما مظلمة

$
0
0

الحقيقة أن فيلم اشتباك هو واحد من الأفلام المهمة في السينما المصرية في الآونة الأخيرة لسببين؛ أولهما عدم وجود أعمال تشابه التركيب والبناء الدرامي والفني لعمل مثل اشتباك.

وثاني هذه الأسباب أن العمل جيد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالشعور الذي انتابني وأنا أشاهده هو شعور من يعيش الحياة مرتين؛ الأولى في الواقع، والثانية وأنا أشاهد أحداث الفيلم.

فعلى مدار 4 سنوات من انقسامات حادة ضربت الشارع المصري نوعًا من محاولة التكييف مع الديمقراطية، استطاع العمل أن ينقل هذا الواقع في 90 دقيقة من خلال أحداث العمل.

عبقرية العمل في بساطة السرد، ونقله لما يعيشه الشارع من إحباط، وانحدار فكري، واختلاف وتنازع بين القوى السياسية، والمواطنين البسطاء، وجهات الأمن.

السيناريو

سأتكلم عن فيلم اشتباك فنيًا، وسأبدأ الحديث عن ما أجاد فيه العمل من  حيث السيناريو، فهو البطل في هذا العمل دون منازع، فرصده للتنازع في الشارع كان دقيقًا للغاية.

وحتى رصده لحالة الانقسام والتي جعلت الشارع المصري إما مع أو ضد، لا يوجد المسافة أو المساحة التي تجعلك في الوسط، وإن حاول العمل أن يجعلها في رمزية النفوس، وفي نهاية العمل التي جعلت الجميع يتكاتف في النهاية للحفاظ على الأرواح.

رصد العمل للتيار الإسلامي والذي كان يتزعمه جماعة الإخوان المسلمين، وبعض التيارات والأحزاب الإسلامية، ولكنها جميعًا كانت أقل قوة على أرض الواقع من الإخوان لذلك تصدر الإخوان المشهد، أبرز العمل الصراع الذي يدور في داخل جعبات بين مؤيدي حمل السلاح (التيار القطبي)، والتيار المعتدل والذي يُفضل الحوار عن حمل السلاح واستخدام القوة، بجانب إبرازه لقيمة الجماعة لدى الإخوان، وطريقتهم في التنظيم والتي أحيانًا تتخطى حدود الدولة وهي لا تناسب هذا العصر.

وأما الفئة العامة السائدة في الشارع فجسدها العمل حرفيًا، بين ثوريين بعدما يئسوا من الحال فكروا في الانتحار، وآخرين لا يفقهون شيئًا ويسهل تحريكهم وشحنهم نفسيًا، وغيرهم ممن أبرزهم العمل، والذين حين اجتمعوا في مكان واحد عربة الترحيلات والتي مثلت رمزيًا الوطن وحاله، بدأت المناوشات، ولكن مرت عليهم لحظات جيدة لم تدم، ولكنها مرت.

رمزية العمل

أكثر ما جذبني في العمل الرسائل التي وجهها للعقل الباطن، وبعضها يحتاج للتفكر، فعربية الترحيلات كانت ترمز بشكل مباشر إلى الوطن كما ذكرنا، والكاميرا في النهاية عند كسرها هي انقضاء اللحظات الجيدة التي عاشوها، ولعبة «الإكس أو» ترمز أنها لعبة واحدة صحيحة ستربح أحد الأطراف، ولكنها يجب أن تكون صحيحة.

الإخراج

محمد دياب استطاع أن يرسم لوحة فنية تضاهي لوحات «فان جوخ» وتنافسها، ومعزوفة موسيقية استطاع أن يجعل إيقاعها مشابهًا لأعمال «بيتهوفن»، فالعمل امتاز بالإيقاع وهو الأمر الذي يجعل المُشاهد يتأثر بالعمل.

وكما ذكرت في السابق أن عبقرية فيلم اشتباك في بساطته، فاستطاع المخرج أن يبرز كافة الانطباعات للفنانين، يجمعهم في نفس المكان، ويجعل من أدائهم متناغمًا، يحافظ على الكادرات وتنوعها، يبعد عن الرتابة، فتنوع في لقطاته، وعرف كيف يجعل تكوينات الصورة بسيطة وغير متشابهة على الرغم من التصوير في نفس المكان، ونفس الوجوه.

الممثلون

نيللي كريم: رسمت شخصية نيللي كريم في العمل المواطن الذي يحاول أن يقف في الوسط، كفاح السيدة المصرية، وجرأتها وبساطتها، والقلب الذي ينسى الأحقاد بمجرد أن يرى الدموع، نيللي تنجح كعادتها، ولكني أناشدها بمحاولة الفصل من خلال أدوار أقل قتامة فهي إحدى المبدعات، والمبدع لا يتقيد بنوعية أدوار.

أحمد مالك: قدم مالك دورًا مختلفًا وبعيدًا عنه من حيث الشكل والمضمون، ولكنه أجاد في تقديمه.

وباقي أبطال فيلم اشتباك استطاعوا أن يجعلوا العمل جيدًا، يحترمه الجمهور، وبالتأكيد يُشيد به النقاد.

الإضاءة

هي بالفعل ضمن العناصر التي استُغِلَّت بشكل صحيح في فيلم اشتباك، فالتحكم في الجوانب المضيئة والمظلمة داخل السيارة، وتعاقب الليل والنهار والتحكم في إضاءة السيارة كان أمرًا جيدًا جدًا، وأضاف بالفعل للعمل، فالإضاءة جزء وجانب من إظهار الانفعالات والمشاعر المختلفة داخل العمل، بل وتعطي جانبًا نفسيًا يُخيم على المُشاهد.

في النهاية

كان فيلم اشتباك جيدًا على المستوى الفَنّي، واحترم عقل المُشاهد، وقدم أنماطًا مختلفة من المجتمع المصري بحرفية شديدة، جعلت منه نقطة نور في السينما المظلمة، وأملًا في الغد.

The post فيلم اشتباك.. نقطة نور في سينما مظلمة appeared first on ساسة بوست.

«اشتباك».. لمن الذل اليوم؟

$
0
0

دون النظر لفيلم اشتباك، وكواليسه، وهدفه، وقصته، والجدل المثار حوله، واختلاف الآراء فيه، وهل هو ثوري أم يخدم سياسات «الداخلية»؛ فأنا لست بصدد تعقيبات فنية، أو تعليقات نقدية في كلماتي التالية.

كونه فيلمَ مثل بقية الأفلام السينمائية، جعلني أطرح سؤالًا على نفسي، «أنا ليه أخش حاجة أنا شفتها وعيشتها بكل تفاصيلها ومن غير تمثيل؟»

المشاهد الإعلانية للفيلم جعلتني أتذكر سيارة الترحيلات التي رأيتها في فيلمي الخاص: ذل، وإهانة، ورعب، حتى ولو كنت ذا قلب حديدي، وعلى حق. داخل «الترحيلات» لا يوجد حق وسط  التهديد بأنك لن ترى ضوء الشمس مرة أخرى، وأنك ستفقد كل آمالك بمجرد دخولك الزنزانة «وتتكسر عينك».

وقتها تتمنى أن يهددوك بالموت، ولا يهددوك بأهلك وأسرتك،  وأنهم سيأتون بهم أمامك، ويمثلون وينكلون، ويلحقون ألوان العذاب بهم.

في «الترحيلات» تتوافر كافة أنواع العذاب النفسي: اتهامات، وأن موتك أبسط الأشياء في أيديهم، وأن كلاب حراستهم أفضل منك شأنًا. يأتيك الضرب ـ وأشياء أخرى- من حيث لا تحتسب، وإن حاولت التركيز، فلن تستطع أن تعد ولا تُحصي أي شيء، إلا اﻷنفاس المتبقية من عمرك.

في «الترحيلات» الشتائم والسُباب والتهديد «ببلاش». وعندهم مبدأ ثابت، ومؤصل بأنهم كلما ضربوا أكثر، كلما ارتفع أجرهم وثوابهم عند «الباشا».

تخرج عليك كل عقد نقصهم، وأمراضهم النفسية على هيئة إهانات وقلة كرامة، وأن ذلك سيحدث معك، ومع آخرين لهم علاقة بك، ولكن أنت لا تعلم ما دخلهم بتلك الليلة؟

وهذا شأن، وما حدث بمدرعة القوات الخاصة شيء آخر. أضعاف أضعاف «الترحيلات»، في حملة الاعتقالات والقبض «العشوائي» السابقة، لم أكن أعرف ما هو سبب استيقافي، وشحني على أول وأقرب مدرعة.

لماذا أنا هنا، وإلى أين أنا ذاهب، وهل سأعود مرة أخرى، وهل سأعيش أم لا؟ كلها أسئلة اختفت تمامًا، وسط ظلمة المدرعة، لا ترى من يسبك، من يضربك، من يغرس سلاحه في ضلوعك، من يشاركك أنفاسك، ومن كان بجواري واختفى صوته، بعد أول ضربتين، ومازالوا يكملون إعطاء نصيبه وحصته من الضرب.

أنك تُلقى من مدرعة تسير بسرعتها القصوى في منطقة لا تعلمها، ولا تعلم حتى أهذا كله حقيقيًا أم مجرد كابوس 3D.

أنك تشاهد وتعيش كل أنواع الذل والتهديد، وبمجرد أن تصبح رفيقتك في حياتك يتم سحلك، وضربك أثناء تغطيتك لمظاهرات الثانوية العامة، تحت أقدام «باشا بُرتب»، دون أن يستطع أحد أن يتكلم، أو حتى يُبدي اعتراضه.

وأنت ونصيبك المكتوب، إما تمر سحلتك بعدة كدمات، أو كسور متفرقة، أو تُهشَّم عظامك، وتُكبل يداك، وتُلقي بأي سيارة أو مدرعة، أو تموت وهذا شيئًا بسيطًا لم يكلفهم، لا وقت، ولا جهد، ولا تفكير.

هذا اشتباكي، اسمعوا وعوا، وهلموا وشاهدوا، التقطوا صوركم التذكارية بجوارنا، واكتبوا عنا كلمتين، وأقيموا المؤتمرات بأسمائنا، هذا ما يستطع تقديمه بعض التجَّار، ولا يتحملون مواكبة الاشتباك الحقيقي، هذا شيء ثقيل عليهم، شأنه شأن كلامي هذا إن استوعبوه من الأساس.

نحن في سيارة ترحيلات كبرى، ولا أحد يمنع فيها الضرب، والإهانة، والذل والتهديد عمن جواره.

 

The post «اشتباك».. لمن الذل اليوم؟ appeared first on ساسة بوست.

هوليوود: عالم في مدينة

$
0
0

أقيم حاليًا في مدينة هوليوود- لوس أنجلوس، على بُعد خطواتٍ من شارع النجوم.

ولأن المدن كما النساء لا تكتشف جمالهن إلا في الليل -البعض قبل أن ينهي السطور سيرفع بوجهي اتهامات باطلة- وفي بعض الليل أسرار وسحر وجمال، بعيدًا عن رداء الأزمة الذي يحيط بملامح المدن في النهار، فهي تخلع ملابسها في الليل لتظهر في أسمى تجلياتها، نجمة تتلألأ أضواؤها طوال اليوم، يتداخل فيها الليل مع النهار، عالم في مدينة، هي المرة الثانية التي أتعلق فيها بمدينة أمريكية بعد مدينة فورت كولينز في ولاية كولارادو.

ثمة نجوم ثلاثة في المدينة، نجوم على الرصيف تكريمًا لرواد السينما، نجوم لشركات أسهمت في صناعة السينما، ونجوم الإعلام، إضافة إلى نجوم تضرب بقدميها الأرض جاءت من كل فج عميق لرؤية المدينة وشارعها بحثًا عن نجمة يفضلونها، وثمة نجوم سماوية تحرس المدينة وتزين لياليها، وتراقب شقيقاتها على الأرض.

يعتقد الزائر أن المدينة تشبه منهاتن أو لوس أنجلوس، أو شيكاجو، أو سياتل مثلًا، حيث الأبراج العالية والاكتظاظ السكاني، لكنه يصاب بخيبة أمل ما أن يراها مدينة عادية جدًّا، هادئة جدًّا، لا أبراج فيها، لا أزمات، لا اكتظاظ سكاني، مع أنها لا تنام أبدًا.

غالبية بيوتها مكونة من عدة طوابق، تندر فيها الأبراج العالية، شريانها شارع هوليوود بوليفارد، ونجومه التي تصل إلى أكثر من ٢٠٠٠ نجمة ممتدة على مسافة ٥ أميال في كلا الاتجاهين، تجد جميع نجوم العالم في هذا الشارع، لكنك لا تجد عربيًّا مبدعًا واحدًا من بينها كما فيروز، وأم كلثوم، وعبد الحليم، ومصطفى العقاد.

لشارع هوليوود رونق خاص، فهو مسرح مفتوح للعروض الفنية، الفتى يعرض موهبته بالرقص يجتمع حوله المارة، إلى يمينك فتاة تستعرض موهبتها في الرسم، بالقرب منها شاب يقدم وجبته الفنية في النحت، آخر يمنح الزائرين شيئًا من الكوميديا، على الرصيف المقابل شاب يغني بشكل جميل يسحر المارة بصوته -لا شك هو مشروع نجم قادم- كل يقدم فقرته، وعندما تنهي يقوم الجمهور بالتبرع لدعم موهبتهم، بما تجود به أنفسهم، دون الحاجة لدعم الحكومة او النقابات الفنية، فثقافة الفن هنا مجتمعية، يتم تقديرها ودعمها وتبنيها.

كذلك، ثمة من يحاكي أبطال الأفلام العالمية بملامحهم وملابسهم، ففي الشارع تجد شارلي شابلن، مارين مارونو، ورامبو -سلفيستر ستالوني-، وباتمان، وسوبر مان، وباربي، ومجسمات الرجال الآليين المتحولين، وغزاة الكاريبي، مع ميمي وميكي ماوس، وتوم وجيري.

أحد الشباب السعوديين، دخل في استعراض راقص، يسعى أصحابه لإشراك الجمهور في عرضهم لزيادة تفاعلهم، وحثهم على التبرع، من يدخل الدائرة يلفت نظر الجمهور له؛ فيصير بمثابة هدف لأصحاب الفقرة، يجبر على التبرع أكثر مما يتبرع به الجمهور المحيط بالفرقة، مقابل ذكر اسمه بصوت عالٍ ليسمعه الجمهور، الشاب السعودي تورط في لعبتهم، فما كان منه إلا أن تبرع بـ١٠٠ دولار -هذه عن المملكة العربية السعودية- صراحة استفزني الشاب، ذهبت إليه، وسألته، لماذا فعلت ذلك، رد قائلًا: أريد أن أرفع اسم بلادي عاليًا، تعاطيت الصمت هنا، ورحلت، كنت أتوقع إجابة غير ذلك، أهكذا ترفع أسماء الدول؟

في الشارع الكثير من المطاعم العالمية ذات الأسعار المعتدلة مثل ماكدونالدز، وتاكو بيل، وبيتزا هات، إضافة إلى المطاعم المتنقلة تصطف على جانبي الشارع، من الاستحالة بمكان أن تجد مطعمًا يقدم طعمًا ونكهةً عربية لتلك التي تقدمها المطاعم في بلادنا، مثل الفلافل والحمص والشاورما، كلها -وهنا التعميم مطلوب- مجرد محاولات لم تصل بعد إلى أستار الكمال والتميز.

الوجوه التي تلقاها في الشارع قادمة من كل بقاع الدنيا، نسبة كبيرة من الزوار صينيون وهنود وفرنسيون، كما يوجد نسبة كبيرة من الزوار العرب تحديدًا من الخليج العربي، تميزهم من ملامحهم، وكشرتهم -الكشرة ليست حصرًا في الشعب الأردني الذي يضحك كثيرًا في الخارج عكس الداخل- التي تغلب على ملامحهم المتجهمة.

السمة التي يحملها الخليجي خصوصًا، والعربي عمومًا، إن جاء سائحًا أنه هدف لمشروع نصب واحتيال؛ لذا ترى التردد والخوف يسيطر عليه في مسيره وسياحته، كما أنه ينظر إلى الثقافة الأمريكية من منظوره الثقافي الديني، لا من خصوصية الثقافة الأمريكية، الذي أستغربه هنا أن دول الخليج رغم أنها تضم في جنباتها جميع جنسيات العالم، إلا أن الشعوب لم تستفد من هذا الاختلاط، بحيث يسهل عليهم الاندماج في الخارج.

في حوار عابر مع زائر -خليجي- سألته عن رأيه في المدينة، رد قائلًا: انظر إلى العري والفجور الذي في الشارع، صراحة كنت متوقعًا الإجابة، فالعربي يريد العالم أن يتحول وفق رؤيته ومشيئته، وثقافته، وعاداته وقيمه، دون مراعاة لعادات وتقاليد وثقافة الدول التي يزورها، قلت له: في اللحظة التي تصف فيها العري، تنشغل عيناك باستباحة أجساد المارة، وفي اللحظة التي تنتقد بها المدينة تذكر أنك ترتدي «تي-شيرت» موسومًا بعلم الولايات المتحدة!

لماذا جئت هنا إذن، سكت، وتهرب من الإجابة، من ثم سألني: لماذا لا تعود إلى بلدك أو لتأتي إلى الخليج لتعمل هناك! قلت له: يا سيدي، منذ أن دخلت أمريكا لم يسألني أحد عن أصلي وفصلي وديانتي، وعشيرتي، وقيمي، وثقافاتي، وأفكاري، لم يجبرني أحد على توقيع أوراق «الكفالة» لضمان العمل، كما هو الحال في دول الخليج التي تستعبد -استعباد مقنع- الإنسان ثمنًا للقمة خبزه، بشكل لا يتوافق مع القيم والتعاليم حتى الإسلامية منها، نظر لي بطرف عينه، وقال بغضب: يا لك من جاهل، أدار ظهره ورحل، فأطلقت العنان لضحكة مجلجلة بحزن!

The post هوليوود: عالم في مدينة appeared first on ساسة بوست.

«مترجم»: الخطر الأخلاقي لـ«اللا فعل» في الحرب

$
0
0

«الإنسان ربما يتسبب في الخراب ليس بـ«الفعل» فحسب، إنما بـ«اللا فعل» أيضًا، وفي كلتا الحالتين هو مسؤول بجدارة عن الضرر الناتج».

شغلت المعضلات الأخلاقية في الحروب الفلاسفة والمفكرين منذ القدم. مؤخرًا صدر فيلم «عين في السماء» عن حروب الطائرات بدون طيار والقرار العسكري الذي يقع بين مطرقة القضاء على الإرهاب وسندان أرواح الأبرياء. فما أثر المبالغة في الوقوف عند تلك المعضلات الأخلاقية على القرار العسكري الذي يدعمه القانون؟

نشر موقع «وور أون ذا روك» تقريرًا يستعرض فيه الكاتب وجهة النظر العسكرية للمعضلاتالأخلاقية التي تناولها فيلم «عين في السماء». فالكاتب يرى أن المبالغة في مسألة «أخلاقيات» الحرب والقرار العسكري قد تؤثر سلبًا على القرار العسكري، فيقع فريسة للتردد، وتكون النتيجة تمادي الخصوم في العمليات الإرهابية في إزهاق أرواح المدنيين، في حين كان يمكن تفاديها.

الأولويات السياسية أم الأخلاقية؟

«منصة خيالية صممت لتتطرق إلى كل الجدليات التي قد تثيرها تلك الأسلحة والضربات».

يقول الكاتب إن المذكرات التي نشرتها الإدارة الأمريكية مطلع الشهر الحالي لم تأت بجديد في كشف تفاصيل سياسة الإدارة الأمريكية بشأن استخدام الطائرات بدون طيار «الدرون» في القصف والعمليات العسكرية، فالمذكرة ليست إلا إعادة لما جاء في السياسات التي نشرتها عام 2013، إذ تضمنت السياسات أكثر مما يتطلبه القانون في اشتراطها «شبه المؤكد» ألا يكون هناك أي ضحايا من المدنيين في غاراتها. لكن ما يغيب بوضوح هو أي تقييم للخسائر المتوقع حدوثها في صفوف المدنيين إذا امتنع صانعوا القرارات عن شن أي غارة من هذا النوع.

ويضيف أنه على الرغم من كل الأولويات السياسية أو حتى الأخلاقية التي تنطلق منها الإدارة الأمريكية لتشريع سياسة «عدم إصابة المدنيين» شرطًا أساسيًا لسياسة استخدام «الدرونز» في القصف والعمليات العسكرية، فإن الامتناع عن العمليات العسكرية من هذا النوع ليس بالضرورة مسألة أخلاقية؛ فالفيلسوف البريطاني الشهير «جون ستيوارت ميل» قال إن الإنسان ربما يتسبب في الخراب ليس بـ«الفعل» فحسب، إنما بـ«اللافعل» أيضًا، وفي كلتا الحالتين هو مسؤول بجدارة عن الضرر الناتج.

«الخطر الأخلاقي»

يرى الكاتب أن الفشل في وضع أي تقييم رسمي عن عواقب منع القصف العسكري باستخدام «الدرون» يثير ما يطلق عليه «الخطر الأخلاقي». ويوضح أن مصطلح «الخطر الأخلاقي» عادة ما يستخدم اقتصاديًّا بمعنى «غياب أي حافز لتجنب المخاطر عندما تكون محميًا منها بالفعل – عن طريق التأمين -». إلا أنه في حالة تطبيقه على عمليات الطائرات بدون طيار العسكرية (وغيرها من حالات استخدام القوة) فإن الكاتب يعرفها بأنها فقدان صناع القرار لأي حافز لحماية المدنيين – الذين من المحتمل قتلهم ما لم يتم قصف العناصر الإرهابية التي تستهدفهم بالأساس – من الخطر؛ لأنهم محميون من خطر الانتقاد طالما لم يشنوا غارات قد يسقط فيها ضحايا من المدنيين.

بالطبع لا ينتقد أحد بسبب قصف هو لم يقم به من الأساس، بينما قد تنهال الانتقادات على السياسي والعسكري إذا أصدروا أمرًا بالقصف.

فمن الواضح أن الحافز – وبالأخص لدى السياسيين – هو إيجاد سبب لمنع عمليات «الدرونز»؛ ففي نهاية الأمر لن يلومهم أحد على الضرر الذي يتسبب فيه الإرهابي، مع العلم أن هذا الإرهابي لربما كان في عداد القتلى إذا اتخذ السياسيون والعسكريون القرار بقصف الإرهابي.

وعلى الرغم من أن مصطلح «الخطر الأخلاقي» لم يستخدم في فيلم «Eye-in-the-Sky»، ولا حتى من النقاد، فقد ارتكز الفيلم – الذي يعرض قصة خيالية مأساوية – على قضية دائمًا ما تثار في حالات القتل المستهدف الحديثة، وخاصة ظاهرة «الخطر الأخلاقي». فهو يرى أن الفيلم لم يكن مجرد سرد أحداث قصة بعينها، إنما كان «منصة خيالية صممت لتتطرق إلى كل الجدليات التي قد تثيرها تلك الأسلحة والضربات».

ويرى أنه على الرغم من وجود بعض الحبكات الدرامية والتفاصيل «الفنية» والتي لا تمتّ للواقع العسكري بصلة، فإن الفيلم قدم مناقشة عادلة نسبيًا لعدد من القضايا التي قد تثار في هذا الشأن.

إلا أن قراءته للنقد اللاذع الذي كتبه الجنرال الأمريكي المتقاعد «ديف ديبتيولا» بعنوان «الحرب العادلة تورث المخاطر: فيلم «عين في السماء» يحرف قوانين الحرب العادلة»، جعله يفكر أنه ربما قلل من شأن أثر الفيلم على العامة، غير المعتادين على العمليات القتالية الحقيقة.

يذكر الكاتب أن «ديبتولا» ليس كأي ناقد عادي للفيلم، فقد كان الطيار السابق أحد المهندسين الرئيسيين للحملة الجوية على طالبان في أعقاب هجمات 11/9 ، فضلًا عن كونه مهندسًا رئيسًا في الحرب الجوية على العراق عام 1991. وقبل تقاعده في 2010، كان نائبًا لرئيس فريق الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وقد شكلت تلك العملية خبرته الأساسية جاعلة منه خبير القوات الجوية في المقاتلات بدون طيار«الدرونز». وبكونه المدير الحالي لـ«جمعية القوات الجوية الأمريكية» – منظمة غير ربحية – التابعة لـ«معهد ميتشيل لدراسات الفضاء» يعد أحد القيادات الأساسية في صنع القرار العسكري الجوي بشكل عام، وفي عمليات الطائرات بدون طيار بشكل خاص. كتب «ديبتولا» نقد الفيلم بالتعاون مع «جوزيف راسكاس» عضو «زمالة المصالح العامة»The Public Interest Fellowship.

بين الواقع والخيال

يقول الكاتب إن حبكة الفيلم تتمركز بالأساس حول الجهود الأمريكية البريطانية المشتركة لقصف حركة «الشباب» الإرهابية، في أحد الأحياء الفقيرة في نيروبي. وتمكنت حركة الشباب من إعادة تنظيم صفوفها بسرعة ليشنوا هجومًا انتحاريًا على مركز تجاري. في الواقع قامت حركة الشباب الإرهابية بتنفيذ تفجير انتحاري في مركز تجاري بنيروبي في عام 2013 أسفر عن مقتل 67 شخصًا.

في الفيلم توشك الطائرة بدون طيار على بدء القصف، بينما تبدأ فتاة تبيع الخبز بتجهيز كشك البيع داخل منطقة الانفجار المخطط لها مسبقًا. على الرغم من أن القصف كان مشروعًا قانونيًا بشكل واضح، إذ إن المخاطرة بقتل شخص بريء كي يمنع هجومًا انتحاريًا – ربما تسبب في سقوط ضحايا أكثر – تلبي متطلبات القانون لتنفيذ القصف، فقد ألغيت العملية.

يرى «ديبتوال» و«راسكاس» أن فيلم «عين في السماء» عرض القضية بطريقة تفسد وتحرف منطق «الحرب العادلة». فعلى الرغم من أن الفيلم وثق مدى إلحاح العملية وقيمتها الإستراتيجية، فضلًا عن توثيق الجهود المضنية لتقليص خطر الحرب على المدنيين لدرجة تجاوزت ما قد يتطلبه القانون، فقد انتهى – في رأيهما – إلى «التردد».

فيبدأ «ديبتوال» و«راسكاس» في طرح تساؤل «ما الذي يفسر الارتباك الأخلاقي؟» ويجيبان بأن:

«للأسف، هذه هي نتيجة التذبذب، الضعف السياسي، والقيود غير الضرورية التي تعد السمة المميزة للاشتباكات العسكرية اليوم. فالديمقراطيات الليبرالية تفرض قيودًا على السياسة – قواعد الاشتباك – تتجاوز الحد الذي يتطلبه القانون»،إذ إن التردد في قصف التهديدات الواضحة هو انهزامية ذاتية في أحسن حالاتها، وتأتي بنتائج عكسية في أسوأ الحالات، لكنها بالتأكيد «غير أخلاقية».

ففي الأهداف العسكرية الفعلية، يتطلب «قانون التناسب» أن يقوم القادة بموازنة «المزايا العسكرية الملموسة والمباشرة المنتظرة» فيما يتعلق بـ«الخسارة في أرواح المدنيين وإصاباتهم».

القانون والحرب والقرار

John_Stuart_Mill_by_London_Stereoscopic_Company,_c1870

يقول الكاتب إن القانون لا يملي على القادة متى ينبغي عليهم استخدام القوة لإنقاذ الأرواح، وبالتالي فإن القضية بشكل أساسي تتجاوز قانون الحرب الذي يؤكد على المسؤولية الأخلاقية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الآخرين.

المشكلة اليوم كما توضحها المذكرة الجديدة التي نشرتها الإدارة الأمريكية هي أن السياسة الرسمية لا تحاول مطلقًا معالجة ما يطلق عليه «ميل» «شر» الـ«لا فعل». وعلاوة على ذلك، لا شيء في المذكرة يسعى إلى تحميل أي شخص مسؤولية الإصابات التي يتسبب فيها صانعو القرار الذين لا يحاولون التدرب على الشجاعة الأخلاقية للإقدام على المخاطرة السياسية في سبيل منع الإرهابيين من تدمير الضعفاء؛ فلا يوجد من يتحدث باسم هؤلاء «غير المقاتلين» الذين لا حول لهم ولا قوة.

ولكي تكون الأمور واضحة، يقول الكاتب إنه لا يقصد بأي من هذا عدم التقيد بقانون الحرب واتباعه بحذافيره، إلا أنه في المقابل لا ينكر أحد وجود بعض الظروف والأحداث التي يتم فيها تقييد استخدام القوة أكثر مما قد يسمح به القانون؛ وذلك بسبب عدد من المخاوف الإستراتيجية والسياسية المشروعة.

عوضًا عن ذلك، يقول الكاتب إنه في حالات مواجهة الخصوم الذين بطبيعتهم يلحقون بالمدنيين فظائع لا يمكن تصورها، حان الوقت لدمج تقييم «الخطر الأخلاقي» رسميًا في سياسات استخدام القوة. وبالتأكيد، يجب علينا أن نضع في اعتبارنا تحميل المسؤولية على أولئك الذين نادوا بالاستسلام للتقاعس و«اللافعل» في حين أدى ذلك إلى بؤس لا داعيَ له للآخرين.

The post «مترجم»: الخطر الأخلاقي لـ«اللا فعل» في الحرب appeared first on ساسة بوست.

كيف أصبح التراث السينمائي المصري في أيدٍ سعودية؟

$
0
0

شهد عام 1927 أول عرض لفيلمين صامتين في السينما المصرية، فيلم قبلة في الصحراء، و فيلم ليلى، وعام 1932 شهد أول عرض سينمائي للفيلم المصري الناطق أولاد الذوات، وشهد عام 1935 إنشاء «ستوديو مصر» ليبدأ الاهتمام بالسينما المصرية أكثر، وتتوالى صناعة الأفلام بعد ذلك. لكن للأسف الشديد تاريخ السينما المصرية الذي بدأ منذ العشرينات، أصبح شيئًا من الخيال ليس لهُ وجود، والسبب في ذلك هو صفقات البيع التي حدثت لهذا التراث مُنذ زمنٍ طويل، ولم يحاول أحد وقف صفقات البيع هذه، حتى أصبح التراث السينمائي والغنائي المصري في مهب الريح.

بداية قصة بيع التراث السينمائي المصري

بدأت قصة بيع تراث الأفلام، بعد قرار تأميم السينما المصرية، في ذلك الوقت أعُلن في مزاد علني عن بيع أكثر من ألف فيلم من إنتاج الأربعينات والخمسينات، كانت هذه الأفلام ملك ستوديو مصر، وكان سعر بيع نيجاتيف الفيلم الواحد لم يتعد 200 جنيه، وكان السبب وراء ذلك شخص يدعى الدكتور «حسن الجزيري»، كان المسئول العام عن التراث السينمائي في ستوديو مصر؛ لتصبح البداية الأولى لبيع التراث السينمائي المصري. وتأتي البداية الثانية: والتي كانت السبب في ضياع التراث السينمائي للأبد، بسبب نظام «الاحتكار»، الذي كان يتبعه التلفزيون المصري، وهو احتكار الفيلم الواحد لمدة 99 عامًا من الورثة بسعر 5 آلاف جنيه، وهذا الأمر جعل ملاك وورثة هذه الأفلام يقاضون التلفزيون، ليكون حكم القضاء بتقليص مدة الاحتكار 49 عامًا.

لم ينته الأمر على هذا، إذ سعى التلفزيون لفرض سلطته الرقابية لحذف مشاهد من بعض الأفلام، ومنع عرض أفلامٍ أخرى؛ مما أدى إلى غضب الورثة التي ارتأت، بأن هذه الأفلام كنزًا كبيرًا يعود بأموالٍ كثيرة عليهم، في حال عرضها، وما تزال الانتهاكات مستمرة من جانب التلفزيون؛ إذ تعرض نيجاتيف الأفلام المملوكة للدولة لعملية تخريب، بسبب وضع النيجاتيف، في أماكن غير صالحة؛ مما أدى إلى تلفه، كل هذا أدى إلى ظهور جهات تطلب شراء نيجاتيف هذه الأفلام للحفاظ عليه وترميمه، والاستفادة منه لتبدأ مرحلة جديدة لبيع التراث السينمائي.

امتلاك رجل الأعمال السعودي «صالح كامل» لنيجاتيف ألفي فيلم

بسبب نظام الاحتكار الذي كان يفرضه التلفزيون المصري، ونتيجة لتلف نيجاتيف الكثير من الأفلام تتولى شركة شراء هذا التراث من الورثة مقابل 20 ألف جنيه للفيلم الواحد، هي شركة «سانيلاند» القبرصية، وكان رئيس مجلس إداراتها رجل الأعمال اللبناني «محمد ياسين»، يذكر أن شركة «سانيلاند» القبرصية لم يكن لها رخصة مزاولة للمهنة في مصر، ولم تسجل في سجل الاستثمار، ولا في سجل المصدرين.

في عام 1993، بعد ظهور راديو وتلفزيون العرب أيه آر تي، يتضح أن شركة«سانيلاند» القبرصية هي إحدى شركات رجل الأعمال السعودي
صالح كامل، وكان الهدف هو شراء نيجاتيف، واحتكار عرض الأفلام المصرية، بالإضافة إلى شراء كل الأفلام، التي قامت زوجته الفنانة صفاء أبو السعود بالتمثيل فيها، وقد أصدر قرارًا بحذف كل المشاهد التي تظهر فيها زوجته بطريقة غير مناسبة؛ لكن الغريب في الأمر أن «صالح كامل»، باع حقوق عرض أفلام زوجته لقنوات الأوربت بدون حذف أي مشهد!

وقد منع عرض بعض الأفلام لأسباب دينية مثل فيلم خالد بن الوليد لـ«حسين صدقي»، وفيلم بلال مؤذن الرسول لـ«يحيى شاهين»، وقد منع عرض فيلم عماشة في الأدغال الذي اشتراه بـ 50 ألف دولار، بسبب ظهور زوجته بالمايوه في أحداث الفيلم، ويقال إن لهذا الفيلم قيمة تاريخية كبيرة، إذ استطاعت المخابرات المصرية عن طريقه نقل المعدات الحربية لعملية الحفار الشهيرة.

ويبلغ عدد الأفلام المصرية التي يمتلكها صالح كامل ألفي فيلم: ألف وخمسمائة فيلم قديم، و500 فيلم جديد. حسب موقع أخبار اليوم. وقد امتنع التلفزيون المصري عن حضور مزاد بيع هذه الأفلام، بحجة عدم وجود ميزانية تكفي لشراء هذه الأفلام، لتقوم شركة «سانيلاند» بشراء هذه الأفلام، في عهد المهندس «أسامة الشيخ» رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون.
وقد تم بيع جزء من حصة «صالح كامل» من الأفلام بعد ذلك، إلى «الوليد بن طلال»، لكن لم يذكر عدد الأفلام التي تم بيعها.

«الوليد بن طلال» و«مردوخ» وشراكة سعودية- يهودية للتراث الغنائي والسينمائي

في عام 2000، تأسست الشركة القابضة «فنون»، لصاحبها رجل الأعمال الأردني «علاء الخواجة»، وتحت إدارة زوجته الفنانة إسعاد يونس، ورجل الأعمال المصري أحمد هيكل، والذي كان شريكا أساسيًّا في شركة «هيرمس» القابضة، وكانت شركة «فنون» من ضمن مجموعة شركات «هيرمس»، واشترت الشركة نيجاتيف عدد كبير من الأفلام، بعضها من الورثة، وشركات قطاع عام، وشركات خاصة أعلنت إفلاسها، وباعت الشركة بعد ذلك 850 نيجاتيف فيلم لرجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال، يشار أن عدد الأفلام المصرية التي يمتلكها الوليد هو ألف وثلاثمائة فيلم تقريبًا، منهم أفلام مصرية قديمة سبق واشتراها قبل ذلك، وأفلام جديدة شاركت روتانا في إنتاجها.

لم تنته صفقة الوليد بن طلال عند شراء الأفلام المصرية؛ إذ قام بشراء جزء من التراث الغنائي المصري القديم والجديد أيضًا، ويبلغ 11 ألف دقيقة من الحفلات الغنائية للمشاهير من المطربين من أمثال: «أم كلثوم»، و«عبدالحليم حافظ»، و«محمد عبدالوهاب»، وقد بيع سعر الدقيقة الواحدة للأغنية بـ10دولارات، وهذا سعر قليل جدًّا؛ إذ تتراوح سعر الدقيقة من 500 إلى 600 دولار، ومن الممكن أن تصل إلى 1000دولار، طبقًا للائحة الأسعار الخاصة بالتلفزيون المصري، يشار إلى أنه لم يتم تحديد مدة زمنية لحق استغلال هذه الأغاني عند البيع، وتركت مدة استغلالها مفتوحة.

وقد أحال وزير الإعلام في ذلك الوقت أنس الفقي، صفقة بيع التراث الغنائي بهذا الثمن البخس للنائب العام، للتحقيق في هذا الأمر، لكن بلا فائدة، وأعلنت روتانا أنها اشترت هذا التراث من أحد الموظفين في التلفزيون المصري بهذا السعر، والغريب هنا عدم وجود اعتراض على عملية بيع التراث، وإنما كان الاعتراض على بيعه بثمن أقل من الأسعار المقررة للائحة التلفزيون. في عام 2010 عقد الوليد بن طلال شراكة مع رجل الأعمال اليهودي روبرت مردوخ، حيث تمتلك مجموعة «نيوز كورب»، الإعلامية التابعة لمردوخ نسبة 14.53%، في مجموعة شركات روتانا للصوتيات والمرئيات.

هل يعود التراث السينمائي لمصر مرة أخرى؟

لا نعرف هل تستطيع مصر بالفعل إعادة التراث السينمائي أم لا؟ لأن الذي حدث سيجعل من الصعوبة عودة هذا التراث مرة أخرى، لأنه من غير المنطقي أن تقوم دولة ببيع نيجاتيف الأفلام الخاصة بها؛ لأن المسموح فقط هو بيع حقوق عرض الأفلام، وليس النيجاتيف، «لأن النيجاتيف حق أصيل للمنتج الأصلي، والملكية العامة باعتباره أثرًا» حسب موقع أخبار اليوم.

وقد أشار الموقع نفسه أيضًا بأن عقود شراء تراث السينما المصرية، معظم بنودها غير قانونية إذ «ينص أحد هذه العقود، بأن الطرف الأول الذي قام بعملية بيع النيجاتيف، عند توقيع العقد يقر بتنازله التام عن ملكية نيجاتيف الفيلم، والتنازل عن كافة حقوق استغلال، وتوزيع وعرض وبث الفيلم، في جميع أنحاء العالم دون استثناء لمدة تسعة وأربعين عامًا تجدد تلقائيًّا لمدد أخرى مماثلة ومتكررة، وبدون الرجوع للطرف الأول القابل بذلك اعتبارًا من تاريخ التوقيع على هذا العقد، وبذلك يصبح الطرف الثاني الذي قام بعملية الشراء، هو المالك الوحيد لنيجاتيف الفيلم، ولكافة حقوق استغلاله في جميع أنحاء العالم»، كل هذا يؤدي إلى صعوبة عودة التراث السينمائي المصري.

يذكر أيضًا أنه لا يوجد لهذه الأفلام أصول في وزارة الثقافة، أو المركز القومي؛ لعدم وجود أرشيف للأفلام المصرية، وعندما تولى فاروق حسني وزارة الثقافة أعلن عن إنشاء مبنى «سينماتيك ومكتبة أفلام» لتكون أرشيفًا للأفلام المصرية، لكن لم ينفذ، وتم تخصيص المبنى للمجلس الأعلى للترجمة، يشار أن عدد الأفلام، التي أنتجتها السينما المصرية 4500 فيلم، لا يوجد منها سوى 250 فيلمًا ملكًا لشركة «محمد فوزي»، و200 فيلم ملك لشركة «مصر للصوت والضوء» التابعة لوزارة الثقافة المصرية.

The post كيف أصبح التراث السينمائي المصري في أيدٍ سعودية؟ appeared first on ساسة بوست.

موسم سينمائي فاشل!

$
0
0

قبل أن تتفشى ظاهرة التأليف على مقاس النجوم في الأفلام السينمائية، كنت أظن أن السيناريو اغتصاب لغوي، يرغم فيه الراوئي أبطاله على قول ما يشاء هو، فيأخذ منهم عنوة كل الاعترافات والأقوال التي يريدها لأسباب أنانية غامضة، لا يعرفها هو نفسه، ثم يلقي بهم على الورق، أبطالًا متعبين مشوهين، دون أن يتساءل، تراهم حقًا كانوا سيقولون ذلك الكلام، لو أنه منحهم فرصة الحياة خارج الكتابة؟

لكن مع هوجة الأفلام في الإجازات، ومحاولة النجوم الكبار الفوز بموسم العرض والحصول على الملايين بأي ثمن، سقطت السينما وأصبح لا ينظر أحد إلى قيمة العمل الفني الذي تقدمه، لذلك انتشرت ظاهرة التأليف على مقاس النجوم، وأصبح النجم هو «فرس الرهان» ومن حقه أن يفرض شروطه حتى على أفكار المؤلف، وتحول العمل السينمائي إلى قطعة من الصلصال يشكلها النجم كما يحلو له!

وكأنه لا يدرك أن نصوص الأفلام، هي محور ارتكاز صناعة السينما، نظرًا لاعتماد مجمل العمل السينمائي عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقدان النص لقيمته يعني فقدان الفيلم لمصداقيته، سواء في السيناريو أو الإخراج أو التمثيل، وقد شهد العقد الأخير من صناعة السينما العربية انقلابًا في أصول العمل نفسه، لعدة أسباب، منها اعتماد النص على شهرة الممثل نفسه، واعتماده على أفكار عشوائية تحمل بين طياتها الكثير من التناقض الناتج من عدم تخصص الكتاب أنفسهم، ومنهم الدخلاء على مهنة الكتابة نفسها، والأبشع من ذلك هو أن يتحول المؤلف أو الكاتب إلى «ترزي»!

وثمة اعتقاد بأن تراجع السينما في الآونة الأخيرة، يعود إلى انسحاب معظم المنتجين الجادين الذين يفهمون في الصناعة من السوق، مع سيطرة بعض رجال الأعمال الذين اقتحموا هذا المجال دون خبرة، فارضين نوعًا مبتذلًا من الصور والمناظر النمطية التي تخلو من أي إبداع أو ابتكار، بالإضافة إلى التقلبات السياسية المستمرة منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي، التي أدت إلى تقلص الإقبال على السينما، مع غزو الأقراص المدمجة وإمكانية عرض الأفلام على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى ظهور القنوات الفضائية المتعددة التي تعرض الأفلام القديمة والجديدة بانتظام.

لكن أكاد أن أجزم بأن هجمة التجار الذين لا صلة لهم بفن السينما، هي التي أدّت إلى غلبة نوع واحد من الأفلام، وهو الفيلم الذي يعتمد على أكبر كم من التهريج باسم «الكوميديا»، وفيه يعتمد الممثل على المغالاة في إظهار عيوبه، والمبالغة في استخدام صوته؛ بهدف إضحاك المشاهدين عليه، وليس على الموقف الدرامي الذي يشارك فيه، فبعد رحيل الرموز التي أسست للفيلم كفن سينمائي، وليس كصنعة فقط، أمثال «يوسف شاهين»، و«عز الدين ذو الفقار»، و«توفيق صالح»، و«صلاح أبوسيف»، و«بركات»، و«عاطف سالم»، و«حسين كمال»، و«سعيد مروزق»، و«عاطف الطيب»، و«نادر جلال»، و«محمد خان»، لم يبق في الساحة حاليًا سوى عدد محدود من مخرجي السينما الجادة، مثل «داود عبد السيد»، و«علي بدرخان»، و«خيري بشارة»، ولكن معظم هؤلاء لا يعملون سوى نادرًا، وقد تحول معظمهم إلى إخراج المسلسلات التلفزيونية.

ومما لا شك فيه أن غياب المخرج الفنان صاحب البصمة السينمائية المميزة، الذي يتعامل مع الفيلم كمنتج فني، وراء غياب الأفلام الفنية، وتراجع سمعة الفيلم العربي؛ كون معهد القاهرة للسينما نفسه يعاني من مشكلة كبرى، وهي أن الغالبية العظمى من أساتذته لا علاقة لهم بالعمل السينمائي الفعلي، خصوصًا أساتذة الإخراج، فهم إما أنهم مخرجون فشلت الأفلام القليلة التي أخرجوها على المستويين، الفني والجماهيري، أو أنهم لا يخرجون الأفلام أصلًا، اكتفاء بتدريس الإخراج كمادة نظرية، أي لا يوجد لديهم رصيد يمكنهم البناء عليه، واتخاذه مثالًا أمام طلابهم.

 

The post موسم سينمائي فاشل! appeared first on ساسة بوست.

مراجعة وتحليل فيلم A Serious Man

$
0
0

فيلم الدراما والكوميديا السوداء، الفيلم الفلسفي صاحب الرسالة الذي يبقيك متيقظًا حائرًا طوال ساعتين، لإلا ربع. متقدم قوائم النقاد لعام 2009، بل الألفية كما كان له مكان في قائمة الـBBC لأفضل مائة فيلم في القرن الـ21 التي أعدها 177 ناقد.

مراجعة الفيلم

بماذا تبدأ فيلمك؟ هذا السؤال يؤرق كل صناع الأفلام، الأخوان «كوين» يبدآنه بهذه العبارة «تقبل ببساطة كل شيء يحدث لك». تلك الجملة التي فيها حل لغز الفيلم، بل حل لغز الحياة.

يلحقان تلك الجملة بمشهد افتتاحي عجيب، لا يختلف أبدًا عن الجملة التي سبقته، ولا عن الفيلم الذي يليه، المشهد الافتتاحي هو الأول من نوعه؛ حيث إنه خارج زمان، ومكان، وإطار، بل حتى لغة الفيلم.

المشهد العبقري الأول: باختصار، رجل يهودي كباقي أغلب شخصيات الفيلم، تتعطل عربته؛ فيساعده شخص ما يصدف أنه من أقرباء زوجته، فيدعوه إلى منزله، ويذهب ليخبر زوجته، ولكن زوجته تخبره بأن سالف الذكر قد مات منذ 3 سنوات، وأنه لابد من كونه ديبوك «شيطان!»، يدخل الرجل، فتطعنه الزوجة بسكين في صدره، ويخرج من المنزل وينتهي المشهد. ما الذي حدث للتو؟ تقبله ببساطة.

«لاري غوبنيك» بطل فيلمنا، رجل مثالي متزوج، وله ابن وبنت، له بيت، صاحب وظيفة محترمة «مدرس فيزياء» يتقنها، ليس له مشاكل مادية، بل إنه على وشك الحصول على ترقية، رجل يحترم الدين، ويمارس شعائره، ليس له مشاكل صحية أو نفسية أو زوجية، ليس له أعداء، بل حتى إنه يأوي ابن عمه العاطل إلى أجل غير مسمى بصدر رحب.

«المصائب لا تأتي فرادى»، يحاول أحد طلابه الذين رسبوا في الامتحان رشوته؛ مما سيجعله يخسر منحته؛ أبو الطالب لاحقًا يخبر المعلم أنه سيقاضيه للتشهير بابنه، وأن الحادثة ما هي إلا «تصادم ثقافي»، زوجته تطلب منه الطلاق؛ لتتزوج صديق العائلة منذ 15 عامًا، وتخبره زوجته وصديقها أن عليه أن يرحل عن المنزل؛ ليقيم في نزل؛ ليتزوجا هما فيه، وتطلب وثيقة رسمية للطلاق. ابن عمه يقامر ويرتكب اللواط «ما كان مخالفًا حينذاك»؛ مما يرغمه على تكليف محام جنائي سيكلفه الكثير من الأموال، نزاع على الملكية مع جاره؛ مما يجعله يكلف محاميًا يكلفه أموالًا أيضًا، حادث سيارة، ابنه يطلب تسجيلات موسيقية غالية دون علمه، يعلم لاري أن علاقته بولديه غير جيدة؛ حيث إنهما لا يمارسان أي نشاطات مع بعضهما البعض على خلاف جاره، لاحقًا حبيب زوجته يموت، ويجد نفسه مرغمًا على تحمل تكاليف جنازته!

الأمر لم يعد يحتمل، حتى أحلامه الليلية أمست كوابيس.

لاري لا يعلم لماذا يحدث له هذا؟ ماذا ارتكب؟ لا يوجد تفسير منطقي لذلك، إذن سنذهب إلى ما وراء المنطق، إلى الدين، سيذهب لاري ليقابل رجال الرب؛ ليعلم ما يجب عليه فعله.

يذهب لاري ليقابل الحاخام الأصغر، يخبره بأن ما عليه إلا أن يغير وجهة نظره للأشياء، وبعض الأشياء المبتذلة، ويعزي لاري ذلك إلى قلة خبرة الحاخام الصغير.

المشهد العبقري الثاني: لاحقًا يقابل لاري الحاخام الأكبر الذي يخبره بقصة مشوقةً هي الحل لمشكلته، عن طبيب أسنان يهودي وجد نقشًا عبريًا على أحد أسنان مرضاه غير اليهوديين مكتوب فيه «ساعدني»، يبحث الطبيب في التوراة و«الكابالا» و«الزوهار»، بل حتى إنه يحول الحروف العبرية لأرقام؛ ليجد رقم هاتف يتصل به، فإذ به محل بقالة يقود الطبيب في نصف الليل ساعة ونصف الساعة؛ ليجد الإجابة، ولكنه لا يجد شيئًا، فيذهب للحاخام ويسأله: ماذا افعل؟ أهي رسالة من الرب؟ أيجب علي أن أقوم أفعالي؟ أن أساعد الناس عمومًا؟… ينهي الحاخام القصة هنا فحسب. وعندما يتساءل لاري متعجبًا عن بقيتها! يخبره الحاخام «الأسنان؟ لا نعلم، رسالة من الرب؟ لا نعلم، مساعدة الآخرين؟ شيء جيد. «يتساءل لاري متعجبًا عما فعل طبيب الأسنان، يجيبه الحاخام «وماذا قد يفعل؟ بعد فترة جلس يبحث في أسنان مرضاه حتى توقف عن البحث، وأكمل حياته». «هذه الأسئلة التي تؤرقك يا لاري، إنها كوجع الأسنان، تؤلم لفترة، ثم تذهب بعيدًا»، ولكنني لا أريدها أن تذهب بعيدًا، أنا أريد إجابة»، «بالطبع كلنا نريد إجابة، ولكن الرب لا يريد منا ذلك»، «إذن، لماذا يجعلنا نتساءل!» «إنه لم يخبرني».

المشهد العبقري الثالث: يقف لاري وراء سبورة كبيرة طويلةً مليئة بالمعادلات الفيزيائية؛ ليخبر طلابه، وليجيب عن نفسه قائلًا: مبدأ عدم التأكد «الشك» يثبت أنه لا يمكننا حقًا أن نعلم ماذا يجري. يدق الجرس وينصرف الطلاب مسرعين.

المشهد العبقري الرابع: حفل «البار ميتزاه»، وهو حفل يهودي للولد إذا بلغ ثلاثة عشر عامًا، بمثابة تعميد، وقبول له بين بني إسرائيل.

ينتهي الفيلم بطبيب لاري يتصل به لضرورة حضوره عند الطبيب؛ ليخبره بنتيجة فحوصاته، وأنه لا يمكنه أن يخبره ذلك عبر الهاتف، وهو، غالبًا، أن لاري مصاب بمرض خطير، يغير لاري نتيجة الطالب الراسب لينجح، وهناك عاصفة قويةً في مدرسة ابنه، والطلاب متجهون إلى الملجأ، ولكن المعلم لا يمكنه فتح باب الملجأ.

الفيلم قصته ومغزاه عظيم، اختيار الممثلين لم يكن موفقًا من وجهة نظري، خصوصًا البطل، فلم تكن تعابير وجهه ملائمة للمواقف، وأرشح بدلًا منه «نيكولاس كيج»؛ فهو أبدع في دوره المشابه لهذا الدور في فيلم The Weather Man، و«خواكين فينيكس» مثلًا.

في مشهد البار ميتزاه يركز الأخوان كوين على وجه الولد، ويشوشان الصورة من حوله، ويحركان الكاميرا؛ ليخبرانا بارتباك الولد، و لكن هذا لم يكن ضروريًا؛ فذلك أسلوب مبتذل، كما استخدما الألون القاتمة في فيلم Inside Llewyn Davis لينقلا لنا حياته السوداوية والمتقلبة، وكانا في عوض عن ذلك.

الكوميديا جيدة جدًا، فمثلًا في نهاية الفيلم نجد عبارة «لا يهود تم إيذاؤهم أثناء عمل هذا الفيلم» على غرار ما يكتب عند إيذاء الحيوانات في الأفلام، ولاحظت أيضًا أن كثيرًا من الممثلين كانت أنوفهم كبيرة على غرار الشائعة التي تقول بأن اليهود أنوفهم كبيرة، حتى أن ابنة لاري كانت تريد عمل عملية تجميل في أنفها.

تحليل الفيلم

المشهد الافتتاحي: الرجل اليهودي الذي استقبل الشيطان، إن كان شيطانًا حقًا، هو كمثل لاري، وكمثل الناس الذين يشغلون أنفسهم بالتساؤل عن كيف، بدلًا من حل المشكلة، أما زوجته فهي كمثل طبيب الأسنان، قتلت الرجل وتخلصت من المشكلة، بدلًا من أن تجلس وتفكر.

الدين: يخبرنا الأخوان كوين أن الدين ليس وظيفته أن يقدم لنا إجابات، بل أن يبعدنا عن الأسئلة أصلًا، أن يريح عقولنا ونفوسنا، فكما قال الحاخام الأصغر للاري، كان عليه فقط أن يغير وجهة نظره إلى الأشياء، و كما أخبره الحاخام الآخر لاحقًا بقصة طبيب الأسنان، وما تلاها، أن عليه أن يبعد نفسه عن الأسئلة، وكما أخبر الحاخام الاكبر ابن لاري لاحقًا «عندما تجد أن الحقيقة أكاذيب، وكل الأمل فيك يموت، إذن ماذا؟»، ولا يكمل الحاخام الحديث، بل يتحول إلى الحديث عن فرقة موسيقيةً في إشارة إلى أنه لا توجد إجابة، استمع إلى الموسيقى، مارس هواية، و مارس شعائر الدين.. لا تتساءل كثيرًا.

أيضًا في مشهد حفل البار ميتزاه الذي وصفته بالعبقري دون توضيح، فهو عبقري؛ لأنه يرينا أن جمال الدين في شعائره التي توحدنا وتجعلنا مبتسمين وتمس أرواحنا، لا جماله في اللاهوت، والبحث عن الإجابات كما يعتقد الكثيرون.

في المشهد العبقري الثالث حيث يقف لاري وراء السبورة، ويخبر طلابه «لا يمكننا حقًا معرفة ما يحدث»، فتلك هي الإجابة.

أحيانًا كثيرة تواجهنا المشاكل، و نتساءل: ماذا فعلنا لتحدث لنا؟ ولماذا تحدث؟ وكيف تحدث؟ وماذا يجب علينا؟ فنرهق أنفسنا دون إجابة أو حل، ونضيع. فما ذنب من ماتوا في الحروب؟ وماذا كان يجب عليهم أن يفعلوا؟ لا ذنب لهم، ولا كان بأيديهم شيء. احيَ الحياة بلا تفكير كثير لآخر رمق، واستمتع! هذا ما أراد الآخوان أن يخبرانا به «تقبل ببساطة كل شيء يحدث لك».

The post مراجعة وتحليل فيلم A Serious Man appeared first on ساسة بوست.


هل نجحت السينما المصرية في تجسيد حرب أكتوبر؟

$
0
0

«السينما ذاكرة الأمة» مقولة شهيرة تبرز أهمية السينما ودورها في حياة الشعوب، عن طريق السينما تستطيع معرفة عادات وتقاليد الشعوب الأخرى، وعن طريق السينما أيضًا تستطيع أن تتعرف إلى أحداث تاريخية وحروب حدثت في الماضي، استطاعت السينما الروائية أو التسجيلية رصدها في أفلامها، وهذا كان دور السينما المصرية أيضًا في التعبير عن حرب أكتوبر (تشرين الأول)، عن طريق تجسيدها لمجموعة من الأفلام الروائية في حدود 12 فيلمًا تقريبًا أو أكثر عن الحرب، لعل من أبرز هذه الأفلام فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»،و «أبناء الصمت»، وغيرها من الأفلام؛ ليبقى السؤال حاضرًا: هل ظلمت السينما المصرية حرب أكتوبر عندما تناولتها، أم كانت عادلة في تناولها للحرب؟

«السينما التجارية» و«المنتجون» السبب في فشل أفلام «حرب أكتوبر»

في البداية يؤكد علي أبو شادي، الناقد والمؤرخ السينمائي، لـ«ساسة بوست» أن السينما فشلت فشلًا ذريعًا في معظم الأفلام الروائية التي قدمت عن الحرب، لأنها لم تعبر عن حرب أكتوبر على الإطلاق، ويعود السبب وراء ذلك إلى عدم وجود إمكانيات مادية، لكن هناك جوانب أخرى في الحرب من الممكن تناولها، مثل الجانب الإنساني، فهو لا يحتاج لإمكاناتٍ ماديَّة كبيرة، لأنَّ تناول الحرب لايتوقف عند الجانب الحربي فقط، واستكمل أبو شادي بأن السينما العالمية نجحت في عرضها لأفلام عن «الحرب العالمية الثانية»، فيما فشلت السينما المصرية؛ لأنها لا تستطيع فعل ذلك، وأضاف أن أفلام حرب أكتوبر غير تجارية، ولا تعود على المنتجين بأرباح كثيرة، وبالتالي المنتج هو المتحكم الأول والأخير في تمويل الفيلم؛ لذلك يُنتج الأفلام التي يرى أنها ستحقِّقُ أرباحًا لهُ، وأفلام حرب أكتوبر وطنية ذات قيمة فكرية وتحفيزية، والسينما المصرية لا تهتم بذلك.

ووضح أبو شادي أن «السينما التسجيلية»، نجحت إلى حدٍّ ما في تقديم أفلام عن حرب أكتوبر (تشرين الأول)، من خلال بعض المخرجين مثل «صلاح التهامي»، و«هاشم النحاس» لكن أيضًا ليس بقدرٍ كبير، لأنه لم يكن متاحًا التسجيل لهم في اللحظة المناسبة، لكن نستطيع أن نقول إن الأفلام التسجيلية نجحت في عرض الحرب عن الأفلام الروائية. ويختم أبو شادي حديثه، بأنه للأسف الشديد يتم تناول موضوع فشل السينما في تقديم أفلام عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) منذ أربعين عامًا، ولا يوجد أحد يهتم بذلك، وإدارة التلفزيون المصري ليس لديها سيولة مالية هذه الأيام، لإنتاج أفلام عن حرب أكتوبر (تشرين الأول).

«التاريخ المزور» و«الإعلام الفاشل» وراء تشكيل وعي المواطن

بينما اتفق المخرج السينمائي محمد كامل القليوبي في حديثه لـ«ساسة بوست» مع «أبو شادي»، فهو يرى أن السينما المصرية سينما تجارية، وحرب أكتوبر موضوع لا يعود بمقابل مادي، وموضوع هذه الحرب أصبح في طور النسيان، ونحن شعبٌ بلا ذاكرة وبلا تاريخ، ونرى ذلك فيما يتمّ تدريسه في المدارس. فأغلب التاريخ الذي يتم تدريسه تاريخ مزور، أو حذف منه مراحل تاريخية كثيرة.

ويتابع القليوبي بأننا لدينا إعلام فاشل يقوم بتشكيل وعي المواطن كما يريد، من خلال ما يتم رصده أو عرضه، لذلك من الممكن أن يهتمَّ الجمهور بسينما حرب أكتوبر، في حالة عرض فيلم في السينما للممثل «محمد رمضان» تحت اسم «عبده موتة في حرب أكتوبر» وسنجد إقبالًا جماهيريًّا كبيرًا، ويعقب القليوبي على الأفلام التي تناولت الحرب بأنها تناولتها بشكلٍ مقبول، ويكفي أنها تذكَّرت الحرب في حدود الإمكانات المحدودة التي توفَّرت لها، ومن الأفلام التي تناولت الحرب تناولًا مقبولًا فيلم أبناء الصمت للمخرج «محمد راضي»، وفيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» على الرغم من «التهريج» الكثير الموجود في الفيلم، لكنه مقبول من ناحية تناوله لحرب أكتوبر.

أفلام سينمائية نجحت في تناول الحرب وأخرى فشلت

«حرب أكتوبر قصيرة الوقت قليلة العمليَّات تمَّت في ستّ ساعات، لا نعلم عنها شيئًا غير عبور خط بارليف، كل هذا أدَّي إلى عدم وجود تناول جيد للحرب»، هكذا بدأ الناقد السينمائي «محمود قاسم» حديثه لـ«ساسة بوست» عن سبب فشل السينما في تناولها لحرب أكتوبر (تشرين الأول)، لكنَّه لا ينكر أن هناك أفلامًا نجحت في التعبير عن الحرب، مثل فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»، ويرى أن هذا الفيلم استطاع أن يتناول حرب أكتوبر (تشرين الأول) تناولًا جيِّدًا.

لكن هناك أفلامًا فشلت في تناولها للحرب، مثل فيلم «بدور»؛ لأن حرب أكتوبر لم تكن المحور الرئيسي للفيلم، بل كانت محورًا ثانويًّا، ونفس الأمر ينطبق على فيلم «الوفاء العظيم»، وفيلم «العمر لحظة»، ويعدّ فيلم «أبناء الصمت»، من الأفلام التي ينطبق عليها أنها أفلام حربية، ونجحت في تناول الحرب بشكلٍ كبير، ولفت قاسم الانتباه بأن هذا العام عُرض في السينما فيلم أسد سيناء، وكان يتناول حرب أكتوبر، لكنّ الفيلم لم يجد الإقبال الجماهيري الكبير، وقليلٌ جدًّا من الجمهور من شاهد الفيلم.

عدم توافر المعلومات سبب فشل السينما في تناولها للحرب

يشير المخرج حسن عيسى، في حديثه لـ«ساسة بوست»، إلى أنَّ الأفلام التي كانت تناقش هذه الفترة كانت عن حرب الاستنزاف، لكن حرب أكتوبر (تشرين الأول) تم استخدامها كحدث درامي عادي، ولا توجد أفلام تناولت الحرب من الناحية العسكرية، بل كان التناول من الناحية الاجتماعية فقط، وفي منتصف الفيلم أو في النهاية تذكر حرب أكتوبر، والسبب هو عدم وجود معلومات متاحة، وتفاصيل كثيرة للسينمائيين عن الحرب من جانب الجيش؛ مما أدى إلى عدم وجود أفلام جيدة تتناول الحرب.

ويستكمل عيسي بأنه كان أمام وزارة الإعلام والدولة، إنتاج أفلام عن حرب أكتوبر (تشرين الأول) بعد حدوثها، لكن كانت هناك رغبة، في عدم وجود إنتاج لأفلام تؤرخ للحرب، وأشار بأنَّه في حالة وجود أفلام عن الحرب يتم إخراجها بجودة عالية ستحقق أرباحًا مالية كبيرة، مثلما يحدث في السينما العالمية، عندما تتناول أفلام الحروب، وتحقق نجاحًا وأرباحًا كبيرة.

وكان ختام «ساسة بوست» مع الفنان عزت العلايلي الذي وضَّح أن السبب وراء عدم نجاح السينما، في تناول الحرب، أنها تناولت الجانب الحربي وعبور خط بارليف فقط، وكان يجب عند تجسيد الحرب في السينما أن نبدأ بتناول الجانب السياسي، والعلاقات العربية، والدولية، وماذا عن شكل التحضير لحرب أكتوبر؟ وفي النهاية الحديث عن المدافع والطائرات، وتابع العلايلي بأن هناك عدم اهتمام من الدولة في إنتاج أفلام عن حرب أكتوبر، وحتى عندما قامت الدولة بإنتاج فيلم حربي كان فيلم الطريق إلى إيلات؛ لكنه كان يتناول عمليات وأحداث حرب الاستنزاف، ولم يتناول حرب أكتوبر نفسها.

The post هل نجحت السينما المصرية في تجسيد حرب أكتوبر؟ appeared first on ساسة بوست.

فانديتا.. عندما يقود الثورةَ قناعٌ «في» و«الجوكر».. عندما تبتسم الفوضي! –ج(3)

$
0
0

في هذا المقال سيتعجب البعض من مقارنتي «في» بالجوكر نسخة نولان ونعتي لهما بالقرينين والسبب في ذلك أن كليهما نبت من رحم الفوضى ثم اتخذاها مطية يحققان بها أهدافهما.

التعريف بهما

«في»: رجل ثوري مدافع عن الحريّة، أقسم على قتل الخونة والمتعطشين للسلطة وجعل انتقامه منهم وتخليص الشعب هدفه الوحيد، له خلفيه ثقافيه واسعة جدًا تساعده على وضع فلسفته الخاصة فهو يؤمن بأنه فكرة أكثر من أنه إنسان، كما أنه يعتقد بوهم الصدفة وانعدامها في حياة كل منّا.

كلاسيكي، ورومانسي ساخر، بارع في صنع المتفجرات المنزلية واستخدام السكاكين بكل مهارة، واختراق الأجهزة والحواسيب، يحب الشعر وقراءة المسرحيات ويردد منها الكثير في حديثه، يعشق شخصية إدموند دانتيس من الكونت دي مونت كريستو رائعة المؤلف الكبير آلكساندر دوماس، تعرّض في ماضيه لتجارب بيولوجية أدت إلى فقدانه الذاكرة وساعدت على تكوين شخصيته بسماتها الأساسية والتي تختلف عن البشر العاديين.

الجوكر: شخصية هزلية خيالية لمجرم يميزه وجهه الملطخ بالأصباغ وتفكيره الجنوني باعتباره ممثلًا للفوضى التي يراها أكثر الأنظمة عدلًا.

له فلسفته الخاصة به؛ فهو يؤمن الجوكر بأن العدالة العشوائية تعني عدم وجود عدالة من الأصل أي أن حياتك ما هي إلا نكتة كبيرة، لا عجب إذًا برغبة «باتمان» في تدمير «الجوكر»، خصمه وشبيهه غير الشرعيّ الذي يهدد وجوده نفسه ولا يري العالم المشرق الذي يراه البعض منا، هو يرى عالمًا آخر مليئًا بالشرور والنزعات المتطرفة والخبيثة المختبئة في صدور أصحابها الذين لا يجرؤون على التعبير عنها لأسباب مختلفة كوجود الرادع القانوني, كذلك هو لا يرى أي فائدة من الحياة فالجوكر شخصية عدمية، يؤمن بأن وجود الإنسان عديم القيمة وخال من أي معنى حقيقي لذلك فهو يريد أن يحظى بمكانة ما وأن يعترف به الآخرون واقعًا وفكرة.

«في» يعيش هو الآخر خارج القواعد الطبيعية وهو الأقرب لشخصية الجوكر وإن اختلفا في بعض المعتقدات وأسلوب التعبير عنها ولا عجب عندما أقول إن الجوكر لو التقى «في» لكانا خليليْن، فشخص يرتدي زيًا أسود ويرتدي قناعًا يحمل ابتسامة ساخرة، عاشق للفوضى، محطم للقواعد والقوانين التي أقامها أصحابها في قلوب شعوبهم كأصنام جوفاء، يأبى عابدوها تركها أو الكفر بها، شخص كهذا هو بالتأكيد يناسب الجوكر.

وللجوكر كما لقناع «في» ابتسامة ساخرة تخفي وراءها الكثير من الوجع فهي غارقة في فلسفة نبتت من رحم مجتمع لا يرى إلا ذاته، مجتمع يأكل فيه السادة أطايب الطعام ثم يلقون إلى الفقراء فتات ما تبقى منهم.

أصول الجوكر و«ڤي» الغامضة جعلتهما متشابهين

يبدو لنا الجوكر وكأنه جاء من لا مكان، يظهر فجأة في مدينة جوثام ليقلب فيها الأمور رأسًا على عقب، ونحن لا نمتلك أي دليل محدد عن ماضي الجوكر، حتى إن الملازم «كوميشينر جوردون» عندما ألقى القبض عليه لم يستطع الوصول لأي معلومة عنه. وعلينا أن نتساءل: كيف صاغ الجوكر فلسفته تلك هل كان كاتبًا مثقفًا يومًا ما، سياسيًا مباشرًا لشئون الدولة، أم أن الأمر كله كان نتاج حياة وخبرات ممتلئة صاغت آراءه وأفكاره عن العالم؟ كل ما نستطيع الجزم به هو أنه من المستحيل أن يكون الجوكر بلا ماضٍ، وطريقنا الوحيد لمعرفة ماضيه هو آراؤه وأقواله نفسه، التي لا بد من تحليلها ومعرفة ما يدل منها على تاريخه.

وهكذا «في» خلفيته وأصوله مجهولة إلى حد كبير يبدو معه وكأنه قد نبت من رحم اللاشيء، وكثيرًا ما سألته «إيفي» عن أصوله وماضيه فهذا الرجل الغامض لا يعرف له عائلة ولا اسم حقيقي ولا زوجة ولا أطفال ولا مهنة مثله مثل الجوكر مجرد فكرة أو فلسفة ترتدي قناعًا في إشارة أن القناع أصبح هو اللغة السائدة في مجتمع يرتدي كل يوم ألف قناع، مجتمع يخفي قلبه الأسود خلف قناع من مبادئ زائفة لا تروج إلا على السذج من الناس.

لذا فقناع جاي فوكس وميكاج الجوكر غير المرتب لم يكن سوى رسالة عميقة لها فلسفة من نوع خاص إلى أصحاب المبادئ الزائفة أن الفكرة هي الحقيقة وهي الواقع وإن خفي علينا من خلفها.

خلف القناع فكرة وخلف الندوب فلسفة

«كنت أحاول أن أفهم ما يحدث، عندما رأيت نزيل الغرفة (5 )، نظر إليَّ ولكن ليس بعيون، فلم تكن هناك عيون، لكني أعرف أنه كان ينظر إليَّ، لأني شعرت بذلك».

هكذا دونت الطبيبة ديليا ساريدج يومياتها في مكز حجز لاركهيل حاكية عن نزيل غرفة (5) أو ((Vالذي لم يكن سوى «v» ومركز حجز لاركهيل هو واحد من مئات المعتقلات التي يعذب ويباد فيها كل ما هو غير أوروبي كالمسلمين، اليهود، الباكستانيين، الشواذ، والناشطين السياسيين والإصلاحيين إضافة إلى عديمي النفع من الشعب بواسطة النظام الفاشي الجديد النورسفاير.

في فترة وجوده بالسجن تعرّض كما الكثيرين غيره من السجناء لتجارب طبيّة مروعة أجرتها وأشرفت على تطوير الهرمونات الاصطناعية لإعطائها إياهم الدكتورة ديليا ساريدج بوجود القائد على المعسكر لويس بروثيرو، ومع بركات ودعم الكاهن ليلمان اللاإنسانية بعد حصوله على الرشوة، فشلت البحوث وتوفي كل من كان في السجن واحدًا تلو الآخر عداه هو صاحب الزنزانة رقم خمسة فلم تكن هناك أي عوارض جسدية خطرة بل على العكس أظهرت النتائج زيادة في قواه الجسمانية وتوسعًا في قدراته العقلية بشكل لا يصدق.

«خلف هذا القناع يوجد أكثر من لحم, خلف هذا القناع يوجد فكرة سيد كريدي, والأفكار مضادة للرصاص».

هكذا قابل «في» رصاصات كريدي ساخرًا منه ومن سياسة حزبه القمعية، ليعلم هو وأشباهه أن القناع وإن أخفى الوجه فإنه لن يخفي الفكرة التي تأبى أن تكون سجينة لحم ودم بل إنها تسعى للإفصاح عنها وإن حاربها الجميع وطمسها البعض فترةً، وإن رموها بالرصاص، فإنها مضادة للرصاص لا تموت بموت صاحبها بل بضعف إيمان حامليها، فكيف بقناع هو فاضح لها، معلن عنها، ناطق باسم جاي فوكس الثائر، مبتسمًا ابتسامة تسخر من أنظمتهم القمعية وعقولهم الجامدة.

هذا عن «في» فماذا عن الجوكر؟

في مشهدين من أروع مشاهد فيلم The Dark Knight تحدث الجوكر عن مصدر الندوب حول فمه، في المرة الأولى قال لأحد رؤساء العصابات (جامبل) إن سبب الندوب هو أبوه الذي كان سكيرًا وشريرًا وهاجم أمه مرة بسكين «أتريد أن تعرف كيف حصلت على هذه الجروح؟ أبي كان سكيرًا وشريرًا وفي ليلة جن أكثر من العادة، ماما أمسكت بسكين المطبخ لكي تدافع عن نفسها ولم يعجبه هذا لذا وأنا أشاهد يقتلها بالسكين يفعلها ضاحكًا، ويستدير لي ويقول لماذا أنت متجهم، يهجم علي بالسكين لماذا أنت متجهم يضع السكين في فمي، لنضع ابتسامة على هذا الوجه».

في المرة الثانية قال الجوكر لريتشيل إن سبب الندوب هو أن زوجته الجميلة، التي كانت تؤنبه لأنه لا يبتسم كثيرًا، كانت تخوض المراهنات، والأرجح أنها كانت تستدين ولا تستطيع رد النقود، فشوه المرابون وجهها، ولم يكن لديهما أموال لإجراء عمليات تجميل، فاكتأبت، ولكي يثبت لها الجوكر أنه لا يهتم بالندوب – على حد روايته – وضع في فمه شفرتي حلاقة ومزق بهما فمه، كان يريد فقط أن يرى ابتسامتها مرة اخرى، يريدها أن تعلم أن الندوب لا تهمه!

«أردت فقط أن أرى ابتسامتها مرة أخرى، أردت فقط أن تعلم أني لا أهتم بالندوب». ولكن رد فعلها كان صادمًا «لم تحتمل وجهه بعد ذلك وهجرته». ويختم الجوكر كلامه قائلًا بهيستيريا وهو يبتسم «الآن أنا أرى الجانب المشرق. الآن أنا أبتسم دائمًا».

يعلق الكاتب أمير ذكي على هاتين القصتين في مقال له بعنوان «التحليل النفسي والفلسفي لشخصية الجوكر» فيقول: منطقيًا هذان التفسيران متضادان، فمن المستحيل أن يصدقا معًا مع إمكانية كذبهما معًا، وهذا ما يمكن أن يسارع إليه الذهن البشري في هذه الحالة، ولكني لن أسارع بإصدار هذا الحكم المنطقي، بل على العكس، سوف أفترض أن هذين التفسيرين صحيحان، لا أعني بذلك أنهما المصدر المباشر للندوب حول فم الجوكر، فقد يكون سبب ذلك مصدرًا آخر، ولكني أرى أن ذكر الجوكر لهاتين القصتين في جو متوتر وبهذا الانفعال الملحوظ هو شيء له دلالته، وسيؤدي بنا إلى معرفة مصدر الندوب في شخصية الجوكر.

الجوكر ربط – بوعي أو بغير وعي – الآلام التي تعرض لها أثناء الجرح الذي حدث بفمه بالآلام التي تعرض لها من علاقته بأبيه وزوجته، مما جعله يضع المواقف الثلاثة على مستوى واحد في الذاكرة، أذكر أنني قرأت رأيًا للفيلسوف الأوروبي جان جاك روسو يقول فيه إن الذاكرة هي الفيصل في تأصيل الشعور بالألم، لأن الامتداد الزمني الحاضر للألم الجسداني يكون ضيقًا للغاية.

نستنتج من هذا أن مشاعر الجوكر المبكرة تجاه العالم كانت مزدوجة، تتكون من كراهية وحب، فقد كره الجوكر أباه وأحب أمه (في ثنائية فرويدية تقليدية)، كراهيته لأبيه الشرير – وفقًا للقيم التقليدية للحضارة – جعلت الجوكر ينضج مرتبكًا، لم يصبح مثالًا سليمًا يحتذى به وفقًا لطبائع الأمور، فأصبح أمام الجوكر طريقان؛ إما أن يصبح طيبًا أو أن يكون شريرًا بشكل أكثر إبداعًا من أبيه (نموذج الأب: مجرد سكير يهان في الخارج ويمارس ساديته وعنفه على أم وطفل ضعيفين).

كان اختيار الجوكر في البداية أكثر هدوءًا، خاصة أن مثال الأم ما زال في ذهنه معقولًا؛ أحب الجوكر أمه في صورة زوجته الجميلة، فما زالت هي الصنم الباقي، ولكن زوجته لم تكن تأبه به، استدانت وشُوهت، كما شُوهت أمه من قبل، وبذلك سقط آخر شيء يمكن أن يُبقي الجوكر عاقلًا بالمعنى التقليدي للكلمة.

هنا أتوقف، وأنا لا أريد أن أسير على نهج التحليل النفسي إلى النهاية، فوضع الجوكر الحالي ليس تلقائيًا حتميًا كما سيستنتج التحليل النفسي إنما هو وضع قائم على اختيار، فقد كان على الجوكر أن يختار، لا شك أن المسار التلقائي والحتمي أثّر على الجوكر، ولكن تأثيره تمثل في جعل موقفه الوجودي أكثر ثراءً. كان من الممكن أن يصير الجوكر متجهمًا وعدميًا ويمضي ببساطة ليشنق نفسه. ولكن الجوكر ليس مريضًا (إن كان هناك مرضى)، الجوكر فيلسوف على نمط وجودي، وبين خياريْ (أن أضحي بنفسي أم أضحي بالآخرين؟) اختار الجوكر أن يضحي بالآخرين بواسطة الآخرين. ا.ه.

الفلسفة العميقة ورؤية المجتمع للجوكر و«في»

ولنبدأ بالجوكر الذي كره أباه حد المقت وأحب أمه حد الولع، تكونت لديه فلسفة عميقة لم يوضح لنا الكاتب من أين استقاها، وقد يكون – كما قلت سابقًا – كاتبًا مشهورًا أحنت ظهره نوائب الدهر وأذلت روحه مصائبها.

«لا تهتم بالمال.. اهتم بالرسالة التي تقدمها من ورائه».

قاعدة لها فلسفة عميقة يتفوه بها الجوكر وهو يحرق نصيبه من المال أمام أحد أفراد عصابة جامبل بكل برود مرددًا «إنه نصفي، كل ما يهمكم هو المال، هذه المدينة تحتاج إلى صنف أفضل من المجرمين». فلسفة عميقة ورسالة أعمق يرسلها الجوكر لنا، كيف أن المال رخيص مجرد أوراق لا قيمة لها إذا لم توصلك إلى أهدافك بالضبط كساق لا تتحرك لا قيمة لها لأنها لا توصلك إلى أهدافك، لذا لا تهتم بالمال اهتم بالرسالة التي تقدمها من ورائه، والرسالة التي أرادها الجوكر أن تصل أن المال لا يعنيه وأنه رخيص لا قيمة له،وأن الأهم فيما يفعله هو ما يصدره للجميع من أفكار، حصد المال؟ ليس مهمًا أن تكون غنيًّا؟ ليس مهمًّا، المهم أن تنجح فيما تزرعه في العقول.

«هل أبدو لك كرجل لديه خطّة؟».

«هل تعلم من أنا؟ أنا عميل الفوضى، أنا كلب ألاحق السيارات، لا أعرف ماذا سأفعل لو أمسكت بها، أنا أفعل ما يخطر على بالي، العصابات لديها خطط، الشرطة لديها خطط،( غوردون ) لديه خطط، أنتم مخططون،المخططون يحاولون السيطرة على عالمهم الصغير، أنا لست مخططًا، أنا أحاول أن أظهر للمخططين كم هي مثيرة للشفقة محاولاتهم للسيطرة على الأمور».

بعيدًا عن ما قاله الجوكر عن نفسه وهو أنه «لا يملك خططًا» فهو مخطط جيد للغاية فقد كانت لديه خطة واضحة ومنطقية ولها هدف محدد وهو إثبات أن جميع البشر يمكن إفسادهم بطريقة أو بأخرى, ولهذا السبب أفسد فارس جوثام الأبيض «هارفي دينت» مدعي المدينة مما جعل دينت يقتل خمسة أشخاص اثنان منهم من الشرطة ثم محاولته للانتقام من جوردن مفتش الشرطة لأنه من وجهة نظره هو السبب الرئيسي في موت حبيبته «ريتشل». ولعل الجوكر في لحظة شعر بالتقزم أمام ذات باتمان النظيفة وهارفي دنت، فدفعه هذا التقزم والشعور بالنقص إلى دفع باتمان وهارفي دنت إلى مستنقعه الآسن، ليصبح الكل سواء فتتساوى القلوب، وتصدق نظرية الجوكر أن الكل قابل للفساد، وأن الخير مجرد نكتة سيئة فقدت بهجتها.

الجوكر يعبر عن شفقته على أولئك الذين يخططون بينما هو يفعل الأشياء هكذا ببساطة، إنهم يظنون أن عالمهم الصغير شيء عظيم، كمثل طفل صاغ من الرمل قصرًا فظنه حقيقة، وظن نفسه ملكًا، إنه مثير للشفقة جدًا.

«أنت كان لديك خطة وانظر إلى أين أوصلتك» جملة دق بها الجوكر وتَدَ الفوضى في قلب هارفي دنت. ومن تدبر حواره مع باتمان في غرفة الاستجواب وحواره مع دنت يخلص إلى أن الجوكر ليس ساذجًا، إنه شخص مقنع جدًا لديه هدف يسعى إليه، مؤثر جدًا في الأشخاص والأحداث.

«بالنسبة لهم أنت مجرد غريب، مثلي، يحتاجون إليك الآن، وحين لا يحتاجون إليك سينبذونك، كالمجزوم».

الجوكر حاول إقناع باتمان بكل الطرق ليترك مبادئه الساذجة بل دعاه لقتله في مشهدين من الفيلم، ولكن الأخير خيب أمله وحافظ على مثاليته وقاعدته الوحيدة بعكس نسخة «بن أفلك» لباتمان فقد رأيناه يقتل بدم بارد.

ولتعلم أن الجوكر لم يكن جزءًا من الخطة أبدًا فهو يحطم كل القواعد المعمول بها ويتحكم بالناس كما لو كانوا جزءًا من لعبة، فهو أراد إثبات أن البشر ذوي الأخلاق يمكنهم التغير للأسوأ وفشل في هذا فشلًا ليس بالذريع عندما أراد تدمير إحدى العبارتين وكان ركاب العبارتين يرغبون في تدمير أحدهم الآخر ولكن جبنوا عن فعل هذا ولهذا قال إن «المدينة تستحق طبقة أرقى من المجرمين».

باختصار الجوكر من البداية كان يحمل خطة واضحة منظمة، لها أبعاد وغايات، ولكنه يطبقها بفوضوية، لأنه يراها عادلة وقد صرح بذلك حين قال لهارفي دنت «هل تعلم شيئًا عن الفوضى؟ إنها عادلة» .

الفوضى عادلة. حقيقة مطلقة جرب بنفسك وأمسك بأوراق كثيرة، ثم قم بقذفها في غرفتك بحيث تحدث أكبر فوضى ممكنة، وشاهد كيف توزعت الأوراق بالتساوي في كافة أنحاء الغرفة. ذلك هو مبدأ (الفوضى عادلة).

«لم لا نقطعك لقطع صغيرة ونطعمك لكلابك، وعندها سنرى كم هو الكلب الجائع وفي بالفعل».

هل تريد أن تعلم لماذا استخدم السكاكين؟ المسدسات سريعة جدًا. لا يمكنك أن تتذوق المشاعر الصغيرة، أتعلم؟ الناس في آخر لحظاتهم يظهرون على حقيقتهم، إذًا أنا عرفت أصدقاءك أفضل مما عرفتهم في أي وقت مضى. هل تريد أن تعرف أي منهم كان جبانًا؟».

«أخلاقهم، قوانينهم،هي نكته سيئة، سيسقطون عند أول مشكلة، إنهم جيدون بقدر ما يسمح لهم العالم، سأريك، حين تسوء الأمور هؤلاء المتحضرون سيأكلون بعضهم البعض. أنا لست وحشًا، أنا ذروة المنحنى».

«لا أحد يفزع حين تجري الأمور حسب الخطة، حتى ولو كانت الخطة مروعة، لو قلت للإعلام غدًا، أن هناك رجال عصابات سيتم إطلاق النار عليهم، أو شاحنة من الجنود ستنفجر، لا أحد يفزع لأن هذا جزء من الخطة، ولكن حين أقول إن عمدة واحدًا بسيطًا سيموت، الجميع سيفقدون أعصابهم».

الجوكر أراد أن يثبت أن الجميع ليسوا ملائكة وأنهم قابلون للفساد فقط ضعهم في مأزق وستراهم يأكلون بعضهم البعض، حتى الكلاب الجائعة يذهب جوعها بوفائها ويترنح أمام وحش الجوع الذي يلتهم أمعاءها الخاوية بلا رحمة، فلسفة عميقة، ومبادئ فريدة تشبه الجوكر وحده، يسعى هو إلى إثباتها، وترسيخها في عقول مستمعيه أن الوفاء صرح ينهار أمام المصلحة، ويتلاشى أمام ضغط الظروف، فحتى الكلب الذي هو رمز الوفاء يخون صاحبه عندما يتعرض للجوع. الحقيقة أن الجوكر لا يؤمن بمجتمعه ولا بنخبته، ولكنه يؤمن أن العدل، والمساواة، والتحضر، والإنسانية مجرد مكياج خارجي يخفي به المجتمع حقيقته المرة. يؤمن أن الكل قابل للفساد وأن وجوه الناس قناع مستعار فقط ضعهم في مأزق أو تحت تأثير شهوة وستراهم على حقيقتهم، الجوكر يؤمن أن شاة ملك عمدة هي أعز على المجتمع من رأس جندي بسيط، لأن هذا ليس من الخطة . الحقيقة أن هذا الجوكر يعاقب المجتمع على نذالته ونفاقه وتناقضه، أنه يحشد الفوضى ضد العقل والحكمة، تدبر ما قاله لدنت عندما قبض أصابعه على مسدسه «اقلب النظام المعروف، وسيصبح كل شيء بحالة فوضى».

«عليك الاستمتاع بتفاصيل المشاعر الدقيقة»، قاعدة استثنائية أ في قاموس «الجوكر»، وهي أن المرء يجب عليه الوقوف بروية أمام المشاعر الإنسانية والاستمتاع بها أيًّا كان الأمر.

«بالمناسبة البذلة لم تكن رخيصة، يجب أن تعلم أنت اشتريتها».

جملة ساخرة أطلقها الجوكر ليسخر بها من برجوازية رجال العصابات وولعهم بالمظاهر الزائفة وظنهم أن حفنة مال تملأ جيوبهم ستجعلهم أرفع وأرقى من باقي البشر. لقد ارتدى الجوكر بذلة غالية الثمن ولكنها ذات ألوان مثيرة للضحك والدهشة معًا ليجعل من نفسه مرآة تظهر لهم بشاعة دواخلهم قبل ظواهرهم، وكذا فعل عندما طلى وجهه بمكياج غير مرتب يخفي به ندوب وجهه، وكأنه يقول لهم هكذا أنتم عندما تجملون ذواتهم بمساحيق المبادئ الزائفة والإنسانية الهشة، فقناعتي أن مكياج الجوكر لم يكن يهدف به إخفاء عاهته بقدر ما كان غرضه السخرية والتهكم من عمليات التجميل المعنوية لندوب وجع المجتمع الذي ما عادت المساحيق تكفيه لإخفاء بشاعته.

«الجنون كالجاذبية الأرضية، كل ما يحتاجه هو دفعة صغيرة».

يرى الجوكر أن الجنون في جوثام يعتمد على دفعة صغيرة تدفع الأحداث في تيار متصاعد من العنف ويتعجب على الدوام من اعتبار الجميع له أنه مخطط ماكر، هو فقط كما يصف نفسه يفسد الخطط ويقلبها على أصحابها.

«قدم بعض الفوضى!».

الجوكر مثله مثل نيتشه (وبما أيضًا مثل ما بعد الحداثيين) في كتاباته الفلسفية لا يؤمن بالنسق، لا يؤمن بترتيب الأحداث والأفكار، نيتشه كما أسلفنا تمرد على النسق الفلسفي الألماني (كانط – هيجل – شوبنهاور) وكتب فلسفته في تأملات وشذرات (فوضوية)، كذلك الجوكر يتمرد على النسق، وعلى عملية التخطيط الإنساني بشكل عام.

«الطريقة المنطقية الوحيدة للعيش في هذا العالم هي العيش بلا قوانين».

الجوكر بالأحرى هو إنسان متميز، ويشتبك هذا المفهوم – بشكل غير دقيق – بمفهوم الإنسان الأعلى عند نيتشه، فالجوكر يريد تطبيق قيمه الخاصة على العالم التي نعرف أنها لا-قيم (مثلما كان يطلق نيتشه على نفسه أنه: لا-أخلاقي).

فانديتا الرومانسية عندما تتزين للثورة

«لقد قررت الليلة الماضية إنهاء ذلك الصمت، أنا من دمر السور القديم في الليلة الماضية لكي أذكر هذه البلدة بما قد نسوه. إذا كانت جرائم هذه الحكومة غير معروفة لكم فسأحاول تعريفكم بها في الخامس من نوفمبر، لكنكم إذا كنتم ترون ما أرى، تشعرون بما أشعر، تسعون كما أسعى، عندها سأطلب منكم أن تقفوا إلى جانبي بعد سنة على أبواب البرلمان، وسويًا سنعطيهم اليوم الذي لن يُنسى أبدًا».

«العدالة، الحريّة، أكثر من كلمات إنها نظريات».

هنالك بالتأكيد من لا يريدنا أن نتحدث!

«على الشعوب أن لا تخشى حكوماتها, بل على الحكومات أن تخشى شعوبها».

«لو كنتم تبحثون عن المذنب عليكم فقط أن تنظروا في المرآة».

«بينما يستعمل الشرطي عصا بدلًا من الكلام, تحتفظ العبارات بقوتها للأبد».

«أمر صحيح في كل الحكومات, معظم الملفات الموثوق بها ملفات الضرائب».

هكذا يرى «في» مجتمعه الغارق في الفحش والكذب والنفاق، المروج للأكاذيب الصادق فقط في ملف الضريبة التي تفرض على المواطنين، ساخرًا من عصا الشرطي التي ظنت أنها أقوى من الكلمات، فلما خرت أمام الكلمات عرفت قوة الكلمة، لا تخف من عصا الشرطي، لا تخف من الحكومات، بل الحكومات هي التي يتوجب عليها الخوف من الشعب، فرموز المجتمع بلا شعب خرساء، بكماء، عرجاء تترنح، والقوة للكلمة، للحشد، للمؤمنين بمبادئهم، القابضين عليها!

في الوقت الذي يبحث فيه نخبة المجتمع عن ضحية يلصقون بها أخطاءهم، كان يتوجب عليهم أن يستديروا قليلًا لربما صادفت وجههم المرآة فعرفوا من المذنب الحقيقي!

«المبنى رمز مثل عمل تفجيره, الرموز تحصل على القوة من قبل الناس، الرمز لوحده لا معنى له لكن مع عدد كافٍ من الأشخاص تفجير مبنى قد يغير العالم».

يؤكد «في» أن الرموز عارية بدون الحشد الشعبي، والمبنى رمز مثل تفجيره، يبقى رمزًا لا قيمة له ولا قوة إلا بالتفاف الناس حوله وتأييدهم المطلق، والرموز والأفكار كلاهما يحتاج إلى جسد وقلب مؤمن فالجسد يتحرك صوب الهدف والقلب المؤمن بها درع يتلقى الضربات فيزداد صلابة وقوة.

«خلف هذا القناع يوجد أكثر من لحم, خلف هذا القناع يوجد فكرة سيد كريدي, والأفكار مضادة للرصاص».

«قيل لنا أن نتذكر الفكرة وليس الرجل، لأنه بالإمكان أن يفشل الرجل، يُقبض عليه، أو حتى يقتل ويُـنسى».

الأفكار لا تموت، الأفكار مضادة للرصاص، خلف كل وجه مزقته المصائب وشوهته المحن فكرة، فلا تكترث للرجل، فالرجل قد يموت، قد يبدل، قد يزل، قد يبيع مبادئه، ولكن تبقى الفكة صامدة، إنها تغادر من غادرها لتستقر في عقل من قدرها!

المشهد النهائي.. هل فشلت الفوضى؟!

«أنت لا تستطيع الاعتماد على أحد هذه الأيام، أنت يجب أن تفعل كل شيء بنفسك أليس كذلك؟ إن هذا العالم الذي نعيش فيه مضحك جدًا».

مشكلة ترولي، هي تجربة أخلاقية تشبه تلك التي طرحها الجوكر، لو أن هناك عربة متحركة بسرعة على طريق معين ويقع في نهايته بضعة أشخاص مقيدين، تقف أنت على بعد ممسكًا برافعة لو حركتها فستندفع العربة نحو طريق آخر يوجد في نهايته شخص واحد فقط ولديك اختياران: الأول ألا تفعل شيئًا فيموت الأشخاص الخمسة، والثاني أن تحرك الرافعة فيموت الشخص الآخر. ما هو الخيار الأفضل؟

قبل النهاية بقليل يطرح الجوكر هذا الاختبار عندما خيّر ركاب العبارتين بين تفجير أحدهما الآخر قبيل منتصف الليل، عبّارة تحتوي على أعتى مجرمي المدينة والأخرى تحوي مواطنين أبرياء لا ذنب لهم. تم التصويت بالأغلبية تحت الضغط العصبي على تفجير العبّارة التي تحوي المجرمين مما يستدعي بالضرورة عدم الثقة في قرارات الأغلبية والتي تنبع معظمها من قناعات ومصالح شخصية!

فلسفة الجوكر هي الأكثر صمودًا!

تعتنق كل شخصية فلسفة معينة وخضعت كل فلسفة منها للاختبار طوال الفيلم، لكن المثير حقًا أن فلسفة الجوكر هي التي استطاعت إلى حد كبير الصمود، بينما استمرّ «بروس وين» في الحفاظ على كينونة «باتمان» بالرغم من علمه أن التزامه بهذا الطريق سوف يُعرّض حياة المواطنين للخطر.

الأمر الذي شكّل تهديدًا حقيقيًا لفرضيته الأخلاقية ودفعه لمحاربة الجوكر دون هوادة واضطر «باتمان» و«جوردن» في النهاية لتزييف انتصارهما للحفاظ على المدينة من التفكك والانهيار، الحقيقة أنه لم يرق لي المساحة التمثيلية لباتمان والذي بقي في خندقه مدافعًا عن «جوثام» ومحاولًا استرجاع حبه القديم لريتشل مما أفقدني الاهتمام بالشخصية ودفعني للاهتمام أكثر بفلسفة الجوكر.

لقد راهن الجوكر من البداية على نجاح نظريته أن الجميع بداخلهم شيطان، وكل ما علينا أن ندفعه إلى الخارج ليتولى الأمور، لقد نجح الجوكر في إفساد فارس جوثام الأبيض، وتحويله إلى قاتل فوضوي، شرس الطباع، لذلك من الخطأ أن نقول إنه فشل مطلقًا، ولكنه أخفق لأنه وثق في نفسه، كما وثق في شرور الناس واعتقد أنه سيكون أقوى من جبنهم، فكانت النهاية إخفاق للفوضى وموت هارفي، وهروب باتمان.

«أهذه خدعة أخي (في) كلا لا مزيد من الخدع، لا مزيد من الأكاذيب.. الحقيقة فقط، والحقيقة هي أنك جعلتِني أدرك أني كنت مخطئًا وأن خيار إنزال العتلة ليس لي لإقراره، لأن العالم الذي أنا جزء منه، والذي ساهمت في تغييره، سينتهي الليلة، وبالغد عالم جديد سيبتدئ، والذي سيبنيه أشخاص آخرون وهذا الخيار خيارهم».

ونقيض ذلك كان الأمر عند «في»، فمشهد النهاية كان مهيبًا، لقد نجح «في» في تحويل الشعب كله إلى نسخ من قلبه قبل وجهه، لقد خرج الجميع كاسرين حظر التجوال، لابسين قناع فانديتا في المشهد الختامي في الفيلم والذي ابتدأ منذ زحف الشعب نحو الميدان الذي يقع به البرلمان والتصوير الساحر لهذا الزحف مرورًا بالمشهد البصري الأروع في الفيلم وهو مشهد انفجار البرلمان بصحبة المؤثرات الصوتية المعبرة ثم استخدام الرمزية الهائل بظهور جميع الشخصيات التي كانت ترتدي قناع «في» بأنها شخصيات الفيلم التي ظهرت جميعًا سواء الموتى أو الأحياء، وأخيرًا تأكيد تلك الرمزية بالحوار الختامي بين(إيفي) و(المحقق) والذي يعتبر أجمل ختام لأحلى كلام.

الفرق بين الجوكر و«في»

لقد امتطى الجوكر صهوة الفوضى ليصبح السيد وغيره العبيد، وهذه البلاد ملكه، يتحكم فيها، يريد تطبيق قيمه الخاصة وفلسفته العميقة على العالم التي نعرف أنها لا-قيم (مثلما كان يطلق نيتشه على نفسه أنه: لا-أخلاقي). يقول الجوكر: «الطريقة المنطقية الوحيدة للعيش في هذا العالم هي العيش بلا قوانين». أما «في» فقد امتطى صهوة الفوضى ليجعل الناس يتكلمون بعد خرس، ويكسرون الخوف الذي بداخلهم من سلطة آدم ساتلر قبل أن يكسروا الحظر.

قالوا عن أدوارهم

من المصادفة الجميلة أن هوغو وهيث ممثلان أستراليان، يبدعان في الأداء الصوتي والجسدي لأدوارهما وخصوصًا شخصيتا «في» لهوغو وشخصية الجوكر لهيث.

  • نرى مذكرات ليدجر والتي سجّل فيها جهوده كي يتغلغل بداخل الشخصية، وننقل منها:

    «مكثت في غرفة فندق بلندن شهرًا كاملًا أحاول التركيز فيما يجب أن تكون عليه الشخصية، جربت أصواتًا وضحكات مخيفة عدة تتناسب مع الجوكر وانتهى بي الأمر غائصًا في عقله، شخص لا يمتلك أي ذرّة ندم تجاه أفعاله، لقد ترك لي «كريستوفر» اللجام كي يكون لي كامل التحكّم في الموضوع وهو أمر طريف لأنه لا يوجد حدود لما يمكن للجوكر فعله».

    احتوت مذكرات ليدجر أيضًا على أول صورة له في شخصية الجوكر مع تعليق «انطوت ثمانية أشهر الآن».

    انتهت مذكرات ليدجر بكلمتين «Bye Bye» في إشارة إلى انتهائه من دوره الصعب إلا أن محبيه يعلمون أن تلك هي آخر كلماته التي خطّها بيده قبل أن يتوفى بجرعة مهدئات زائدة في 22 يناير 2008.

  • في لقاء أجري مع الممثل هوغو طرح عليه بعض الأسئلة منها:
    تكلمتُ مرة مع تيرينس ستامب, الذي لعب شخصيتين في الكتاب الهزلي «سوبر مان» و«إيلكترا» وقال إنه سيحاول دائمًا أن يفهم كيف تتحرك الشخصية وسط اللجان. هل عملت أي شيء مثل هذا القبيل أو أخذت حركات V من الكتاب؟

    فأجاب: لا, لا وقت لدي, حقيقة لا وقت لدي. لدى V في الكتاب هدوء عظيم, أجل, فهو يتحرك وبإمكانك رؤيته يجلس على قمم الأسقف, لكن يوجد لديه هدوء عظيم. إنه شيء, قام V بإضفاء حياة على القناع, ليس بإمكاني ائتمان حدسي فقط في أي حركات جسدية, سواء كانت حركات الرأس أو الجسد. حقيقة, لا يوجد لدي الوقت الكافي للتفكير أو التخطيط, كل ما علي هو أن أدخل في الشخصية وألعب الدور معتمدًا على معرفتي المحدودة حول القصة في ذلك الوقت, لهذا أقول إنه كان شيئًا تقنيًا بالنسبة لي. لأنني لم يكن لدي الوقت لأدخل في كل ذلك بشكل حرفي, قلت هذا لهم مباشرةً, «اسمع, أنا هنا وسأحاول أداء الدور لكن إذا لم يضبط معي فقط قل لي وسنقوم بالتغيير».

  • في الكتاب يبدو وكأنهم يؤكدون بالرسم والفن, أن V أكثر من مجرد فكرة لشخص ما بواسطة عرض البذلة تبدو فارغة تمامًا. عندما يحركها يبدو مرتديًا القناع والعباءة مندفعة خلفه. هل جرى شيء مثل ذلك في الفيلم؟

    فأجاب: ربما, في الحقيقة. بالنسبة لي, إنه خلف ذلك القناع يوجد إنسان بكل معنى الكلمة, لكنك لن ترى وجهه أبدًا ولن تعرف عن حياته شيئًا أبدًا, وحتى من يكون وذلك مهم. إنه عبارة عن فكرة, أنت بحاجة لأن تشعر بذلك إنه إنسان حقيقي ولا تسأل أسئلة كثيرة لأنك إن سألت أسئلة كثيرة عنه سيكون السؤال «بحق السماء كيف يعمل كل تلك الأشياء؟» بالإضافة إلى أنك يجب ألا تذهب بعيدًا جدًا فذلك هو المسار.

The post فانديتا.. عندما يقود الثورةَ قناعٌ «في» و«الجوكر».. عندما تبتسم الفوضي! – ج(3) appeared first on ساسة بوست.

«السايبربانك» بين الأدب والسينما

$
0
0

«السايبربانك»

هي لفظة حديثة نسبيًّا، حيث شقت طريقها إلى الوجود فقط منذ عام 1983، مع أنها كانت تمارس من تاريخ أقدم من ذلك بكثير.

الأب الشرعي للمصطلح هو «بروس بيثك»، عندما جعله عنوانًا لإحدى قصصه القصيرة، كلمة «سيبر» مشتقة من مصطلح «سيبرنيتكس» «علم التحكم الآلي Cybernetics»، وتشير إلى العالم الرقمي أو الإلكتروني، أما كلمة «بانك» فتشير إلى المشاغب أو المتمرد.

شكلّت قصة «بروس» مفهومه البكر عن ذاك العالم؛ بمفردات المكونة من «متسللي كمبيوتر+ ذكاء صناعي+ علم وراثة»، وصنع جسرًا بين ما سبق وبين الحكومات المستقبلية القمعية + حكايا المدينة الفاضلة «أو الفاسدة، أيهما أقرب»، إلخ.

ومن يومها، تم قص شريط البوابة إلى ذاك العالم، وتحول إلى أحد أفرع الخيال العلمي المهمة.

ومن أهم الروايات في هذا الصدد

«عالم جديد شجاع»

تحفة الصحفي والأديب البريطاني «ألدوس هكسلي»، وهذا ليس بغريب على حفيد «توماس هكسلى»: الرجل الذي تتلمذ على يديه «هربرت جورج ويلز» نفسه.

تحدث «هكسلي» الصغير عن مستقبل تخلى فيه البشر عن خشية الموت، بشر يتم توالدهم اصطناعيًا في أنابيب الاختبار، ويشبون على استنكار فكرة «أسرة»، فزمنهم جعل من كلمة «أب» أو «أم» تدعو إلى الخجل، وهكذا صار الجميع، حسنًا، ليس «الجميع» بالضبط، إذ ظهر إنسان «متوحش» يحتفظ بمفاهيم العصر القديم، فكان من الطبيعي أن يودعوه أحد المتاحف، وإن ظل يذكرهم بالطابع الحقيقي للحياة الذي كانت عليه البشرية يومًا.

سبقت الرواية عصرها بنبوءة ظهور «أطفال الأنابيب»، لاحظوا أننا نتحدث عن العام 1932م، أي قبل نحو نصف قرن من ميلاد «لويس براون» أول طفلة أنابيب في العالم.

«1984»

الرواية التي مُنعت من دخول العديد من الدول، وفي نفس الوقت، يصنفها البعض ضمن أفضل ما كتب في القرن العشرين قاطبة.

تدور الأحداث داخل إطار «ديستوبيا» أخرى، صار فيها البشر مجرد أرقام بالنسبة لحكومة «الأخ الأكبر».

احترس لتعبيرات وجهك، حذار أن يبدو عليك التفكير، أو تبدر منك أدنى عاطفة، فدوريات شرطة الأفكار لا تمزح أو تتسامح، هذه أصبحت كما أن أجهزة التصنت لا تغفل عنك لحظة، بالإضافة إلى أنك ستجد حولك صحافة، وإعلانات تلفاز، ولافتات فوق ناطحات السحاب، كلها لا تعطيك فرصة للتظاهر بالتناسي، وتذكرك طوال الوقت بحقيقة أن: «الأخ الأكبر يراقبك».

كتب «أوريل» ملحمته الخالدة في 1949، أي كان العام 1984 بالنسبة له زمنًا بعيدًا للغاية، حمد القراء اللاحقون ربهم على أن الزمن المختار مر على خير، فلم تتحقق رؤى «أوريل» السوداوية بالنسبة للأغلبية، أقول «الأغلبية» لأننا –كعرب- نرى أخًا أكبر في كل مكان حولنا، بل يكاد الوضع ينطبق أكثر على دولة كوريا الشمالية مثلًا؟

لن نستغرق في جلد ذاتنا كعالم ثالث، وأذكركم بأن الأخ الأكبر يتواجد في الولايات المتحدة ذاتها،  ويكفي التذكير بفضيحة «Prism Internet Surveillance» عام 2013 تحديدًا.

«برسيم» عبارة عن برنامج شامل من صنيعة جهاز الأمن القومي الأمريكي،  تجسسوا بواسطته – داخليًا- على بيانات نحو خمسة ملايين مواطن.

شكلَّت «1984» أثرًا فارقًا على عدد من روائع الأدب التي تلتها، مثل:

– «451 فهرنهايت» هي درجة الحرارة التي يحترق عندها الورق، وفي الوقت نفسه عنوان رائعة المؤلف الأمريكي «راد برادبوري»، الذي تنبأ بمستقبل مظلم، مستقبل يتم فيه غسل عقول الجماهير بالإعلام التافه، وهوس تليفزيون الواقع، مع إدانة من يملك المفتاح الأزلي للمعرفة، «الكتب»، وحرقها فورًا.

وإمعانًا في التحدي، أضاف المؤلف عود ثقاب ضمن تصميم الرواية، وطلب من القارئ حرق أوراقها إذا لم ترق له.

تضمنت وصية «برادبوري» بعد وفاته؛ أن يدفن في مقبرة الحديقة التذكارية في «ويستوود فيليج»، وأن يُكتَب على شاهدة قبره «مؤلف فهرنهايت 451».

– «الرجل الراكض»: يعد اسم «ستيفن كينج» بمثابة تميمة مميزة لأدب الرعب، إلا أنه قرر عام 1981 التنحي عنه لبرهة، واقتحام عالم الخيال العلمي، فقدم نموذجًا آخر لمستقبل قاتم؛ حيث ينقسم فيه العالم على طريقة «هربرت جورج ويلز» إلى من يترف بالغناء الفاحش، ومن يعيش في فقر مدقع.

المنفذ الوحيد أمام الفقراء لجلب المال، هو باب مدينة الألعاب، حيث عالم ترفيهي كامل تبث كل فاعلياته على الهواء مباشرة.

هكذا تدور الصفقة، الأغنياء يحصلون على التسلية، بينما يشاهدونك وأنت تلعب، حتى الموت.

جدير بالذكر أن د. أحمد خالد توفيق قام بتقديم ترجمة موجزة لهذه الرواية، يمكنكم الرجوع إليها بسهولة ضمن سلسلة «روايات عالمية للجيب»- العدد رقم 22.

لا ننسى علامات كلاسيكية أخرى حفرت بصمتها في الفضاءات الافتراضية والدستوبيا، على غرار رواية « «We عام 1924م  للكاتب الروسي يفجيني زمايتين Yevgeny Zamyatin، والتي يقال إن جورج أوريل تأثر بها كثيرًا في رائعة «1984»، كما يوجد أيضًا «عدو النظام» لـ «برايان ألديس»، و«مؤسسة» «إسحاق أسيموف»، و«كثيب» «فرانك هيربيرت».

أشهر الأفلام

بالذهاب إلى السينما، فإن ذكر السايبر بانك، أو الفضاء الافتراضي، يذهب بذهني مباشرًة إلى فيلم «المصفوفة» أو «matrix»، تحفة الأخوين العبقريين «أندي ولاري وتشاوسكي»، انصهر كلا الشقيقين في تأليفه وأخرجاه معًا، فزلزلا كل ما نعتقد أنه ثوابت، عبر طرح السؤال الوجودي الشهير:

– ماذا لو كان كل ما حولنا غير حقيقي؟

– ماذا لو أن ما نلمسه ونحسه ونعيشه ليس سوى وهم؟

يتخيل الفيلم نهاية مفجعة للعالم، انتصرت فيها الآلات في تمردها على بني البشر، وفي محاولة يائسة أخيرة، دمر الإنسان سماءه ليحجب عن الآلات مصدر طاقتها الأساسي الشمس.

فما كان من الخصم إلا أن ربط الأجنة البشرية بنظام إلكتروني ضخم، ليستمدوا الطاقة من أجسادنا نفسها، أي صرنا بالنسبة لهم بمثابة مجرد بطاريات!

وبينما تكبر أجساد الأجنة داخل شرانقها، تطلق عقول أصحابها داخل مصفوفة الحياة المزيفة، حيث يعيش الكل ونموت دون إدراك أن حياته بالكامل ليست سوى وهم افتراضي.

الفكرة جامحة وقوية، خصوصًا مع المؤثرات البصرية المبهرة، بالإضافة إلى لمسات الإخراج المتقن للأخوين «وتشاوسكي».

السقطة الوحيدة في الفيلم -من وجهة نظر العلماء- أن ما فعلته الآلات غير مبرر؛ لماذا يدخلون البشر في غيبوبات، ويقومون بتسليتهم بمصفوفات افتراضية، فيما لو أحرقوا أجسادهم -مباشرة- سينالون طاقة أكبر؟!

أراه -عمومًا- خطأ مقبولًا في ضوء الضرورة الدرامية، فلا داعي لمثل ذاك التصيد الفيزيائي من قبل المتخصصين، ولا حتى الرمزي من قبل بعضنا، جراء منح المدينة الناجية الأخيرة اسم «Zion» تحديدًا، فيما يبدو استيحاءً واضحًا من أسطورة جبل «صهيون» في التوراة.

لست من أنصار نظرية المؤامرة، فأميل إلى تذوق تلك الروعة المجسدة التي رأيتها، مع تجاهل ما لا يناسبني، كما أن الحبكة – بالفعل- تحتشد بغيرها من مختلف الدلالات التاريخية والدينية، هناك فكرة «المختار» أو «المخلص» من خلال البطل «نيو»، علاوة على اختيار لفظة «مورفيوس» كاسم للمعلم، وهي التي تعود – بوضوح- إلى «إله النوم» في الأساطير الإغريقية،  كما استوقف البعض إطلاق لفظة «نبوخذ نصر» على سفينة الأبطال، وهو الملك البابلي المعروف بسبي اليهود، فيما بدا أنه رغبة من صناع الفيلم، لمعادلة تأثير اختيارهم لعنوان «Zion» الذي تحدثنا عنه أعلاه.

لذلك سأتخطى هذه المتاهات، لأقر حقيقة ثابتة وحيدة، وهي أن الفيلم وظف الهجين السابق بحرفية عالية مع كثير من الحركة والإثارة.

وهكذا، استحق «ماتريكس» الخلود في قائمة أكثر ثلاثيات الخيال العلمي شهرة، ثم جاء موعد حفل الأوسكار رقم 72 لينال تتويجًا مستحقـًا بجوائز؛ «أفضل مونتاج – صوت – مؤثرات صوتية – بصرية».

 

ثلاثية أخرى جذبت الأنظار، وأخذت المشاهدين إلى عالم مبهر وموحش اسمه «ألعاب الجوع».

تحكى القصة عن دولة «بانيم» المستقبلية، والتي تتكون من العاصمة الغنية «الكابيتل»، تحفها 12 مقاطعة فقيرة.

عم الأمان «بانيم» بعد ثورة فاشلة للمقاطعات الجارة، أعقبها فرض قربان للسلام يتشارك الجميع في دفعه من، دماء أبنائهم، حيث تنظم البلاد مسابقة سنوية من نوعية تليفزيون الواقع، يقتتل فيها 24 متنافس في بث مباشر على شاشات «بواقع شاب وفتاة عن كل مقاطعة»، لتنتهي المباراة بفائز وحيد، فائز واحد فقط عليه يغادر أرض المعمعة، وخلفه 23 قتيل.

الفيلم مستوحى من سلسلة «مباريات الجوع» للكاتبة «سوزان كولنز»، لينتقل جزؤها الأول إلى قاعات السينما في 2012 عبر قيادة إخراجية لـ «جاري روس».

دنت ميزانية الفيلم من حاجز الـ 80 مليون دولار، ليحصد في مقابلها حوالي 152 مليون في أسبوع الافتتاح وحده، ثم يحطم رقمًا قياسًا في تصدر شباك التذاكر لمدة لأربع أسابيع متتالية.

90% من إعجابي بـ «أفاتار» موجه إلى عنصر واحد بالعمل، المخرج.

إنه «جيمس كاميرون» يا سادة، الرجل الذي يمتلك ثلاثة أفلام تخطت أرباحها حاجز المليار دولار، أي تكاد تفوق ميزانيات دول نامية، انفرد اثنان منهما بالمركزين الأول ووصيفه «أفاتار وتيتانيك» في قائمة الأكثر دخلًا على مدار التاريخ.

تلك التركيبة الملهمة لـ«كاميرون» اختلط فيها رؤية المخرج مع فكر السيناريست مع إبداع الرسام أيضًا، فما قد لا يعرفه الكثيرون أنه يصمم اسكتشات أفلامه بنفسه، ولنا في أفاتار وترمنيتور خير دليل على موهبته، بل لعلنا نذكر جميعًا مشهد رسم ديكابريو لكيت وينلست في «تيتانيك»، حسنًا، لم تكن تلك يد «ديكابريو» بطبيعة الحال، بل تعود لكاميرون نفسه، وإن اضطر لعكس المشهد بواسطة مرآة، نظرًا لأن مخرجنا الفنان، أعسر، في حين يستخدم كابريو يده اليمنى.

قد تتعجب عندما تعلم أن «كاميرون» كتب فكرة «أفاتار» مطلع التسعينات، أي قبيل عمله على فيلم «تيتانيك» نفسه، ما كبحه هو عدم رضاه عن مستوى تكنولوجيا المؤثرات آنذاك، والتي ارتأى أنها لن تكفي لتنفيذ فكرته، فانتظر -بصبر- حتى أتت اللحظة المواتية أخيرًا عام 2005، ليستغرق الإعداد للفيلم نحو أربع سنوات، انتهت بعرضه عام 2009.

تكلف العمل أكثر من 200 مليون دولار، لتشكل استثمار في محله تمامًا، بدليل تصدره المركز الأول كأعلى إيرادات سينمائية في التاريخ.

تعود لفظة «أفاتار» إلى الفلسفة الهندوسية، فتشير إلى تشكل الإله الأعلى أو «ديفا» في صورة أرضية مادية، ثم توسع استعماله فيما بعد؛ ليعبر عن كل فكرة أو روح تأخذ صورة مجسدة.

الفيلم بمثابة نظرة نقدية من الأعلى لجذور النزعة الاستعمارية الغربية، فيتحدث عن كوكب بعيد يسمى «باندورا»، تسكنه كائنات مسالمة زرقاء اللون تسمى «نافيي»، ثم تغير كل شيء بعد اكتشاف البشر لوجود معدن نفيس تحت ثَرَى الكوكب، فاستخدموا تقنية تمكّن أحدهم من التجسد افتراضيًا في صورة مطابقة للباندوريين، واختاروا لهذه المهمة جنديًا قعيدًا يحمل اسم «جاك سولي».

اندس «سولى» لجمع المعلومات خلف خطوط العدو، فسرقه الوقوع في حب ابنة ملكهم.

يرى النقاد أن التتمة ما هي إلا تكرار لفيلم «الرقص مع الذئاب»، مع فارق كسائه صبغة فضائية + مؤثرات ثلاثية الأبعاد، في حين لا أفهم – بالضبط- ما وجه النقيصة في ذلك، هناك على سبيل المثال؛ رائعة الخيال العلمي «غريب في أرض غريبة»، أذكر جيدًا أن مؤلفها صرح بوضوح أنها كان يضع فكرة «كتاب الأدغال» أمامه، واستبدل – فقط-  حبكة الطفل الضائع في الغابة الذي ربته الذئاب، إلى آخر في المريخ نشأ في كنف الفضائيين.

ومع ذلك؛ ارتقت بها المعالجة الجديدة إلى مصاف أهم كلاسيكيات الخيال العلمي.

كما أن عبقرية أفاتار تكمن أكثر في التفاصيل الصغيرة، في الرسم المبدع لحياة «النافي»، علاقتهم بالشجرة المقدسة، انصهارهم مع الطبيعة حولهم من نبات وحيوان وجماد، حتى في جزئية التحام ضفائرهم بها.

تلخص البطلة سمو الفكرة في كلمتها: «نعتقد أن طاقة الإنسان اقترضها من الطبيعة حوله، وسيأتي اليوم الذي يردها فيه إليها».

بعد النجاح الكاسح لـ«أفاتار»، تشجع «كاميرون» لتنفيذ جزأين آخرين للفيلم، ويقال إن الإفراج عنهما للعرض سيتم أواخر العقد الحالي.

The post «السايبربانك» بين الأدب والسينما appeared first on ساسة بوست.

مترجم: 20 فيلمًا عن الوحدة تستحق المشاهدة

$
0
0

العناوين التالية هي كلها عناوين لأفلام عظيمة تحتوي على موضوعات متكررة من الشعور بالوحدة أو العزلة. تستكشف العديد من الأفلام هذه المواضيع من خلال وسائل مختلفة لأولئك الذين يعانون من العزلة، مثل الانعزال والانفصال عن المجتمع، ومحاربة الشياطين النفسية الخاصة بهؤلاء الأشخاص أو بكل بساطة، تتقطع بهم السبل في مكان بعيد، بعيد جدًا.

تقرير نشره موقع «taste of cinema» رصد من خلاله أبرز 20 فيلمًا تناولت قصص العزلة والاغتراب والوحدة.

1- (Wild Strawberries (1957

من تأليف وإخراج الرائع «وانغمار بيرغمان»، Wild Strawberries أو (التوت البري)  ليس بعيدًا كل البعد عن معظم أعماله الأخرى، حيث يتعامل مع الفكر الذي يثير الأسئلة والموضوعات التي تتعلق باكتشاف الذات. ومع ذلك، في هذه الدراما السامية جدًا، فإننا نتعامل مع «بيرغمان» أكثر دفئًا، وأكثر تفاؤلًا ومع نتائج رائعة.

يلعب «فيكتور سيوستروم» دور «إسحق»، وهو أرمل يبلغ من العمر 78 عامًا وأستاذ جامعي يقوم برحلة طويلة بالسيارة، لتسلم جائزة عن خدماته في حقله المهني. خلال الرحلة، يضطر لمواجهة كوابيس ورؤى متكررة تتعلق بعلاقاته الإنسانية التي عايشها في ماضيه.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

2- (Red Desert (1964

في فيلم Red Desert أو (الصحراء الحمراء)، أول فيلم بالألوان للمخرج «مايكل أنجلو أنطونيوني»، فإننا نعايش تجربة نضال امرأة مع الاغتراب والضياع.

تلعب «مونيكا فيتي» دور «جوليانا»، وهي أم شابة وزوجها، «أوغو»، هو مدير مصنع محلي للكيماويات. مع زوج يعمل فوق طاقته، تعاني «جوليانا» من نقص الدعم العاطفي والاهتمام الذي تسعى إليه بشدة. مع هذا الإهمال، تنهار الحالة النفسية لجوليانا.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

3- (Repulsion (1965

Repulsion  أو (تنافر) هو أول فيلم ناطق باللغة الإنجليزية للمخرج «رومان بولانسكي». وهو فيلم من أفلام الرعب النفسي الذي أُنتج في عام 1965. الفيلم من بطولة «كاثرين دونوف»، ويركز الفيلم على تحول امرأة شابة إلى الجنون بعد أن تُركت وحيدة في شقة أختها. Repulsion هو الجزء الأول من ثلاثية بولانسكي «ثلاثية الشقة» والأفضل من بينها.

«كارول يدوكس» وهي الشخصية التي تؤديها «كاثرين دونوف»، وهي عاملة مانيكير تعيش مع شقيقتها الكبرى في لندن. وما تلبث شقيقتها أن تذهب أجازة مع صديقها، حتى تدخل في دوامة من الجنون، وبالتالي تتعرض للحظات من الرعب الحقيقي النفسي والجسدي.

الفيلم وهو حكاية خانقة ودموية من الكبت الجنسي والعزلة، هو جولة مزعجة ومقلقة من القوة، الذي سيسجل باعتباره واحدًا من أكثر الأفلام تأثيرًا من هذا النوع.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

4- (Le Samourai (1967

Le Samourai أو (الساموراي) هو فيلم للسيناريست «جان بيير ميلفيل» ومن بطولة الممثل «آلان ديلون».

«جيف كوستيلو» وهي الشخصية التي يؤديها الممثل الرائع «ديلون»، هو رجل يعيش في غرفة في شقة في باريس، التي تحتوي على القليل جدًا، باستثناء طائر صغير وضع في قفص. من دون عاطفة أو تعبيرات، كوستيلو هو تجسيد لذئب وحيد، يعلوه الصمت وذو مهارات عالية مع لعبة البوكر.

(الساموراي) هو قصة بسيطة مع حبكة أساسية نسبيًا تستحوذ عليك مع تطور الأحداث.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

5- (Silent Running (1972

في أول ظهور له باعتباره مخرجًا، جلب «دوغلاس ترمبل» لنا دراما من الخيال العلمي الرائعة والمثيرة، Silent Running.

يلعب «بروس ديرن» ببراعة دور «فريمان لويل»، وهو أحد أفراد الطاقم على متن مكوك للفضاء، والذي كُلِّف بإعادة تأهيل الحياة النباتية التي تم الحفاظ عليها في قباب معلقة بشاحنات فضائية.

وعلى الرغم من الثقة التي حازوها مع مثل هذه المهمة الهامة والتاريخية، فإن «فريمان لويل» هو الوحيد من بين أفراد الطاقم الذي لا يظهر عاطفة أو مصلحة في مهمتهم لاستعادة ما تبقى من نباتات كوكبنا. ومع ذلك، عندما كان الفريق يتلقى أمرًا من أجل تدمير القباب والعودة إلى الوطن، فقد واجه «فريمان لويل» قرارًا هائلًا فيما يراه تضحية من أجل الصالح العام.

وعلى الرغم من إنتاجه منذ أكثر من 40 عامًا، فقد نجح هذا الفيلم أمام اختبار الزمن. فيلم Silent Running بوصفه فيلمًا مؤثرًا ومدروسًا، هو بالتأكيد فيلم من أفلام الخيال العلمي مع فارق.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

6- (Solaris  (1972

فيلم Solaris أو (سولاريس) من إخراج «أندريه تاركوفسكي»، وإنتاج عام 1972. (سولاريس) هو فيلم الخيال العلمي الدرامي الروسي المعروف باعتباره واحدًا من أفضل أفلام الفضاء. فيلم آخر على هذه القائمة، الذي يحتوي على القليل من الحركة، يتفوق فيلم (سولاريس) باعتباره دراما نفسية، مع صور حزينة مذهلة.

(سولاريس) هو كوكب يشبه المحيطات، دارت حوله لسنوات محطة فضاء روسية في محاولة لدراسة هذه الظاهرة. ونظرًا لعدم إحراز تقدم وتقارير عن النشاط الغريب، فقد كُلف المتخصص في علم النفس «كريس كلفن» بمسؤولية التحقيق في ما يجري على متن المحطة. مع وصول كريس إلى المحطة، ومعايشته لسلسلة تقشعر لها الأبدان من أحداث ماضيه، يجد نفسه محاصرًا بمشاعره الخاصة من العزلة العاطفية والشعور بالوحدة.

دراسة معقدة ومخيفة فلسفيًا في الحبس والاغتراب، سولاريس هو رؤية ملحمية من قبل مخرج موهوب. في حين ربما لا يكون الفيلم أفضل أعماله، فإن (سولاريس) لا يزال فيلمًا جميلًا وآسرًا.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

7- (Taxi Driver (1976

Taxi Driver أو (سائق التاكسي) هو فيلم دراما صدر في عام 1976 من إخراج «مارتن سكورسيزي» ومن بطولة «روبيرت دي نيرو» و«جودي فوستر».

ينظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره واحدًا من أفضل الأفلام، سائق التاكسي هو تحفة فنية لـ«مارتن سكورسيزي». كفريق واحد مع «روبرت دي نيرو»، جعل المخرج من سائق التاكسي دراسة لشخصية شاب وحيد، يساء فهمه ومزاجي.

«ترافيس بيكل» (دي نيرو) هو جندي سابق في البحرية، الذي يعيش وحيدًا في مدينة نيويورك، والذي يعاني من الأرق. من خلال مهنته ليلًا سائق سيارة أجرة، يكون «ترافيس بيكل» شاهد عيان على المدينة البائسة والمقززة، التي يعيش فيها والتي تغذي غضبه المكبوت بالفعل.

«ترافيس بيكل» سرعان ما يركز انتباهه على عاهرة في سن المراهقة (جودي فوستر)، ويحاول أن يقنعها بالتحرر من عبوديتها الجنسية.

يمكن القول إن سائق التاكسي باعتباره الأفضل في تصوير الاغتراب في المناطق الحضرية، هو فيلم لا ينسى ومعزز بقوة بسبب الأداء الرائع من الفريق. صورة واقعية وكابوسية للتدهور العقلي لرجل، سائق التاكسي يحتوي على بعض من المشاهد الأكثر شهرة.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

8- (Paris, Texas (1984

Paris, Texas أو (باريس، تكساس) هو أول فيلم من الفيلمين اللذين أخرجهما «فيم فيندرس» على هذه القائمة. والفيلم من بطولة «هاري دين ستانتون»، هذا الفيلم الذي نعايش من خلاله رحلة على الطريق، هو دراسة حزينة لرجل على الرغم من تقدمه في العمر، يواجه في النهاية الأشخاص الذين كان يعاملهم بشكل سيء للغاية. في الجنوب الغربي الأمريكي، خلق فيندرس رواية عاطفية أخرى من العزلة والانسحاب.

«ترافيس» (ستانتون) هو شخص تائه يعلوه الصمت ويسعى لتعقب زوجته وابنه اللذين تركهما قبل 4 سنوات.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

9- (Wings of Desire (1987

الفيلم الثاني للمخرج «فيم فيندرس» على هذه القائمة، (الجنة فوق برلين) هو دراما شعرية تروي قصة اثنين من الملائكة غير المرئيين والأبديين في برلين، من تمثيل «برونو غانز» و«أوتو ساندر». في نسخته الأولى بالأبيض والأسود، نرى كيف يبدو العالم في عيون الملائكة، في حين يمكننا سماع أفكار الناس بشكل فيه تركيز أيضًا.

داميال (غانز) وكاسيل (ساندر) كلاهما من الملائكة التي تجوب مدينة برلين الجميلة، ويراقبون الحركة في المدينة. عندما تبدأ الملائكة بإيلاء المزيد من الاهتمام إلى البشر المفضلين لديهم، يقع داميال في حب فنانة تدعى ماريون.

(الجنة فوق برلين) مع لقطاته القوية وقصتة المؤثرة حقًا، هو قصة حب رومانسية وعميقة، موجهة بشكل رائع من قبل المخرج فيندرس.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

10- (Naked (1993

يُعرَف المخرج البريطاني «مايك لي»  بعرض مشاهد واقعية لطبيعة شديدة لا هوادة فيها. فيلمه (العاري)، ربما هو قطعته الأكثر قتامة والأكثر إحباطًا. يلعب الممثل «مايك لي» دور «جوني»، وهو شاب ذكي متعلم جيدًا، يعاني بوضوح من الاكتئاب.

ينظر إلى «جوني» باعتباره تائهًا متجولًا، الذي يهرب من منزله في مدينة مانشستر، بعد مشاجرة جنسية مقززة في الشارع الخلفي. عندما يسعى «جوني» للجوء إلى شقة شريكته السابقة، لويز، ومقرها في لندن، لم يمض وقت طويل قبل أن نرى الجانب الحقيقي لهذه الشخصية العدمية، الساخرة والعنيفة.

11- (Three Colours: Blue (1993

فيلم (ثلاثة ألوان: الأزرق) هو الجزء الأول من ثلاثية «كريستوف كيشلوفسكي» المذهلة، ويمكن القول إنه الجزء الأفضل والأكثر شهرة من بين الأجزاء الثلاثة. الفيلم الذي تلعب بطولته «جولييت بينوش»، يسلط الضوء على الحزن والمعاناة التي تعاني منها الشخصية الرئيسية.

بعد فقدان أحبائها في حادث سيارة مميت، ترى «جولي» (بينوش) أن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التعامل مع هذه المأساة هي الانفصال تمامًا عن ماضيها وبدء حياة جديدة في بلدها. كلما حاولت «جولي» عزل نفسها، تعود إليها الذكريات بقوة، في الوقت الذي تقتحم فيه الشخصيات القديمة والجديدة حياتها الجديدة.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

12- (Chungking Express (1993

Chungking Express هو دراما رومانسية للمخرج الكبير «وونغ كار واي» من هونج كونج وبطولة النجوم «توني لونغ» و«كانيشرو تاكيشي». يتتبع الفيلم الذي يأتي في جزأين رحلة حب حزينة في الماضي والحاضر.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

13- (Leaving Las Vegas (1995

Leaving Las Vegas  أو (مغادرة لاس فيجاس) هو حكاية يائسة لاثنين من النفوس الضائعة وكفاحهم مع الإدمان والشعور بالوحدة. الفيلم من بطولة النجم «نيكولاس كيج» و«إليزابيث شو».

تبدأ القصة مع بن (كيج)، الرجل الذي فقد كل شيء، زوجته وولده ووظيفته. يقرر بن السفر إلى لاس فيجاس وحيدًا، حيث كان بإمكانه أن يتناول الشراب حرفيًا حتى الموت. سيكون مصيره هناك أن  يلتقي امرأة عاهرة اسمها سيرا (شو)، وهي امرأة شابة ذكية لا تخلو من مشاكلها الخاصة.

ولأن كلا منهما يقبل الآخر، تتطور العلاقة بينهما بالشكل الذي ترغب فيه سيرا على وجه الخصوص.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

14- (Cast Away (2000

Cast Away أو (المنبوذ) من بطولة النجم «توم هانكس»، هو واحد من أفضل وأهم أفلام العزلة في الآونة الأخيرة. في هذا الفيلم الذي يمثل قصة الرجل الكلاسيكي في مقابل الطبيعة، يتفوق «توم هانكس» في هذا الدور باعتباره روبنسون كروزو العصر الحديث، وينجح في البقاء على قيد الحياة في حياة من الفصل التام عن جميع البشر.

تدور أحداث الفيلم حول موظف في شركة فيديكس تقع طائرته في المحيط ولكنه ينجو بأعجوبة ليجد نفسه على جزيرة غير مأهولة فيحاول التعايش مع هذا الأمر حتى يفكر ذات يوم في صنع مركب تقله عبر المحيط ليعود إلى وطنه ثانية، وهو ما ينجح فيه فعلًا.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

15- (Lost in Translation (2003

حققت «صوفيا كوبولا» في فيلمها الطويل الثاني نجاحًا نقديًا وتجاريًا، وذلك عبر فيلمها السوداوي الحلو والمر في نفس الوقت:  Lost in Translation أو (ضائع في الترجمة). هذه الدراما الكوميدية الحالمة التي يلعب بطولتها «بيل موراي» و«سكارليت يوهانسون»  تغرق في الغرابة دون أن تقع في فخ التعالي أو الاستعراض.

يجد بوب (ويلعب دوره بيل موراي) وشارلوت (وتلعب دورها سكارليت يوهانسون) نفسيهما وحيدين في ظروف مختلفة تمامًا في فندق في طوكيو. يبدأ هذان الغريبان بتكوين علاقة غير مألوفة تظهر ارتباطهما الرائع على المستوى العاطفي.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

16- (Spring, Summer, Autumn, Winter…and Spring (2003 

هذه الدراما الفاتنة التي أخرجها «كيم كي-دوك» تكشف الصبر الذي تعامل به المخرج مع الفيلم. بحوار قليل وقصة بسيطة، تعتبر هذه التحفة الهادئة المتأملة تجسيدًا لفكرة المزيد هو الأقل.

تجري أحداث الفيلم في معبد بوذي عائم، وهو يتتبع حياتي راهب طفل وأستاذه. عبر التعاليم البوذية والحياة في المعبد يكبر الطفل ليصبح مراهقًا ويتابع حياته في هدوء وسكينة، ويبقى الوضع هكذا حتى تدخل حياته فتاة شابة لتهزّ مبادئه، وهو ما يقود إلى مواقف ومشاعر متناقضة ومتقلبة.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

17- (The Machinist (2003

من إخراج «براد أندرسون» وبطولة «كريستيان بيل» الذي يبدو نحيلًا بشكل صادم. يخبرنا الفيلم  قصة حياة عامل يعاني من عدم النوم لدرجة أنه يبدأ بالشك في سلامة عقله.

«تريفور ريزنيك» (ويلعب دوره كريستيان بيل) ميكانيكي لم ينم لمدة عام كامل ومن الواضح أنه يصارع مرض فقدان الشهية.

بشكله الغريب وسلوكه الشارد، غالبًا ما يجد بطلنا نفسه وحيدًا، وتتدهور حالته أكثر حين يتعرض لحادث دموي في العمل. لكي يصارع الأوهام التي تغمر ذهنه، يعتمد البطل كليًا على القصاصات الملصقة بثلاجته لكي يستطيع الاستمرار والتغلب على الأزمة التي تعصف به.

الفيلم يحكي تجربة مؤلمة تم تصويرها في مشاهد قاتمة وثاقبة، وبالطبع أداء بيل في الفيلم كان مدهشًا.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

18- (Into The Wild (2007

فيلم «شون بين» المؤثر والملهم يعتمد على إيميل هيرش الذي يلعب دور خريج جامعة تحول إلى رحالة منطلقًا في رحلة فلسفية لاستكشاف أمريكا الشمالية. تاركًا كل علامات الحياة التقليدية وراءه، بما في ذلك أصدقاءه وعائلته، نشاهد كريس (ويلعب دوره هيرش) في مطاردته للحرية والسعادة في رحلة يقرر أن يقوم بها وحده.

الفيلم الآسر الذي تم تصويره بجمال مقتبس من كتاب ناجح جدًا بنفس العنوان للكاتب دون كراكور.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

19- (Mary and Max (2009

فيلم ماري وماكس الذي كتبه وأخرجه آدم إيليوت هو كوميديا سوداء مصنوعة بتقنية الرسوم المتحركة المصنوعة من الطين. الفيلم مبني على الصداقة غير المتوقعة بين الصديقين بالمراسلة؛ ماري ذات الثمانية أعوام من أستراليا، وماكس، اليهودي الذي يبلغ من العمر 44 عامًا والذي يعيش في نيويورك. هذا الفيلم الطويل الملون بالكامل يحكي قصة كئيبة وموجعة ولكنها مؤثرة.

تقع أحداث الفيلم في سبعينيات القرن الماضي، حيث نتعرف على ماري دينكل، وهي فتاة صغيرة تبلغ من العمر 8 سنوات وتعاني من الوحدة والكآبة نتيجة إهمال والديها لها.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

20- (Her (2013

الفيلم هو دراما كوميدية من الخيال العلمي أخرجها «سبايك جونز» ولعب بطولتها النجم «جواوكين فينيكس» الذي جسد دور رجل وحيد يدخل في علاقة عاطفية مع نظام تشغيل اسمه سامانثا. الفيلم المدهش بصريًا والذي يعتمد على سيناريو رائع أثبت أهميته في جوائز الأوسكار، حيث فاز بجائزة ورشح لأربع جوائز أخرى.

تقع أحداث الفيلم في عام 2025، حيث نتعرف على تيودور (ويلعب دوره فينيكس) وهو رجل حساس وعاطفي لا يزال يتابع إجراءات طلاقه. بسبب طبيعة الطلاق وعدم استعداده للالتزام بأي علاقات أخرى، يشعر تيودور بعزلته وينطوي أكثر عن المجتمع، حتى يتعرف على نظام التشغيل الذي لا يتمتع فقط بذكاء خارق، بل لديه القدرة على التطور.

للمزيد عن الفيلم، يمكنك الاطلاع على رابط IMDb من هنا.

The post مترجم: 20 فيلمًا عن الوحدة تستحق المشاهدة appeared first on ساسة بوست.

فيلم سحابة أطلس.. أتظن أنك شاهدته كاملًا؟ أنا لا أظن ذلك

$
0
0
  • نسختك من الحقيقة هي ما أريده.
  • الحقيقة متفردة، وكل نسخها مجرد زيف.

بهذا الحوار المكثف بين المحقق و«تسونمي» عام 2144، يستقبلنا الأخوان «واكوفسكي» في مستهل تحفتهما الرائعة (سحابة أطلس السداسية)، ليقولا لنا منذ البداية إن القصص الست التي يرويها الفيلم طوال ساعاته الثلاث الممتعة، ما هي إلا قصة واحدة في الحقيقة! ومن خلال مونتاج عبقري يدمج بخفة بين القصص الست، ويحرك أحداثهم معًا بالتوازي، ويتنقل بينها بسلاسة شديدة، تشعر برغم تعدد الوجوه والأحداث أنك أمام قصة واحدة فعلًا.

قصة الحياة عبر التاريخ، قصة الصراع بين الحق والباطل، وبين الاستغلال والتحرر.

الصراع بين من يؤمنون مع «نيشته» بفلسفة القوة، وأن الضعفاء ما هم إلا لحم يأكله الأقوياء، كما قال الطبيب جوس، في القصة الأولى التي تدور أحداثها عام 1846.

أولئك الذين يؤمنون بهذه المقولة لدرجة أنهم يصورنها على أنها نظام الكون الطبيعي، الذي قد تؤدي أي محاولة لتغييره لدمار العالم كما قال القس «هوركس».

وبين من يؤمنون بفلسفة الأخلاق وبالعدل والمساواة، الذين يتساءلون بصدق على لسان المحامي «آدم يوينج»: إذا كان الله قد خلق العالم فكيف نعرف ما يجب تغييره وما يجب تركه مقدسًا؟

وانطلاقًا من المقولة الأخيرة، المرفوعة في وجه الحداثة التي استباحت كل شيء، وعبثت بكل شيء بذريعة العلم والتقدم، يبدأ الفيلم في توجيه أسئلته، ونقده، ورسائله، ورصاصاته القاتلة.

والرصاصة الأولى كانت موجهة إلى مركز الحداثة، وقلبها النابض، إلى فكرة التقدم نفسها، وتصوير التاريخ على أنه خط مستقيم صاعد، أو على أنه درجات سلم كل واحدة أعلى وأفضل من سابقتها.

وعبر أحداث القصص وتطورها التاريخي، يؤكد لنا الفيلم مع كل مشهد أن التاريخ إن كان لا بد من تصويره على هيئة خط مستقيم، فإنه ولا بد خط نازل وليس صاعدًا، وأن التقدم المزعوم ما هو إلا مارد أعور، يقدم لنا العلم بيد، ويسحق إنسانيتنا ومشاعرنا بيده الأخرى، وأن المستفيد الأكبر من هذا التقدم هو الجشع والاستغلال، الذي يتخلى عن تخفيه وتنكره ومراوغته، ويصبح بمرور الوقت أكثر جرأة ووقاحة ووحشية.

فنلاحظ أن «جوس» الطبيب الجشع، يقوم سرًّا بتسميم المحامي الطيب «آدم يوينج»، بينما يتظاهر بعلاجه، ولا يجرؤ على إعلان خطته، بينما الموسيقار «فيفيان» العجوز في القصة الثانية عام 1936، يعلن صراحة عن نيته سرقة مجهود مساعده «روبرت فروبيشر»، ومقطوعته سحابة أطلس.

نلاحظ أيضًا أن الجشع يزداد خسة وانحطاطًا بتقدم التاريخ، فبينما كان فرديًّا وموجهًا نحو ضحايا بعيدين نسبيًّا عن الشخص الجشع في الأولى والثانية، نجده في القصة الثالثة عام 1970 أصبح منظمًا ومؤسسًا، وكذلك صارت ضحيته مدينة بأكملها، هي نفسها المدينة التي يسكنها رجل الأعمال الجشع.

أما في القصة الرابعة عام 2012، فإن الانحطاط يصل إلى أن الأبناء يسجنون آباءهم قسرًا في دار المسنين، ولا يعبؤون حتى بخبر وفاتهم، إلا عندما يظنون أن الأمر يؤثر في الوصية.

وبعد أن وصل الجشع إلى هذه الدرجة من التبجح والانتشار، تأتي القصة الخامسة عام 2144، حيث وصل التقدم العلمي إلى ذروته وتحقق إنسان «نيشته» الكامل، المسيطر على كل شيء، ونلاحظ أن العلاقات الإنسانية الطبيعية، كالأخوة، والأبوة، والصداقة، التي وجدت في القصص السابقة بلا استثناء، قد اختفت وتلاشت تمامًا في القصة الخامسة، وانقسم البشر بمنتهى الوضوح والصفاقة، إلى أسياد يملكون كل شيء، وخدم معدلين جينيًّا ومصنعين في أحواض، ليس لهم أي حقوق أو أحلام، ودورهم الوحيد ينحصر في خدمة الأسياد، والعمل على راحتهم دائمًا، حسب القانون الأول الذي ذكرته «سونمي».

كما أنه ليس من حقهم، أن يتحدثوا بلغة الأسياد، ولا أن يرتدوا ملابس تشبههم، ولا حتى يتخيلوا مجرد تخيل كيف سيشعرون إذا صاروا أسيادًا.

وهكذا نكتشف أن التقدم ما هو إلا وهم وخديعة، وأن العالم طالما أصر على المضي بهذا الاتجاه، فإنه يسير بخطى حثيثة إلى الهاوية.

أما الرصاصة الثانية، فكانت موجهة إلى فلسفة القوة عند «نيتشه»، حيث يريد صناع الفيلم أن يعلمونا أن الأنانية ليست فقط تجعل الروح خبيثة، ولكنها في آخر المطاف ستؤدي لفناء العالم، وأن المنح والعطاء والتضحية، ليست مجرد ترف أخلاقي، ولكنها واجب ووسيلة لإنقاذ أنفسنا قبل الآخرين، حيث ينقذ «آدم يوينج» العبد «أوتوا»، ويمنحه حياةً جديدةً، فيقوم «أوتوا» بإنقاذ حياته، ويخلصه من سم الطبيب القاتل، وكذلك يقوم والد «لويزا راي» بإنقاذ زميله في الحرب، فيعود هذا الزميل لإنقاذ ابنته من القتل، على يد شركة البترول، وأيضًا يرفض «تيموثي كافنديش» وأصدقاؤه التخلي على السيد «ميتش» العجوز الطيب، ويخاطروا بأنفسهم من أجل إنقاذه، فيكون هو السبب في إنقاذهم من بطش الآنسة «نوكس» وإدارة بيت أورورا، وهكذا في مشاهد عديدة يؤكد الفيلم دائمًا أن العطاء والتضحية هو عطاء لأنفسنا أيضًا، وليس للآخرين.

المدهش والطريف هنا أن المخرجين استخدموا فكرة العود الأبدي عند «نيتشه»، لتأكيد هذه الرسالة الأخلاقية ولتبريرها أيضًا، حيث تكررت أكثر من مرة عبارة «حياتنا ليست ملكًا لنا، من ميلادنا وحتى الممات نحن مرتبطون بالآخرين، في الماضي والحاضر، وبكل عمل خير أو عمل شر نعيد خلق المستقبل».

وأكدوا نفس الفكرة أيضًا، عن طريق قيام الممثلين بأداء شخصيات مختلفة في كل قصة من القصص الست، وكذلك من خلال رمزية سيمفونية سحابة أطلس السداسية، التي يظن كل من يسمعها أنه سمعها قبل ذلك في مكان ما، ومن خلال حديث «فروبيشر» نفسه عن أنه سمع هذه الألحان من أفكار «فيفيان» العجوز وفي أحلامه، خلال لقاءاتهم المتعددة في حياوات أخرى عبر التاريخ.

ثم يعود «فروبيشر» ويؤكد أن حياواتنا متقاطعة ومتداخلة إلى أقصى حد، وأن المسافات والحواجز ما هي إلا وهم، إذا كسرناه سنرى الحقيقة، ونسمع دقات قلوب الآخرين كأنها قلوبنا.

فإذا كانت الأخلاق بهذه الأهمية، وإذا كانت أفعال الخير والشر هي التي تخلق مستقبلنا، فما هو الشيء الذي يتحكم في أفعالنا؟

هنا يصبح «كانط» حاضرًا بمنتهى القوة.

إن الشيء الذي يتحكم في أفعالنا، ويجعل الخير مبررًا هو الإيمان، جميع الشخصيات الطيبة في قصص الفيلم، كان لديهم شيء واحد مشترك رمز له المخرجان بتلك الوحمة على شكل مذنب، جميعهم كان لديهم إيمان ما يمنحهم مركزًا صلبًا لحياتهم يستندون عليه.

«آدم» كان لديه أسرته، و«فروبيشر» و«سكسميث» كان لديهما الحب، والصحفية كان لديها ذكرى والدها وأسطورته، و«كافنديش» كان لديه حبه القديم لـ«أورسولا»، وكذلك «سونمي» نشأ لديها عشقها لـ «تشانج» قائد المقاومة.

هذا الإيمان بشيء متجاوز للمادة، أزاح ذواتهم من مركزيتها، ومنحهم القدرة على التعالي والسمو عن الأنانية والجشع، وأعطاهم دافعًا قويًّا للبذل والعطاء والتضحية.

ولكن القرار صعب، والإيمان وحده غير كاف، فالإنسان عبر مسار حياته، وفي كل خطوة يمر بتقاطعات، ويصبح في مواجهة احتمالات عديدة، وللأسف لا يوجد خيار مثالي، كما قال «إيزاك ساكس» عالم الفيزياء في حديثة العابر مع «لويزا راي»، وحتى «سونمي» نفسها اعتذرت عن الانضمام للمقاومة، لأنها رأت أنها مجرد مصنًعة معدلة وراثيًّا لا تملك تغيير شيء.

ما العمل إذن؟

الحل أن نرى الحقيقة، وندرك طبيعة الصراع، ونصدق أن كون الإنسان في أمان بسبب حظه في طبقته الاجتماعية أو عائلته أو أملاكه، هو أمر مؤقت، لأن الجشع سيؤدي بالعالم إلى التهام نفسه في النهاية. وهذا بالفعل ما حدث.

أوشك «آدم» على الموت ولم ينقذه سوى «أوتوا»، وتعرضت «لويزا» للغرق، ثم عرفت أن الأمر أكبر بكثير من مجرد مخالفات قانونية، وأن الشركة تريد أن تدمر المفاعل النووي، وتريد أكبر قدر من الخراب والموت، وكذلك «كافنديش» يتعرض للحبس فيردد عبارته البديعة: «الحرية! ذلك الضجيج الذي تضج به حضارتنا، ولا يقدر قيمته سوى من حرم منه».

وأخيرًا «سونمي» ترى مراسم الارتقاء التي ظنته شيئًا رائعًا، وتمنت ذات يوم أن تصل إليه، فتكتشف أنه مجرد وهم أقنعها به المستهلكون، وأن الموضوع أخطر بكثير مما كانت تظن، إذ إنهم يقومون بذبح المصنعات وإعادة تدويرهن، باعتبارهن مصدرًا رخيصًا للبروتين الذي يقدمونه في الحساء الذي تشربه المصنعات اللاتي ما زلن في الخدمة، فتتكشف لها الحقيقة دفعة واحدة، وتهتف بذعر واشمئزاز حقيقي: إنهم يجعلونا نتغذى على بعضنا البعض.

فإذا رأى الإنسان الحقيقة، وأدرك بشاعة الجشع والاستغلال، قرر بمحض إرادته أن يخوض المعركة، فينذر «آدم» حياته لتحرير العبيد، وتنشر «لويزا» تقرير المفاعل النووي وتفضح الشركة، ويهرب «كافنديش» من محبسه، وكذلك «سونمي» تقرر أن تنضم للمقاومة وتقول لتشانج بعد أن أدركت الحقيقة: «يجب تدمير هذا النظام بأي ثمن، علينا أن نقاتل، بل علينا أن نموت إن اقتضى الأمر في سبيل أن يعرف الناس الحقيقة».

ولكن لماذا تفاقم الشر وانتشر إلى هذا الحد؟

يجيبنا الفيلم على لسان الصحفية «لويزا راي» عندما سألها جارها الطفل لماذا تقرئين هذه الخطابات؟ فأجابته: أحاول أن أفهم لماذا نكرر الأخطاء ذاتها مرارًا وتكرارًا.

وقد وضع الفيلم حلقة وصل بين كل قصة وسابقتها، «فروبرت فروبيشر» يقرأ مذكرات «آدم يوينج»، و«لويزا» تقرأ خطابات «روبرت» لـ«سكسميث» وهكذا، إلى قصة تيموثي كافنديش عام 2012، حيث وصل الإنسان إلى قمة غروره ونرجسيته، وظن أنه امتلك الحقيقة المطلقة، وقاطع الماضي تمامًا وازدراه، ووضع كل رهاناته على المستقبل، فكان ما كان ووصلت الحياة إلى ما وصلت إليه عام 2144، ثم انهارت الحضارة واندثرت تمامًا.

نأتي هنا للقصة السادسة، قصة ما بعد الانهيار، والتي أجلت الحديث عنها على عكس الفيلم الذي ضفرها مع بقية الحكايات، لأني رأيت أن هذه القصة تمتلك خلاصة التجربة، وعصارة الأحداث، كما تقدم الكثير من الإجابات على الأسئلة التي طرحها الفيلم، وخاصة سؤالا: أين الخلاص؟ ولماذا انهارت الحضارة؟

نلاحظ في هذه القصة أن الإنسانية ارتدت على أعقابها إلى قاع الانحطاط، والصراع أصبح بأوراق مكشوفة تمامًا، فنجد الشيطان تجسد وظهر بوجهة الحقيقي للبشر «جورجي القديم»، وكذلك الشر تخلى عن أقنعته وتخلص من شعارات العلم والتقدم، واختفت الطبقة المحظوظة التي تجنبت الصراع في السابق، وأصبح البشر عبارة عن قبيلة «كونا» آكلي لحوم البشر وبقية البشر العاديين، وهكذا نجد مقولة الشيطان تحققت حرفيًّا، وصار «الضعفاء مجرد لحم يأكله الأقوياء». تحققت بلا مواربة أو تخفي.

«ذاكري» بطل هذه القصة ليس لديه وحمة؛ مما يرمز إلى أنه ليس لديه إيمان، وبالتالي فهو أناني وليس لديه استعداد للتضحية، وعندما هجم الـ«كونا» عليهم هو وزوج أخته وابنها اختبأ خلف صخرة، ولم يجب على استغاثاتهما، وحين وسوس له جورجي الشيطان بأن عليه الاستمرار في الاختباء لأنه في أمان صدقه.

بعدها أتت «ميرونيم» التي تنتمي لجماعة اسمها المتبصرون، هم بقايا من نجا من انهيار الحضارة وما زال لديهم بعض التكنولوجيا والعلم، كما أنهم رأوا الأحداث بأعينهم ووعوا الدرس جيدًا، وقد أتت لمحاولة إنقاذ قومها عن طريق إرسال رسالة استغاثة.

إذن أين الخلاص؟

أثناء رحلة «ميرونيم» و«ذاكري» -الذي تخلى عن أنانيته بفضل حبه لابنة أخته- إلى الجهاز الذي سيرسلون منه الاستغاثة، يظهر طريق الخلاص من خلال رموز واضحة الدلالة، حيث الجهاز نفسه على قمة جبل لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال طريق واحد فقط، هذا الطريق يسكنه الشيطان ويمنع أي شخص من تجاوزه.

كما أن «ميرونيم» قبل إرسال الاستغاثة أخبرت ذاكري أن الأرض سممتها هي وأبناء قبيلتها، وأن عليها أن تبحث عن الخلاص في مكان آخر.

الرسالة نفسها تم إرسالها إلى السماء، إلى المستعمرات التي أنشأها القدماء الذين عاشوا قبل انهيار الحضارة، في رمزية واضحة إلى الدين أو الإله أو حتى المطلق. والآن وقد أخبرنا الفيلم بطريق الخلاص يظل لدينا سؤال مهم حائر:

ما الذي أدى للانهيار؟

في حوار من أعظم حوارات السينما، وأكثرها تكثيفًا يجيب الفيلم عن هذا السؤال في مشهد يجمع «ذاكري» و«ميرونيم» ورغم أنه ليس المشهد الأخير، إلا أنني سأختم به هذا المقال.

ذاكري: ألا تخافين الشيطان؟

ميرونيم: أخاف تقلبات الطقس أكثر.

ذاكري: أنت لا تؤمنين بوجوده، ولكن لماذا انهارت الحضارة إذن إذا لم يكن بسبب الشيطان؟

  • أتريد الحقيقة الحقيقة؟
  • نعم.
  • بسبب القدماء.
  • ولكن القدماء كان لديهم الذكاء والعلم.
  • نعم كان لديهم الذكاء والعلم ولكن كان لديهم شيء آخر. كان لديهم الجشع.
  • الجشع! الجشع لماذا؟
  • الجشع للمزيد.

الفيلم من إنتاج عام 2012، وهو مأخوذ عن رواية الأديب الإنجليزي ديفيد ميتشل المنشورة عام 2004، بطولة توم هانكس، وهال بيري، وإخراج الأخوين واكوفسكي.

The post فيلم سحابة أطلس.. أتظن أنك شاهدته كاملًا؟ أنا لا أظن ذلك appeared first on ساسة بوست.

Viewing all 367 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>